7 أبريل، 2024 10:10 م
Search
Close this search box.

ما حقيقة المبالغة في عمر سلمان الفارسي؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

اليس من الغريب ان تتعدد التقديرات والإستنتاجات اللامنطقية، وتذهب بعيدًا، في تحديد عمر الصحابي الجليل سلمان الفارسي (رضي الله عنه وارضاه)؟.
لماذا يكتنف سِن سلمان الفارسي (بل ومجمل شخصيته أيضًا) الكثير من المبالغات والتوهمات والأقاويل، تجدها مبثوثة في المراجع والمصادر التي بين ايدينا. فتضفى عليه هالة من التفرد، والقدسية، والتجليات الربانية.هل لأنه من فارس، فتحيز له متعصبي الفرس، ليرفعوا من شأن كل ماله علاقة بالفرس؟. أم ان هناك دوافع ومقاصد أخرى أدت الى غلو البعض في سلمان (رضي الله عنه وارضاه)؟.
وسأكتفي في البحث هنا عن جزئية واحدة مما يدور حول شخصية سلمان الفارسي وهي: الزعم انه من المعمرين بشكل استثنائي. وأورد هنا نماذج من النقول والأقوال المختلفة عن عُمرِهِ.
عبد الله بن حيان الاصبهاني (ت369هـ)، اورد عن العباس بن يزيد البحراني قوله: يقول أهل العلم عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة(1).
الشيخ الصدوق (ت381هـ) يذكر انه عاش خمسمائة سنة تقريبًا لأنه لقي وصي عيسى عليه السلام وأوصاه فهو وصي وصي عيسى عليه السلام في اداء امانة الدين(2).
نقل الشيخ المفيد (ت413هـ) ان سلمان الفارسي عاصر السيد المسيح ورآه، قال: (وأكثر أهل العلم يقولون: بأنَّه رأى المسيح، وأدرك النبيَّ صلوات الله عليه وآله، وعاش بعده، وكانت وفاته وسط أيّام عمر بن الخطّاب)(3). وهذا يعني ان عمره يبلغ ربما أكثر من ستمائه سنة “وهي الفترة الزمنية المتفق عليها التي بين عيسى ومحمد صلوات ربي وسلامه عليهما!. ولم يبين لنا من هم اهل العلم الذين قالوا بذلك، وما دليلهم، وما مصدرهم في هذا القول!.
أبو نعيم الاصفهاني (ت430هـ): (كان سلمان من المعمرين ، يقال أنه أدرك عيسى بن مريم وقرأ الكتابين)(4). “المقصود التوراة والإنجيل”.
ونقل الشيخ الطوسي (ت460هـ) مثل ذلك فقال: (وروى أصحاب الأخبار أنَّ سلمان الفارسي رضي الله عنه لقي عيسى بن مريم عليه السلام وبقي إلى زمان نبيِّنا صلى الله عليه وآله وسلم، وخبره مشهور)(5)..!. وهو كذلك لم يبين لنا من هم رواة الأخبار الذين نقل عنهم القول، وما مصدرهم في هذا الخبر!.
أما ابن الأثيرالجزري (ت630هـ) فإن عبارته اشبه بالتحفظ على العمر المديد لسلمان حين عبَّر بقوله: (وكان عمره مائتين وخمسين سنة ، هذا أقل ما قيل فيه).”بمعنى انه لو قيل فيه اقل من ذلك لقال به”. وانكر على من يقول انه لقي بعض الحواريين، أو من يقول انه اسلم بمكة(6). وهذا يعني انه غير مقتنع تمامًا بما يشاع من طول عمر سلمان الفارسي (رضي الله عنه).
القى إبن الأثير بالعهدة في نقله عن طول عمر سلمان على العباس بن يزيد فقال : (قال العباس بن يزيد قال أهل العلم عاش سلمان ثلثمائة وخمسين سنة فأما مائتان وخمسون فلا يشكون فيه)(7). بمعنى ان مصدره الذي استند اليه هو العباس بن يزيد. وسيأتي الحديث عنه ادناه في الفقرة 8 وما بعدها.
وربط علي بن يونس العاملي البياضي (ت894هـ) سِن سلمان الفارسي بظواهر كونية ليضفي عليه قَدَرًا خاصًا من ملكوت الله وسلطانه وعظمته فقال: (انه عاش أربعمائة وأربع وعشـرين سنة وهي دورة كوكب المشتري الأعظم)(8) . ولا نعلم من اين له هذا الربط الكوني؟. أتراه اعتمد في حساباته على التنجيم؟!. أم على النبوءآت؟!. واضح ان المقصود هو الغلو والمبالغة في سلمان الفارسي واظهاره كأيقونة متميزة، ورمز للتجلي الإلهي.
