23 ديسمبر، 2024 3:08 ص

ما حقيقة أزمة الكهرباء ؟ – 4 / الجدوى الاقتصادية والابعاد الاستراتيجية وراء استيراد الغاز الايراني

ما حقيقة أزمة الكهرباء ؟ – 4 / الجدوى الاقتصادية والابعاد الاستراتيجية وراء استيراد الغاز الايراني

يقدر الاحتياطي الموثوق للغاز الطبيعي الحر في المكامن الغازية العراقية بحدود (110) مليار قدم مكعب موزعة في حقول (عكاز، المنصورية، الخشم الاحمر، كورمور, السيبة، جمجمال)، وبمعدل انتاج يصل الى (1500) مليون قدم مكعب يوميا، وهو ما يكافئ انتاج (5000) ميكاواط من الطاقة الكهربائية.
يضاف الى ذلك الغاز المصاحب لعمليات إستخراج النفط الذي يحرق حاليا بكميات كبيرة تصل الى (1000) مليون قدم مكعب يوميا والذي يكافئ انتاج (3000) ميكاواط، ومن المتوقع أن يصل انتاجه في العام (2016) الى (2000) مليون قدم مكعب يوميا، والذي يكافئ انتاج (6000) ميكاواط من الطاقة الكهربائية، أي أن الانتاج الكلي للغاز الطبيعي يكافئ انتاج (11000) ميكاواط من الطاقة الكهربائية، ناهيك عن الاحتياجات الصناعية الاخرى من بتروكيمياويات وأسمدة وصناعة الغاز السائل المنزلي، علما أن حاجة العراق للطاقة الكهربائية ستكون في العام (2020) بحدود (25000) ميكاواط.
ان تبنّي وزارة النفط لإستراتيجية تطوير قطاع استخراج النفط الخام، وزيادة إنتاجه من أجل الوصول الى أعلى طاقات متاحة من خلال جولات التراخيص الثلاث الاولى، وعقود المشاركة في الاستكشاف والتطوير في جولة التراخيص الرابعة، دون الإهتمام بالصناعات النفطية المتمثلة بـ (صناعة المشتقات النفطية والغاز التي تمثل أمن الطاقة القومي والاستراتيجي والذي تتوقف عليه اساساً انتاج الطاقة الكهربائية وصناعة البتروكيمياويات والاسمدة)، أجبر وزارة الكهرباء بعد العام (2006) باعتماد تصاميم للمحطات الغازية ما يمكنها من الاشتغال على كافة أنواع الوقود المتوفرة والمجهزة من قبل من وزارة النفط !، وقد أدى ذلك الى إرتفاع الكلف النوعية لهذه المحطات, ولاحقا على كلفها التشغيلية، ما يجعلها غير إقتصادية، بل سيكون تشغيلها على الوقود الثقيل أو النفط الخام  أقل كفاءة)، حيث لا بديل أمامنا غير ذلك، بإنتظار إكمال استثمار الغاز المصاحب وتطوير الحقول الغازية ضمن جولات التراخيص القادمة، بحسب ما وعدت به وزارة النفط في حينه ضمن محاضر الإجتماعات الخاصة بالخطة الوقودية الملزمة التي تم استعراضها ومصادقتها في لجنة الطاقة الوزارية، علما أن شركات عالمية متخصصة ومؤسسات دولية ذات مصداقية شاركتنا في إعداد تصاميم المحطات ومواقعها، وهذا ماتم استعراضه في مجلس الوزراء ومجلس النواب.
 إضافة الى ذلك إضطرت وزارة الكهرباء الى اجراء تحوير لمنظومات وقود المحطات الغازية العاملة (التي انشأت قبل العام 2003)، والتي كانت تعمل على نوعين من الوقود (الغازالطبيعى، الكازاويل) لكي تعمل على الوقود الثقيل، وقد كلف ذلك مبالغ استثمارية كبيرة ومبالغ تشغيلية اضافية لاستيراد مضافات كيمياوية لغرض معالجة الوقود الثقيل وتحسين كفاءة تشغيله.
