23 ديسمبر، 2024 3:54 م

ما ظهر من الدواعش وما بطن

ما ظهر من الدواعش وما بطن

ظهرت داعش في العراق قادمين من سوريا. وكان ظهور تلك الجماعة مفاجئ لليس للعراق فقط، بل للعالم العربي وربما الغربي أيضاً لو استبعدنا نظرية المؤامرة.
كان هدف داعش في البداية تأسيس دولة في العراق والشام ذات طابع إسلامي ومنها أشتق اسمها (الدولة الإسلامية في العراق والشام) . وهذه الدولة تهدف إلى الرجوع إلى دولة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. وكان ما فعلته داعش عند إحتلالها الموصل مثار الرعب والخوف بين الأهالي، وفي نفس الوقت مثار التأمل بين المفكرين والمثقفين.

نعرف تماماً إن الوهابية (السلفيين منهم) يعتقدون بأن الشيعة هي فرقة كافرة تعبد القبور والحجارة. وكانت القاعدة تذبح الشيعة أما الذاهبين سيراً إلى كربلاء في شهر صفر وفق ما تعتقد به الشيعة أو في أي سيطرة وهمية تنصب في الطرق الرئيسية الذي كانت تعرف بتواجد القاعدة أو جماعاتها الخفية. ولكن المفاجأة في داعش إنهم لم يحاربوا الشيعة فقط. بل كانت سيوفهم موجهة في الأساس على رقاب السنة وبالذات أئمة الجوامع والعلماء.

هنا علينا ان نسأل: لماذا هاجمت داعش المحافظات السنية فقط؟ الجواب بالنسبة إلى الحكومة العراقية هو: إن المحافظات السنية أو بالأحرى أبناء العراق السنة في تلك المحافظات فتحت أبوابها على مصراعيه أمام تلك المجاميع. حيث إن داعش استغلت الانتفاضة التي كانت المحافظات السنية تتبناها خلال الاشهر الماضية ودخلت في وقت كان يعتقد فيها ابناء تلك المحافظات المنتفضة إن الأمل بالتحرر قادم، وإن اسقاط الحكومة بات قريبا وربما العودة إلى الحكم.

حتى هذه النقطة، يعتقد البعض إن راس الحكومة صحيح. وإن الفلسفة التي تعتمدها الدولة في تحليل دخول داعش إلى العراق صحيحة. ولكن علينا أن نفكر بطريقة أخرى. لماذا لم تدخل داعش كربلاء والنجف؟ حيث إن الطريق التي سلكته داعش في بداية احتلالها للعراق والمنافذ التي سيطرت عليهعا والسالحة والقوات والاندفاع الذي جاءت به كان حافز ويمهد لها بل ويساعدها في احتلال هاتين المحافظتين بسهولة وبالتالي القضاء على الشيعة في العراق وتحقيق ما تربوا إليه كافة الفرق الوهابية. ولكن ما الذي جعل تلك الفرقة تذهب في طريق

مغاير؟ هل هو الخوف من الشيعة؟ أم إنها غير قادرة على فعل هذا؟ أم إن هناك خفايا جعلت داعش تدخل في مسار تستطيع أن تذهب فيه إلى مسافة بعيدة بعد ذلك؟

الأجوبة على تلك الأسئلة هي في الحقيقة بسيطة جداً.

أثيرت في بعض الدول المجاورة للعراق والكونغرس الأمريكي – من خلال بعض الاجتماعات العلنية وقرارات بعض رجال السياسة في العالم عند مناقشة موضوع العراق – قضية التقسيم والفيدرالية في العراق. وكان بعض السياسيين في العالم العربي والغربي قد اقترح إن التقسيم هو الطريق الأفضل للعراق وإنهاء المشكلة الأمنية فيه.

هنا علينا أن نربط بإهتمام مبالغ فيه بين الأسئلة أعلاه وبين قضية التقسيم. وعلينا أن نركز على إن وجود داعش هو النتيجة النهائية والمحصلة لهذه القضية.

في مقال عنوانه ((كيف ننقذ العراق)) المنشور في الثاني والعشرون من تموز 2014، كتب زلماي خليل زاده، المندوب السابق للأمم لمتحدة في العراق، في موقع ((الجمهورية الجديدة)) ألأمريكي ما نصه:

“يبين تاريخ حرب أهلية كتلك ثلاث سبل فقط لنهايتها. أول تلك السبل هو إنتصار أحد الفرق. وفي حالة مثل العراق، سيكون للشيعة النصيب الأوفر بسبب الثقل الديمغرافي، ولكن التاريخ شهد الكثير من الحروب الأهلية والتي لم تثبت إحصائياتها بدقة أي نصر مؤزر او غير ذلك. ومع هذا، فعندما تهيمن أحد الفرق،فهي تتسيد بفعل الدم والوحشية. لذا، فأن هذه المحصلة هي ليست الغاية التي تبغيها السياسة الأمريكية.

والسبيل الثاني التقسيم. حيث إن القوى الشيعية والقو ى السنية غير راغبة بالمرة في مشاركة السلطة في العراق. فالقوتان ترغبان في إطلاق العنان للكرد في تنفيذ مأربها، ولكنهما يصران على الهيمنة على

المناطق التي يشغلها العرب في العراق. وهذت يوحي بحرب أهلية ضروس.

السبيل الأخير هو الأفضل- أو ربما أقل سوءاً- والذي تسعى إدارة أوباما في فرضه الأن: هندسة حكومة عراقية جديدة والتي يمكن لها أن تقبل الشيعة والسنة والكرد على حد سواء. وبذلك يمكنها أن تدير حملة عكسرية موحدة ( بدعم أمريكي) ضد داعش والقوات السنية الأخرى المنتفضة. يجب أن يبقى هذا الحل من أولويات حكومة واشنطن حتى تنفذ لأنها المحصلة المثالية لكافة الجهات المعنية علاوة على الولايات المتحدة.”

إن هذه المقالة تبين إن هناك جهود تسير في أروقة حكومة واشنطن على أن تدخل في الصراع ولكن بشرط أن تفرض الشراكة الوطنية في الحكومة العراقية المتشكلة حديثاً.

حصلت الشراكة وبصورة متوازنة، وحصلت الولايات المتحدة على قبول دعمها للعراق من قبل الكونغرس في حين كان الأمران مستحيلان قبل أن تتشكل الحكومة وقبل كتابة المقال.

إذن سياسة الولايات المتحدة تفرض سيل الدماء بين السنة والشيعة، لكنها تريد في نفس الوقت أن تهيمن أحدة القوى على الخارطة العراقية

السياسية. تلك القوى هي الشيعة، ولكن كيف لها أن تهيمن من خلال عدم وجود أي صراع طائفي يرجع بنا إلى عصر 2005-2008 في العراق؟ إنه داعش.

دخل داعش إلى العراق من غير تعرف الحكومة إنه سيدخل، أو إنها سهلت له الدخول! دخلت داعش إلى الموصل من غير أن يعرف أهل الموصل إنهم سيدخلون إليها بوجود قيادة قوات دجلة ونينوى. فكيف إذن جعلوها تدخل؟ بعض الميليشيات السنية المتطرفة أو المنحرفة لو صح القول، رأت إن وجودها مع داعش سيعطيها الحق في السلب والقتل وتصفية الأمور، فانخرطت معها مما جعل الناس تصدق بإن السنة أدخلت داعش، في حين إعدام في اليوم الثالث 21 إمام جامع علناً لا يبرر إن السنة لا دخل لهم بدخول داعش إلى الموصل. وبررت وجود السنة في الموصل إلى الأن في مناطقهم رغم إحتلال داعش، ولكن هل يعرفون إن الحكومة المنهزمة في الموصل لم تبث الرعب في نفوس من لا يستطيع الهرب أو عجز عن الخروج من الموصل أو رفض أن يقع تحت رحمة قوانين وقواعد النزوح والتشرد في المحافظات العراقية والمبيت في العراء.

لو راجعنا خريطة دخول داعش إلى العراق لأرينا إن النخيب التي كانت النقطة الأقرب إلى داعش لا تبعد إلا كيلومترات قليلة عن كربلاء، وكربلاء لا تبعد إلا 80 كيلومتر عن النجف أكثر بقليل من ذلك إلى بغداد. إذن لو دخلت داعش إلى كربلاء ثم النجف – وهي قادرة على فعل هذا- لتحققت الدولة الإسلامية وقتلت داعش ما قتلت من المراجع وعلماء دين شيعة، وبالتالي سقوط مهين للحكومة العراقية ويجعل القوى الشيعية في العراق تشعر لطوال عقود قادمة بالعار جراء هذا الإحتلال. إن هذا لا يزيد الأمر إلا دماء، فالعراق سيكون بلا

حكومة، وهذا سيجعل على الولايات المتحدة والدول 47 التي تشارك الأن في العراق ستتدخل ولكن في قتال تحرري جديد، ليس ضد صدام بل ضد داعش. ولو فكرنا قليلاً سنرى إن الكثير من القوى السنية التي تشارك اليوم في الحكومة ستكون في الجانب المقاتل لتحكم العراق من جديد، وقيام بعض القوى التي تولد من الرماد الشيعي لتسيطر على الأقل على ما ضاع منهم من مقدسات. وهاتان القوتان ستلتقي في مكاناً ما- ربما بغداد أو بابل- ليتصارعا على الحكم ويتركوا داعش تزحف نحو أربع مناطق. وتحتل العراق برمته. وهذا سهل عليها وسط الصراع الطائفي.

دخلت داعش إلى المناطق السنية بدل من المناطق الشيعية ليس خوفاً من الشيعة بل لأن من أدخلها دلها على الخريطة وحدد لها الحدود. لذا، عندما تجاوزت داعش الحدود عفوياً وبسبب الإنهزامات غير المتوقعة للجيش العراقي وأحتلت داعش مناطق أخرى خارج الخريطة الأمريكية، ندخلت الولايات المتحدة ومعها 47 دولة. لذا قال أكثر من مسئول أمريكي أن لديها خط أحمر جعلها تسرع بالتدخل. والخط الأحمر هو القرى الكردية. وربما تلك القرى كانت في مكان غير مؤثر ورتبت أمريكا لداعش دخولها كي تبرر التواجد الأمريكي في العراق.

لو استبعدنا خطة الولايات المتحدة، وفكرنا في التفكير الداعشي، لرأينا إن من الأولى لداعش أن تدخل من المثنى. حيث إنها محافظة واسعة ليس لها حدود محمية وسهلة الإحتلال وتربط الوسط بالجنوب يؤدي إلى إحتلال ذي قار والبصرة جنوباً والنجف والقادسية شمالاً. وبهذا تكون داعش قد كسرت شوكة العراقيين. وهي إلى الأن تستطيع فعل ذلك، ولكنها لا تريد فعل ذلك، وقال أبو

بكر: ” أمامنا ساعتين لدخول بغداد، ولكن دخولها لم يحن موعده بعد.” فهل دخول بغداد سيفيد داعش؟ نعم بكل تأكيد، ولكن هل دخولها سيفيد أمريكا؟ كلا فهذا سيزيد الطين بلة. إذن من يتفق معي إن دخول داعش من المناطق السنية هي أمر مدروس.

وفي الغد، ستحاول القوى الشيعية أن تشرح إلى القوى السنية إن الحشد الشعبي الشيعي حرر المناطق السنية من داعش. كما إن المحافظات الشيعية آوت الأهالي النازحين السنة. وبهذا فهو إنتصار شيعي على السنة. وسيعبر الشيعة عن أستياءها من التخاذل السني والسماح لهم بقبول داعش.

وفي الغد، سيشعر السنة بإنهم إنكسروا ولا يريدون إلا العودة إلى أهاليهم سالمين وبناء دورهم وقبول الذل والخذلان والتنازل عن الحكومة والسيطرة على الحكومة والصراع الطائفي. وإنهاء اي صراع طائفي بين السنة والشيعة، وعدم الاستنكار السني على الهيمنة الشيعية.