ويذهب السيد علي البروجردي (ت1313هـ) الى انه وصي وصي عيسى عليه السلام وانه عاش اقل من خمسمائة عام، فقال: (وكان عمر سلمان في رواية خمسين بعد المائتين أو المئآت الثلاثة)(9). ولم يذكر مستنده في ذلك.
ويذهب السيد محسن الأمين (ت1371هـ). الى أنَّه: (كان من المعمرين وعاش مائتين وخمسين عاماً.أو ثلاثمائة وخمسين عاماً)(10).
كل ما تقدم اقوال قائمة على التخمين، أو هي اباطيل واضاليل، ونقل بلا مستند ولا دليل. واليك مناقشة وإبطال ماجاء في طول عُمْر سلمان الفارسي (رضي الله عنه):
1- ان سلمان الفارسي (رضي الله عنه وارضاه) لم يعرف عنه انه صرح بعمره لأحد. ولم يقل ان عمره استثنائي عن باقي جيله واقرانه.
2- كل القصص التي روت هجرته من موطنه الأصلي الى المدينة المنورة، وفيها من التفاصيل الكثير، جاءت خالية من الحديث عن تحديد الفترة الزمنية التي قضاها في بحثه وترحاله. كما انها ليس فيها اشارة واحدة الى عمره.
3- لم يرد عن احد من الصحابة الحديث عن عمر سلمان الفارسي. فلو كان مديدًا كما يزعمون، لكان عجيبة من العجائب التي تستحوذ قطعا اهتمام الصحابة والمقربين منه. ولحدثوا ولإستغرقوا في الحديث عن هذا الأمر، وبالتالي يُنقل الينا باستفاضة بالسند نقلاً متواترًا.
4- عاش سلمان في الإسلام قرابة 50 سنة، ولم يذكر أحد ممن عاصره ان سنه قبل اسلامه كان 200 أو 300 أو 500 سنة.
5- اختلف المؤرخون والعلماء والاخباريون في تحديد سنة وفاته (رضي الله عنه) فقالوا انها حدثت سنة 37 أو36 أو 35 أو 34 أو 33. وقال البعض انها في زمن عمر بن الخطاب وقال آخرون انها في زمن عثمان بن عفان، وقال طرف ثالث انها في زمن علي بن أبي طالب. ماذا يعني هذا الإختلاف؟. هذا يعني انهم غير واثقين من أقوالهم. وعليه ان كانوا قد غاب عنهم العلم بالحدث الأقرب زمانيا وهو الحدث الذي ختمت به إعجوبة فريدة في زمانها (حدث الوفاة)، فأنى لهم ان يعرفوا الحدث الأبعد ويزعموا لقاءه عيسى قبل قرون.
6- إنَّ الإختلاف على زمن وفاته، دليل يشهد ان وفاته كانت طبيعية لرجل طبيعي من عامة الشعب، غير انه صحابي جليل. وأنّ وفاته لم تحدث ضجة واسعة كما ينبغي!، وليس له الخصوصية العجيبة في العمر المديد، ولم تُثِر وفاته التساؤل بين الناس عن نهاية رجل يفترض أنه آية من آيات الله، ومعجزة من معجزات الزمان، في طول العمر ندر مثيلها. فلو كان هذا شأنه لتناقل القاصي والداني خبر الوفاة. ولكان حديث الساعة. ولاصبح الاهتمام به وبتوقيته حدثًا ومشهدًا متواترًا يستبعد الإختلاف على تحديده.
7- ليس هنالك سند متصل صحيح لأي رواية من الروايات التي تحدثت عن عُمْرِ سلمان الفارسي. وهذه العلة وحدها كافية لتنحية كل الروايات جانبًا. فالمؤرخون والرواة الذين تحدثوا عن عُمْرِ سلمان الفارسي المديد، نسبوا القول الى مجاهيل مثل قولهم: قال اهل العلم او قال اهل الأخبار. ولم يبينوا من هم أهل العلم وأهل الأخبار هؤلاء؟.. ولم يأت احد بدليل واحد يدعم صحة ما ينقل. كما استخدموا لفظ :قال أو روى “فلان”. ولكن بين “فلان” و سلمان الفارسي آماد وأزمان بعيدة. فكيف يوثق بقوله؟، بدون دليل، وبلا سند صحيح متصل للقول والرواية؟.
