قبل حوالي الشهرين روجت جريدة ( الشرق الأوسط ) بأنها ستنشر مذكرات رئيس وزراء الأردن الأسبق السيد مضر بدران .. و على مؤسسة عبد الحميد شومان على شكل كتاب … وفعلا بدأت الجريدة بنشر المذكرات يومياً وعلى مدى ثلاثة أيام أي ثلاث حلقات فقط … ثم توقف النشر و من دون سابق إنذار … واضح تماماً أن هناك خفايا و أسرار خطيرة ليست في صالح الكويت تتعلق بسياستها العدوانية تجاه العراق قبل الغزو … انكشف جزء منها في الحلقات الثلاث هي رأس جبل الجليد و مؤكد ليس كله … خاصة أن صاحب المذكرات السيد مضر بدران أهميته ليست كونه رئيس وزراء دولة عربية فقط … بل كونه كان شاهدا مباشرا في الأيام التي سبقت الغزو على احداث و تفاصيل و معلومات في غاية الخطورة لم تذكر من قبل .
جريدة ( الشرق الأوسط ) لها مكانة مرموقة و محترمة في الصحافة العربية و على مدى عشرات السنين … و ليس منطقياً أن توقف نشر المذكرات بعد أن أعلنت عن نشرها مسبقاً إلا إذا كانت هناك أوامر صدرت من جهات عليا في السعودية بايقاف النشر بناء على طلب حكومي كويتي .. هذا هو الأقرب إلى الواقع .. و معروفة قوة العلاقة السعودية الكويتية على مر السنين … هنا يصبح الأمر خارج ارادة الجريدة … السعودية ليست معنية بايقاف النشر بدليل موافقتها على النشر مسبقا … المعني بايقاف النشر هي الكويت … خوفا من انكشاف حقائق و أسرار تدينها و تفضح عدوانها الصريح على العراق بسرقة نفطه … هذا ما جاء في مذكرات السيد مضر بدران .
ذكر السيد بدران أنه كان في الكويت عند إجراء المحادثات بين الجانبين الاردني ممثلا بالملك حسين و الكويتي الشيخ سعد العبد الله وكان يقف هو و وزير الخارجية الكويتي أنذاك الشيخ صباح ( توفي قبل أيام ) وبينما كنا في انتظار ما ستسفر عنه المحادثات من نتائج … يقول السيد بدران سألت الشيخ صباح : هل صحيح ما يدعيه صدام حسين من أن الكويت تسرق النفط العراقي عن طريق الحفر المائل أبان انشغال بغداد بالحرب مع ايران ؟ فكان جواب الشيخ : نعم هذا صحيح … و أضاف الشيخ .. كنا نسحب 1700 برميل يوميا و سوف نتوصل إلى تسوية في هذا الشأن ( صدام حسين قال أن الكويت كانت تسحب 2000 برميل يوميا )
إذاً نحن هنا أمام إعتراف صريح بسرقة خيرات العراق على لسان شيخ الحرامية صباح … أيرضى كويتي يعرف الله بهذا السلوك المشين ؟ مستنقع العار الذي غطس فيه الكويتيين حتى شعر رأسهم لا يمكن الخروج منه حتى يوم الدين … خاصة اذا عرفنا أن الحرب مع ايران لم تكن دفاعا عن العراق فقط بل عن الكويت و عن الخليج العربي عموما … وبينما كان العراق يقاتل ايران كان مطمئناً أن جاره الجنوبي لن يطعنه في ظهره في ظل انشغاله في الحرب … إن لم يكن هذا هو الغدر فكيف يكون الغدر؟! وهكذا كان العراقيون ينزفون دماً و دموع يومياً .. و حكام الكويت يسرقون نفطنا يومياً .. و فوق كل ذلك و بعد انتهاء الحرب و بكل وقاحة و صفاقة تطالب الكويت العراق بدفع عشرة مليون دولار إستدانها العراق لتمويل الحرب … يا لبشاعة و إنحطاط أخلاق بعض البشر .. و لندع العدالة و الامور الانسانية جانباً فالكويتيون لا يقيمون لهذه المفاهيم وزناً أو إعتبار .. لكن ألا يدعون إنتمائهم إلى الدين الاسلامي ؟ فهل الاسلام علمهم سرقة الاخ و الجار .. هذا عدا أن العراق ( و بالنتيجة الكلية ) شئنا أم أبينا يضحي برجاله من اجلهم وليس من أجل العراق فقط .
