كتابة من الذاكرة
ما سجله عقلي الباطن مع أبي طبر
لست مؤرخاً، ولاادعي أني كاتب سير، فأني مجرد سارد لحدث مرة عليّ فاستدعيت ذاكرتي للكتابة عنه، فما سأورده عليكم يمثل رؤيتي الخاصة لتلك المرحلة، كأنها تشكل معايشتي لها، او أنها ترسم صورة درامية لواحدة من المحطات التي هزت المجتمع العراقي.
البداية من السبع ابكار، صيف عام 1973، حيث منطقة سكناي، الناس ينامون في السطوح، وكان الجو بديعاً في حي تحيط به البساتين من كل جانب، قبل أن تتحول اليوم الى مساكن ومولات، فيما كان شاطيء دجلة يمر عليه بزهوه وتخمة مائه، وليس كحاله اليوم في أدنى مستوياته، حتى الذي لايحب نوم السطح في ذاك الوقت إضطر الى النوم فيه خوفاً من تلك الإشاعة التي تغلغلت في البيوت، واصبحت حديث الصغار والكبار، أن اباطبر كان يستعمل المخدر في مبردة الهواء ليخدر ضحاياه قبل تنفيذ جرائمه، وسواء أكانت هذه القصة حقيقة ام من فبركات احدهم، لكن ناقليها يوردوها كمسلمات لاتقبل الفصال، وفيما كانت الأسر تنام في السطوح قريرات العيون، كان شباب المنطقة يقومون بدوريات خافرة الى الصباح، ومن طريف ماينقل لنا يومها، أن اباطبر كان يشارك شباب منطقته في هذه الدوريات.
كانت الأخبار التي يرويها الناس، تزيد المخاوف عن هذه الشخصية السادية، التي تقتل رغبة في القتل، وليس السرقة، وكان طبره يتراءى امام اعيننا، حتى لبست مرة عباءة، وحملت طبراً، ودخلت الى جارنا ” عبد اللطيف النجار” وكان من هواة الكاراتية، فطرقت على زجاج النافذة برأس الطبر، فلما رآني بهذه الصورة فزع وسقط مغشياً عليه، فاسرعت الى رمي العباءة والطبر، ودخلت عليه ارش عليه الماء وكان في وضع لايسر، يهذري كمستيقظ من البنج بعد عملية جراحية.
ومن ” التوابل”، و” المطيبات” التي تزين المجالس الشعبية، حكايات ” ابو طبر”، التي لايعرف مصدرها من أين بدأت والى من إنتهت، لكن كل واحد من المتكلمين يوثق حديثه بالقول “مصدر قال لي”، ومن هذه ” الحكاوي” محققين روس جاءوا بكلابهم البوليسية بحثاً عن أبي طبر، ولما يأسوا من العثور عليه، او الوصول الى أدلة على شخصيته، أخذت الكلاب بالبكاء، مايعطي زخماً مضافاً لطبيعة هذا المجرم المخيف، ثم اكتشفنا بعد سنين طويلة أنه لم يأت محققين روس أصلاً، وانما فرنسيون!!
ولعل قصة ذلك الطفل، تؤكد أن حالة الخوف وصلت حتى الى الأطفال، والتي اوردها ابو طبر في إعترافاته، من أن طفلاً تحمله أمه في شارع رأس الحواش، رأه فأخذ يصرخ : ابوطبر .. ابوطبر، فولى هارباً من امامه.
ولما سقط في يد العدالة، وبثت القناة التاسعة إعترافاته بلقاء متلفز، وكنا أول مرة نرى السفاح على حقيقته مع زوجته، سارعت أمي رحمها الله الى أختي قائلة ” خايبة هذا يشبه رجلج”، و”حب وأحجي واكره واحجي”.
وجاء حديث الخاتمة، التي سربها رجل أمن وانتشرت كانتشار النار في الهشيم، أن الأجهزة المسؤولة في السجن كانت تعزف عند زنانة”ابي طبر” الموسيقى الصاخبة، كوسيلة من وسائل التعدذيب لمنعه من النوم، فيما كان يصرخ هو ” اعدموني وخلصوني”، في حين ماتت زوجته في السجن قبل أن تصل الى حبل المشنقة.
اللافت في هذه القضية، أن صديقي “عماد” الذي كان يعمل في مطبعة المأمونية في الميدان، سرب لي كتاباً “مجلداً” صادرعن شرطة بغداد، يبدو أنه كان ممنوع التدوال، يتضمن التحقيقات في عدد من الجرائم، ومن بينها جرائم “حاتم كاظم هضم” نعم هو نفسه “ابوطبر”، فلم أجد سوى ثلاثة جرائم مسجلة ضده ، اولاها جريمة بيت الحمامي في المنصور، فتداركت قائلاً : كم من الجرائم ارتكبت بإسمك ياحاتم.
هذا بعض ما جادت به الذاكرة، مما عايشها العبد الفقير الى الله، والسلام ختام.