8- تاريخياً يبدو ان أول من اظهر القول بطول عمر سلمان الفارسي هو العباس بن يزيد البحراني (نسبة الى البحرين). وفي الحقيقة لا يوجد مايدل على ذكر أو توثيق هذه الشائعة تأريخيًا، قبل العباس بن يزيد البحراني. وقول البحراني لا يُعَدُّ مصدرا حقيقيًا لأنه هو نفسه غير متأكد من الموضوع. فعزاه بدوره الى مجهولين أطلق عليهم لفظ (قال اهل العلم).
9- علينا ان نلاحظ ان الفترة الزمنيه الفاصلة بين سلمان الفارسي والعباس البحراني اكثر من 200 سنة. وهذا يستلزم وجود سلسة متصلة من الرواة الموثوقين الذين يتحدثون عن عمر سلمان. والتاريخ يشهد انه لا وجود لمثل هذه السلسلة من الرواة.
أوليات ظهور مسألة عمر سلمان في القرن الثالث الهجري ودواعي انتشارها واشتهارها:
بما ان العباس البحراني قد توفي سنة (258هـ)، فهذا يعني انه قد عاصر الربكة التي كانت آنذاك والتي وقعت بين طائفة من الناس، فيما يتعلق بالإمام الثاني عشر والتي تمحورت حول: هل ولد أم لم يولد، وهل مات أم لم يمت، وهل غاب أم لم يغب، وهل سيعود أم لا يعود؟. فجاء حديث العباس البحراني عن عمر سلمان الفارسي في ظرف مناسب، فيه نوع من التلميح للقول بحدوث اعجازات وطفرات في اعمار بعض البشر. وكان هناك من استثمر ووظف قوله في حقل الغيبة.
لاقى قول البحراني، الإستحسان لدى البعض، خاصةً من متعصبي الفرس أو متعصبي المذهب، الذين رأوا ان هذا الإدعاء يمكن ان يُستثمر في الإنتصار لغاياتهم ومقاصدهم. فأخذوا كلامه واستخدموه كدليل وطوق نجاة في التدليل على دعوى الغيبة. وروّجوا لهذا الأمر. ومن يومها بدأ ينتشر الحديث عن عمر سلمان الفارسي المديد. واصبح عمر سلمان مرتبط جدليًا بعمر المهدي المنتظر “حتى قالوا سيعود سلمان مع عودة المهدي”(11)، وإعتبروا أن رفض فكرة طول عمر “سلمان”، هو رفض لفكرة طول حياة “المهدي” ذاتها!.
{ونحن لا نتعرض هنا لموضوع المهدي المنتظر. وانما فقط ما يتعلق بأحاديث العمر الطويل لسلمان الفارسي (رضي الله عنه)}. وبطبيعة الحال، كلما طالت الغيبة، مد اصحاب المصالح والمتعصبين، من عمر سلمان، بوضع أحاديث يوهمون بها الأتباع. وهي أحاديث واهية تستهدف زيادة عمر سلمان حتى انتهت به الى ستمائة سنة او اكثر. وجعلته يدرك عيسى (عليه السلام) ويرآه ويلتقيه، ويلتقي بعض حواريه، ويلتقي وصيه من بعده!… الى آخر هذا التضليل. إنَّ الإستدلال بعمر سلمان الفارسي على الغائب المهدي ، استدلال بائس لأن عمر سلمان، زعم لادليل عليه.
القول السديد لعمر سلمان المديد:
الامام الحافظ شمس الدين الذهبي (ت748هـ) المحقق المحدث المؤرخ شيخ الجرح والتعديل كان اكثر حكمة وبصيرة. ولم يدع مثل هذه المسألة اللا منطقية، وغير المسندة لتمر دون تمحيص وتدقيق، ولم يذهب الى التخمين كما ذهب البعض. وانما قال: (وقد فتشت، فما ظفرت في سِنِّه بشيء سوى قول البحراني، وذلك منقطع لا اسناد له). فحكم على قول البحراني بالسقوط لانه منقطع ولا اسناد له.وبالتبعية يسقط قول كل من قالوا بعمر سلمان المديد. لأن قول البحراني هو المرجع الأول لهذه الشائعة.