وبسبب عدم تمكن وزارة النفط من تنفيذ إلتزاماتها بتوفير الغاز أو بدائله من الوقود الخفيف إضطرت الى إستيراد المشتقات النفطية لصالح وزارة الكهرباء من زيت الوقود (الكازاويل) بمقدار(4 – 3) مليون لتر/ يوم لتشغيل المحطات الغازية الجديدة, وقد تسبب ذلك بخسائر مالية العراق من موازنته قدرت (4) مليار دولار سنوياً (منها إستيراد وقود الديزل لمحطات الكهرباء بمقدار (1) مليار دولار سنويا، و (3) مليار دولار سنويا نتيجة الانخفاض القسري لانتاج المحطات الغازية، سببها كما أسلفنا، عدم كفاءة التشغيل بالنفط الخام أو الوقود الثقيل كبديل عن الغاز وإستخدام مضافات كيمياوية لمعالجة الوقود وللتقليل من تأثيره على توربينات الوحدات التوليدية للمحطات، أضف لذلك اضافة إرتفاع كلف ادامتها للتقليل من تقادمها.
إن عدم إستثمار الغاز المصاحب (الذي لا يزال يحرق بكميات كبيرة في الحقول الجنوبية وكركوك بإنتظار إستثماره في العام (2016) من قبل شركات عقود الخدمة في جولات التراخيص التي غادرت إلتزاماتها التعاقدية لغرض تعظيم انتاجها النفطي من خلال إعادة حقن الغاز المصاحب للإنتاج في حقول الإستخراج على حساب بدل إستثماره في تشغيل محطات إنتاج الطاقة الكهربائية !!)، يجعل الكثير من المتابعين يشككون في الموعد الذي حدد لأكمال إستثمار هذا الغاز في العام (2016)، وإن التأخر في إنشاء البنى التحتية للصناعة النفطية يعزز هذا الإعتقاد.
لم يكن أمام وزارة الكهرباء غير ان تذهب مضطرة في العام (2010) الى تقديم مقترح الى مجلس الوزراء لإستيراد الغاز من إيران لفترة محددة أمدها خمس سنوات بإنتظار أن تكمل  وزارة النفط العراقية منشآتها وحسب خطتها الوقودية، كون إيران بلدا منتجا ومصدرا كبيرا للغاز الطبيعي الى دول الجوار ومنها تركيا، وقد عزز المقترح بدراسة جدوى فنية وإقتصادية بتشغيل المحطات الغازية على الغاز الطبيعي مقارنة بكلف تشغيلها على الانواع الاخرى للوقود، ويهدف المقترح تجهيز بعض محطاتنا الغازية العاملة والجديدة في المنطقة الوسطى وبسعات إجمالية مقدارها (2000) ميكاواط من خلال إنبوب بقطر (42) إنج وبسمك (0.5) إنج وبطول (300) كم، منها (12) كم داخل الأراضي الإيرانية لضخ (800) مليون قدم يوميا مكعب من الغاز المستورد، علما أن دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية هذه مبنية أساسا على مقارنة كلف تشغيل الوحدات على الأنواع المختلفة من الوقود مع كلف صيانتها إضافة الى كلفة الأنبوب الإجمالية وكما يلي :         
• كلفة اللتر الواحد من زيت الغاز المستورد مع تكاليف النقل  = (65) سنت / لتر.
• سعر الغاز المستورد حسب السوق العالمية (15) سنت / متر مكعب.
• سعر النفط الخام للبرميل الواحد (80) دولار أو (37  ) سنت / لتر.
• كلفة المضافات الكيمياوية (0.5) سنت لانتاج كيلو واط / ساعة.
• كلفة الصيانة للوحدات الغازية عند تشغيلها على وقود زيت الغاز تعادل (1.5) مرة كلف صيانتها عند تشغيلها على وقود الغاز الطبيعي وتعادل (2.25) مرة عند تشغيلها على وقود النفط الخـام. 
• كمية أستهلاك الوقود لانتاج الكيلو واط / ساعة تقدر بكمية (0.3) لتر للوقود السائل و(0.3) مترمكعب للغاز الطبيعي.
• كلفة انتاج الطاقة الكهربائية سنت لكل وحدة (كيلو واط / ساعة) وحسب نوع الوقود :

التشغيل على الغاز  كلفة التشغيل والصيانة + كلفة الوقود
= 0.5 + 405 = 5  سنت
التشغيل على زيت الغاز  كلفة التشغيل والصيانة + كلفة الوقود +كلفة الطاقة المفقودة
0.7  + 19.5 +0.3 = 20.5 سنت
التشغيل على النفط الخام او الوقود الثقيل كلفة التشغيل والصيانة + كلفة الوقود + كلفة الطاقة المفقودة
1.9 + 11.2 + 0.9 = 14 سنت

• الكلفة الاجمالية لانتاج (6000) ميكاواط طاقة خلال عام :

التشغيل على الغاز  5.O × 2000 × 8200 = 820 مليون دولار
التشغيل على زيت الغاز (كازأويل) 20.5 × 2000 × 8000 = 3280 مليون دولار
التشغيل على النفط الخام أو الوقود الثقيل 14.0 × 2000 × 8200 = 2016 مليون دولار

• مقارنة الوفورات المتحققة عند تشغيل المحطات الغازية على الانواع المختلفة للوقود : (المبالغ محسوبة على أسعار السوق النفطية العالمية لانواع الوقود)
مقدار التوفير عند الاشتغال على الغاز الطبيعي بالمقارنة مع الاشتغال على زيت الغاز  2460 مليون دولار
 
مقدار التوفير عند الاشتغال على الغاز الطبيعي بالمقارنة مع الاشتغال على النفط الخام  1196 مليون دولار
كلفة أنشاء خط انابيب الغاز الطبيعي بطول 300 كم  600 مليون دولار سنويا”
 ( 2000 دولار للمتر الواحد)

الإستنتاجات والتوصيات
اولا:  من بيانات دراسة الجدوى اعلاه وضعت وزارة الكهرباء خطتها في العام (2006) بالاعتماد على المحطات الغازية الكبيرة كقدرات مؤسسة لصناعة الطاقة الكهربائية خاصة بعد انحسار ايرادات حوضي دجلة والفرات والمؤشرات المستقبلية في شحتهما وانعكاسها على مستقبل انشاء المحطات البخارية التي تعتمد في تشغيلها اساسا على انتاج البخار في تدوير التوربينات وحاجتها لكميات كبيرة من المياه في منظومات التبريد، (وهذا ما استعرضناه بالتفصيل في مقالة سابقة) ولضمان تشغيل المحطات الغازية باتاحة وكفاءة عاليتين يتطلب النهوض بجدية اكبر لتطوير الصناعة النفطية, إبتداءا من تطوير انتاج واستخراج واستثمار الغاز الطبيعي وايقاف حرقه, وإنتهاءا بمتابعة التزامات شركات (جولات التراخيص) بشان معالجة كميات الغاز المصاحب للانتاج النفطي وضخه الى منظومة شبكة انابيب الغاز الوطنية لجدواه الاقتصادية والفنية كوقود رئيسي لمحطات انتاج الطاقة الغازية وهذا ما تعتمده مؤسسات صناعة الطاقة العالمية بدلا من حرقه بطريقة  بدائية !.
ثانياً: تحقيق وفورات اضافية عن طريق تصدير أو تصنيع النفط الخام المخصص لاستهلاكه في محطات انتاج الطاقة الكهربائية  بتشغيل الوحدات التوليدية على الغاز الطبيعي الاقل تلوثاً للبيئة مقارنة بالتشغيل على النفط الخام.
ثالثاً: من مقارنة الوفورات لكلف تشغيل محطات انتاج الطاقة الكهربائية المقترحة على الغاز الطبيعي وإضافة كلفة انشاء خط انبوب الغاز مع تشغيلها بانواع الوقود الاخرى, يتضح امكانية تغطيه كلفة مشروع خط انبوب الغاز من خلال التوفير بمبالغ كلف انواع الوقود الاخرى وكلف الصيانة والتشغيل وبفترة اقل من سنة واحدة، لكن هذا لا يعني الاعتماد على استيراد الغاز او المشتقات النفطية حتى وإن كان لفترة محدودة كبديل عن تطوير الصناعة النفطية الوطنية، ليس فقط لجدواها الاقتصادية بل لتأمين الامن القومي للطاقة في ظروف إقليمية غير مستقرة سياسيا.
رابعاً: إن ما سيتم تحقيقه من إستثمار كامل الحقول الغازية المستكشفة مع استثمار الغاز المصاحب وحسب الخطة الاستراتيجية للطاقة التي تبنتها هيئة المستشارين في رئاسة مجلس الوزراء العراقي سوف يلبي حاجة الكهرباء والصناعة لغاية العام (2020),  لذاك يتطلب من القطاع النفطي العمل من الان على زيادة الرقعة الاستكشافية للمكامن الغازية واستثمارها خاصة في الهضبة الغربية قبل ان يتم استثمارها كحقول مشتركة من دول الجوار.