اما كيف دافع العراق عن الكويت فاليكم الدليل الذي يفقأ عيون كل من ينكر الحقائق و الادلة التاريخية الموثقة : في العام 1986 تمكنت ايران من الاستيلاء على قضاء الفاو ( الحرب كر و فر خاصة اذا استمرت سنوات طويلة ) و بعد إحتلال الفاو ماذا فعلت ايران ؟ غيرت اسم القضاء فوراً و مباشرة من ( الفاو ) إلى ( الفاطمية ) ثم صرح الرجل الاول في ايران هاشمي رفسنجاني و كان وقتها رئيس الجمهورية منتشيا مخاطبا الكويتيين ( لقد أصبحنا جيرانكم ) أي استعدوا لجيرة أبدية معكم .. ذلك يعني بالمنطق و الغطرسة الايرانية المريضة و الجوفاء أن لا انسحاب من الفاو و أنها اصبحت ارض ايرانية و على بعد كيلومترات قليلة من حدود الكويت و على مرمى حجر عسكريا و أن سيناريو احتلال الجزر الاماراتية الثلاث سوف يتكرر في الفاو … لكن الجيش العراقي المقدام طردهم شر طردة من الفاو بعد أشهر من إحتلالها .. و إصرار الخميني و عناده على إستمرار الحرب و عدم إيقافها هو لتحطيم الجدار العراقي الصلب كي ينفتح له الخليج في مراهنة على الزمن ثبت فشلها .
و الأطماع الأيرانية في الخليج العربي ليست قديمة فقط بل مستمرة و ستبقى ما دام الملالي يحكمون طهران .. هل توجد دولة خليجية حاليا لا توجد فيها خلايا ايرانية نائمة تخزن أسلحة و متفجرات .. أخرها الخلية المقبوض عليها في السعودية .
و الآن ينتاب الجميع العجب العجاب لهذه البلطجة و القرصنة الكويتية القذرة مع شعب جارعربي مسلم ( و حتى أن لم يكن مسلم ) شعب قدم الغالي و النفيس في سبيل إنقاذ المنطقة من براثن ايران الجار الذي لم يصدر منه سلوك ودي تجاه العرب و لمئات السنين
و بعد 2003 تجلت أطماع ايران بأقوى صورها عندما يعلن مسؤوليها صغيرهم و كبيرهم و بافتخار و عنجهية بانهم يسيطرون على أربع عواصم عربية .
و نعود ثانية إلى الأخوة الأعداء الكويتيين أشقائنا و شركائنا في الدين و العروبة و الجيرة و التاريخ و الجغرافيا… و نسأل الأسئلة البريئة التالية عن الوضع بين البلدين قبل الغزو و ليس بعده :
هل الكويت بلد فقير مثل الصومال مثلا كي نجد لها مبرر لسرقة نفط العراق ؟!
أليست الكويت واحدة من أغنى دول العالم بنفوسها القليلة و ثرواتها الهائلة واستثماراتها التي تنتشر في العالم شرقا و غربا و مستوى دخل الفرد العالي فيها ؟!
هل أستولى العراق على أرض كويتية بطريقة القضم و الزحف المبرمج ؟ أم أن العكس هو الذي حصل ؟!
أليس بناء ميناء مبارك مخطط مرسوم لخنق العراق كما يعرف القاصي و الداني ؟!
اذن مالسبب في هذا التعدي على العراق و شعبه و خيراته و هم في غنى عن هذا التعدي لعدم وجود أي مبررات له مهما كانت ؟ و يبدو أن السبب في رأيي المتواضع هو الحقد الأسود الذي يملأ قلوبهم و الذي يجعل صدورهم تشتعل نارا لمجرد سماعهم كلمة ( العراق ) رغم أن العراق تاريخيا لم يعتدي عليهم يوماً و لم يسرق منهم شيئاً يوماً … و هم يطبقون مبدأ أو نظرية الاساءة من أجل الاساءة ليس الا … كما ان لهم اسلوبا قذرا في الوصول إلى مبتغاهم و هو دفع الرشوة للوصول ألى أهدافهم غير الشرعية و الأكثر قذارة منهم هم بعض العراقيين الخونة الذين باعوا وطنهم مقابل الدولار مثل الخائن المعتق هادي العامري و هوشيار زيباري و من لف لفهم .. و الذين لزموا الصمت و لم يردوا على التهم الموجهة لهم باستلام الرشاوى مما يؤكد صحة هذه التهم .. و لنا أن نخمن كمية الاموال التي سرقاها عندما كان احدهما وزيرا للخارجية و الثاني وزيرا للنقل .
أما ما تقدمه الكويت أحياناً من مساعدات للعراق تحت باب العمل الخيري فهو من أخبث ما تقوم به الكويت تجاه العراق .. فلا ينخدعن أحد بهذه اللعبة الصبيانية .. لان المال المقدم هو مال عراقي صرف لانه مال مأخوذ من المال المسروق .. و في الحصيلة النهائية فأن المشاريع الخيرية التي تقوم بها الكويت في بعض الدول هي بأموال عراقية شاء من شاء و أبى من أبى … وكذا الحال مع ايران التي تمول جميع وكلائها في لبنان و سوريا و اليمن و أماكن أخرى بالمال العراقي … و ( كرة عين ) عملاء ايران يشاهدون أبناء شعبهم (و الشيعة تحديداً ) يبحثون في الازبال عن كسرة خبز . .. و ملايين الدولارات العراقية تصل ايران يومياً .. لكن لا عتاب على الخونة !
الغزو العراقي للكويت لا بد أن له أسبابه .. و الحكومة الكويتية تتهرب من فتح تحقيق أو مناقشة الموضوع و الكل ساكت و كأنهم يكتمون أسراراً لا لا يراد لها أن تنكشف … ما عدا الشخصية الكويتية السياسية المعروفة الدكتور عبد الله النفيسي حيث طالب علناً و لاكثر من مرة بفتح تحقيق لمعرفة الاسباب الحقيقية لغزو الكويت .. لكن التجاهل و الاهمال كان نصيب دعواته ؟! مما يؤكد الاحتمال بان أي تحقيق يفتح سيؤدي إلى الكشف عن خفايا و اسرار لا يراد لها أن تنكشف و لا يمكن أن تكون في صالح الكويت … و هذا بدوره يفسر ايقاف نشر مذكرات السيد مضر بدران .. البريء لا يخاف من أي تحقيق مهما كان .. أما المذنب فهو الذي يرتعد من أي تحقيق لان التحقيق سيميط اللثام عن جريمته … و لابد من إماطة اللثام عن مذكرات السيد مضر بدران .. كي يأخذ كل ذي حق حقه .. و الكرة آلان في ملعب الحكومة العراقية و العراقيين من محامين و خبراء قانون عراقيين و حتى دوليين للحصول على أقصى مايمكن من حقوق للعراق .
و فيما يتعلق بالاستعلاء الكويتي في التعامل مع العراقيين وغير العراقيين أيضاً ( جاء في مذكرات السيد بدران أن السيد سعدون حمادي وصل الكويت لحل الازمة مع الحكومة الكويتية لكنهم تركوه يومين قبل أن يعطف عليه احدهم و يقابله ) .
و أخيراً لا بد من بذل جهد عراقي يتسم بالحزم و الجدية من أجل الحصول على حقوق الشعب العراقي و بالطرق القانونية .
و يا سيد مضر بدران : لماذا أنتظرت ثلاثين عاماً كي تنشر هذه المذكرات البالغة الأهمية !؟
و كلمة أخيرة للحكومة العراقية : هل من جدوى باستمرار العلاقات مع الجارتين الجنوبية و الشرقية بعد أن أفقروا العراق إلى درجة لا تصدق و هو الغني في كل شيء .. و ليكن ما يكن .. و إلى أن يغيروا سياستهم و تعاملهم مع العراق .