ثم نظر الذهبي متفحصًا في احوال وسيرة الصحابي الجليل سلمان الفارسي فقال: (ومجموع امره واحواله وغزوه وهمته، وتصرفه، وسفه للجريد “صناعة سلال الخوص”، واشياء مما تقدم، ينبئ بأنه ليس بمعمر ولا هرم، فقد فارق وطنه وهو حدث، ولعله قدم الحجاز وله اربعون سنة أو اقل، فلم ينشب أن سمع بمبعث النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم هاجر، فلعله عاش بضعًا وسبعين سنة. وما أراه بلغ المئة. فمن كان عنده علم، فليفدنا). وأنكر قول من يقول بخلاف ذلك فقال: (وقد نقل طول عمره ابو الفرج بن الجوزي وغيره، وما علمت في ذلك شيئاً يركن اليه). ثم اعتذر عن الزلة التي انزلق فيها سابقًا في كتابه “تاريخ الإسلام” حين جارى مايشاع من طول عمر سلمان فقال: (وقد ذكرت في تأريخي الكبير، انه عاش مئتين وخمسين سنة، وأنا الساعة لا أرتضي ذلك، ولا اصححه)(12).
وأكد ابن حجر العسقلاني في (ت852هـ) تراجع الذهبي عن القول بعمر سلمان المديد ونقل قوله: (وجدت الأقوال في سنه كلها دالة على أنه تجاوز المائتين وخمسين ، والاختلاف إنما هو في الزائد . قال: ثم رجعت عن ذلك وظهر لي انه ما زاد على الثمانين)(13).
وعزز الذهبي استنتاجه وبحثه برواية عن ثابت البناني، مذكورة في كتاب العلل لابن أبي حاتم، قال: (لما مرض سلمان، خرج سعد من الكوفة يعوده، فقدم، فوافقه وهو في الموت يبكي، فسلم وجلس، وقال: ما يبكيك يا أخي ؟ ألا تذكر صحبة رسول الله ؟ ألا تذكر المشاهد الصالحة ؟.
قال: والله ما يبكيني واحدة من ثنتين: ما أبكي حبا بالدنيا ولا كراهية للقاء الله.
قال سعد: فما يبكيك بعد ثمانين ؟ قال: يبكيني أن خليلي عهد إلي عهدا قال: ” ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ” وإنا قد خشينا أنا قد تعدينا)(14). فسعد في حواره مع سلمان الفارسي يخاطبه بأنه في الثمانين من عمره. وبذلك يتم اِبطال كل المبالغات والغلو الذي اشيع عن عمر سلمان (رضي الله عنه).
لو ذهبنا نستقصي ما كتب وما قيل عن سلمان (رضي الله عنه) من الأباطيل والمبالغات والشائعات وخوارق العادات، من قبل متعصبي المذهب. لتشكلت لدينا صورة لشخصية خيالية وهمية. لم يخلق الله سبحانه وتعالى شبيهًا لها في الدنيا. صورة تتجاوز حدود البشر والأنبياء والملائكة أجمعين. “وقد نعود لبيان سمات هذه الصورة في حديث لاحق”. اريد في هذه الصورة اللاواقعية، تمجيد الانتماء الفارسي. وفي ذات الوقت إستغلالها للإستدلال بها على دعم قضية الغيبة.
هذه الشخصية التي سعوا لتشكيلها لسلمان ليست حقيقية. ولايعرفها جمهور المسلمين. إذ نحن على يقين بأن سلمان الفارسي (رضي الله عنه وارضاه) له من الفخر والقدر أنه من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الأجلاء المقربين. كما ويكفيه فخراً أيضًا أنه إبن ألإسلام وسابق الفرس الى دين التوحيد، واحد اعلام الأمة العقلاء الفضلاء. ولا ينبغي ان تُزوّرَ حياته وشخصيته بما ليس فيه. فنحن نحبه ونجله ونذبُّ عنه ونترضى عليه: رضي الله عنك ايها الصحابي الجليل، الباحث عن الحقيقة.
المراجع:
1- طبقات المحدثين بأصبهان – ج 1 الصفحة 230.
2- كمال الدين ج1 ص190 و194.
3- الفصول العشرة للشيخ المفيد ص102.
4- نقل ذلك عنه ابن الاثير في اسد الغابة ج 2 ص332.
5- الغيبة للطوسي ص113.
6- أسد الغابة لإبن ألأثير ج 2 ص330 و332 .
7- أسد الغابة لإبن ألأثير ج2 ص332. والكامل في التاريخ ج3 ص287.
8- والصراط المستقيم ج2 ص245.
9- طرائف المقال ج 2 ص604.
10- أعيان الشيعة ج7 ص280.
11- الإرشاد للمفيد ج 2 ص386. ومعجم أحاديث الإمام المهدي لعلي الكوراني ج5 ص222.
12- سير اعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي ج1ص 555 و556.
13- الأصابة في تمييز الصحابة . ج3 ص119.
14- كتاب العلل للحافظ ابن ابي حاتم الرازي ج5 ص191-192المسألة: 1912.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب