لا نعلم هل هي نظرية اقتصادية تطبق في بلدنا أم إنها إجراءات عشوائية او قرارات انتقامية تفرض على المواطنين ؟ ، فرغم إن الغلاء يزداد في العراق من سعر رغيف الخبز إلى أسعار العقارات ورغم إن معدلات التضخم تزداد عاما بعد عام حسب إحصاءات وزارة التخطيط ، ورغم إن معدلات الفقر تأخذ منحنيات تصاعدية مخيفة ، ورغم اضطرار المواطن لدفع مبالغ كبيرة لتغطية نفقات كبيرة لتوفير متطلبات الحياة بعد انتشار معدلات البطالة بين الشباب والشياب وقصور خدمات الكهرباء بدليل انتشار أكثر من عشرة آلاف مولدة في بغداد وشحة وتلوث الماء واستخدام مياه RO بدلا من مياه الإسالة واللجوء إلى المدارس الأهلية ونقص أدوية وعلاجات وفحوصات ولقاحات الصحة وضعف خدمات البلديات وغيرها من التفاصيل ، فان الدولة تسير نحو توجهات غير معروفة الأهداف بزيادة الرسوم والضرائب والأجور إلى أكثر من حدود المعقول وكأنها في واد والمواطن في واد آخر خارج المنظور ، وهذه الزيادة تفرضها الوزارات والدوائر والمحافظات من خلال قناتين تشريعيتين ، فقد خولت قوانين الموازنة الاتحادية للسنوات 2015 – 2019 الوزراء والمحافظين ورؤساء الدوائر غير المرتبطة بوزارة بزيادة الضرائب والرسوم والأجور المستوفاة وفرض ما يشاءون منها لتعظيم الموارد وزيادة الإيرادات ، أما القناة الثانية فهي سلسلة التشريعات التي تقترحها الحكومة ويصادق عليها مجلس النواب ومعظمها تتضمن زيادات في الاستيفاء بضرب الأرقام السابقة × 10 او 100 او 1000 او ما يضعونه من أصفار، والمتضرر الكبير هو المواطن لأنها قوانين وقرارات مذعنة وواجبة التطبيق وفي حالة عدم الدفع تفرض غرامات او يضاعف المبلغ او يتم الحرمان من الخدمات وبعضها يؤدي عدم دفعها إلى الحبس او السجن .
وقد يعتقد البعض ممن يقترحون فرض هذه الرسوم والضرائب والأجور إنهم يخدمون الدولة من خلال تعظيم الإيرادات وكأن هذه الوسيلة هي الوحيدة في التعظيم ولكنهم ربما يتناسون إن زيادة الدخل القومي والناتج المحلي الإجمالي لا يأتي من خلال هذه الإيرادات لأنها مهما بلغت من ( القسوة ) فإنها لا تشكل إلا نسبة محدودة جدا من قيمة ما يتم هدره من الموارد فيما لو تم تشغيل القطاعات الاقتصادية في الزراعة والصناعة والثروات الحيوانية وتفعيل قطاع السياحة وبلدنا يمتلك عشرات او مئات المعالم الدينية والتاريخية التي هي عبارة عن ثروات غير مستخدمة بالشكل المطلوب ، وهناك مجالات أخرى يصعب حصرها وتحديدها مثل استخراج المعادن وتصنيع المشتقات النفطية والاستفادة من الأنهار والسدود وتنمية الموارد البشرية واستثمارها بالشكل الصحيح والاستفادة من الأثير والمجال الجوي والربط ألسككي بين الشرق والغرب ، فكل ما موجود في العراق يمكن أن يتحول إلى موارد وإيرادات فحتى التراب العراقي يختلف عن باقي الدول وهناك السياحة الشتوية والصيفية في الشمال والجنوب التي لم تستثمر ، كما إن هناك العقول التي يمكن أن توظف بدلا من الدراسة والعلاج في الخارج كما إن هناك أضرحة أهل البيت الأطهار ( ع ) ومقامات الأنبياء والأولياء والصالحين التي يمكن أن نجني منها المليارات من خلال الفندقة والسياحة والتسوق والترويج للمنتج المحلي ، بدلا من الاستيراد من الصين وغيرها التي يستورد منها تجارنا ( الشطار ) ابسط الأشياء ومنها مصغرات لملوية سامراء واللوحات المقلدة للفنانين العراقيين والرايات والإعلام وكأننا نجهل صناعة الفخار والجبس والطباعة على القماش وخياطة الإعلام بتقنيات بسيطة تمام الجهل .
ونحن لسنا ضد سياسات الدولة في زيادة الإيرادات غير النفطية فمن حق الدولة أن تفرض ما تشاء لتغطية التكاليف على الأقل ، ولكن ذلك يجب أن يكون من خلال زيادة االانتاج وتحقيق المنفعة الاقتصادية وزيادة إنتاجية الدينار والتنمية المستدامة والبنى التحتية لان استسهال الحلول من خلال الضرائب والرسوم من شانه أن يحطم ما تبقى من الاقتصاد ويضعف المواطنة ويزيد من الفساد ، كما ان من العدالة أن تكون الزيادات منطقية ومتدرجة ولها أهداف اقتصادية واجتماعية وأهداف أخرى محددة ومعروفة ويقتنع بجدواها غالبية الجمهور و ليس الجباية من اجل الجباية فحسب ، ونستطيع أن نذكر مئات الأمثال على جبايات تثير الاستهجان والسخط وتطرح العديد من علامات الاستفهام ، فعلى سبيل المثال كانت رسوم الحصول على نسخة من سند ملكية العقار 250 دينار ونسخة الخارطة ب250 دينار وفي ليلة وضحاها تحولت الرسوم إلى 14 ألف دينار ، وحين تنجز معاملة تحويل ملكية شراء عقار تستوفى الرسوم في البلدية والضريبة والتسجيل العقاري بحيث تمتلئ المعاملة بالوصولات ثم يطالبونك بدفع رسم مقداره 3% من القيمة المقدرة وهو مبلغ كبير ولا يقدم منفعة للمواطن لأنه مسبوق بدفع مختلف الرسوم والأجور، كما تخضع المعاملات العدلية لرسوم ارتفعت لعشرات الإضعاف ومثلها رسوم معاملات المركبات وحتى عمولات إصدار الصكوك المصدقة في المصارف الحكومية ورسوم الحصول على الجوازات وتجديدها التي وصلت آخر صيحاتها لاستيفاء مبلغ 250 ألف دينار عن إصدار الجواز ( السريع ) ، ولم تسلم الغرامات المرورية من الزيادات فقد أصبح حدها الأدنى 100 ألف دينار بموجب القانون الجديد عن اقل مخالفة والإشارات الضوئية غير مطبقة وتغيب مناطق عبور المشاة والعلامات التحذيرية ومواقف السيارات وغيرها من المتطلبات ، بشكل يجعل ابسط الناس يتساءلون لماذا تزيد الغرامات والشوارع في فوضى الدراجات النارية و ( الستوتات ) وانعدام العديد من الخدمات المرورية عدا حمل دفتر الغرامات .
ويرى البعض إن بعض اللجان المختصة في مجلس النواب تزيد من المبالغ التي تقترح مشاريع القوانين استيفائها عند إرسال مسودة تلك المشاريع من قبل مجلس الوزراء ، والهدف المعلن هم عدم الهدر في إمكانيات الدولة والحد من إسراف المواطن وتعظيم الموارد ، وهذا المبدأ صحيح عندما تكون الخدمة المقدمة ليست أساسية وبعض المعاملات يمكن الاستغناء عنها ولكن ذلك غير ممكن عندما يتعلق الموضوع بفرض أجور للدراسة في الكليات بتسميات يختارونها كالتعليم الموازي والتعليم المسائي والتي تذهب اغلب إيراداتها للرواتب الإضافية والحوافز والمحاضرات الإضافية والمكافآت وهي خدمات تؤدى في كل الأحوال من ممتلكات الدولة والشعب ويجب أن لا ترفع إلى حدود ترهق كاهل العائلة وتكون حاجزا أمام تحقيق الأمنيات ، كما إن هناك مبالغ يمكن التنازل عنها كإصدار شهادة الميلاد او الوفاة او صورة القيد او استخراج البطاقة الموحدة نظرا لما تنطوي عليه من جوانب إنسانية وأخرى تتعلق بالمواطنة والانتماء ، والمشكلة التي يراها البعض أن ما يستوفى من ضرائب ورسوم وأجور لا ينعكس على الجهة التي استوفت تلك المبالغ فهي تستوفي مبالغ عالية ولكن أبنيتها متهرئة ولا تتوفر فيها ابسط الشروط لتقديم الخدمات كعدم إتباع أنظمة الحاسوب او الانتظار بمواعيد او وجود أماكن لإراحة المراجعين والتعامل معهم على أساس إنهم من دافعي الضرائب او مؤدين لواجباتهم بموجب القوانين ، حيث يواجه العديد من المواطنين صعوبات في تسديد أجور الكهرباء والماء والمجاري وعدم انتظام وصول القوائم واضطرار المواطن للمراجعة لمعرفة ما عليه من التزامات وعند الدفع يطلبون منه صكوك مصدقة من مصارف او فروع محددة او يطلبون منه صحة الصدور او شهادة الحياة او شاهدين او غيرها من الأمور التي تجعل المواطن أكثر راحة واطمئنانا عند عدم الدفع وفي ذلك اختلال شبه متعمد في تشويه المعاني الحقيقية للمواطنة وإحداث التوازن المطلوب بين الحقوق والواجبات .
وفي ضوء ما تقدم ، نتمنى من الجهات المعنية اعتماد معايير محددة وموضوعية في تحديد الرسوم والضرائب والأجور وإخضاعها للشفافية بما يجعل المواطن شريكا في تقليل الأعباء عن الدولة وليس متهربا من هذا الموضوع ، ويجب إخضاع أساليب الجباية التي تؤدي الى التسهيلات التي تتطلبها من حيث جدولة المواعيد وتقليل الزخم والتعامل الجيد من قبل العاملين ، كما نتمنى أن تكون هناك منظومات للرقابة والسيطرة بما يمنع حدوث حالات الفساد من قبل ضعاف النفوس ، فهناك من يحاول أن يتحايل على المواطن والأجهزة المعنية لتحريف بعض الإجراءات لصالحه لتحقيق منافع شخصية مخالفة للقوانين وعلى حساب المصالح العليا ، ونرى من الضروري جدا تخصيص نسب من الإيرادات التي تتم جبايتها لتطوير وتحديث وتفعيل أساليب العمل من خلال المكننة والأتمتة و استخدام الوسائل الالكترونية في الدفع وإتباع أنظمة متقدمة تتناسب مع التقنيات السائدة في العالم ، ولا يعني ذلك بالضرورة أن تكون حصة او نسبة من الإيرادات للعاملين من الإيرادات ، لان ذلك قد يضعف من دافعية الإيفاء بالالتزامات حيث يسود الاعتقاد بأنها مصممة لخدمة شرائح معينة ولا تصب جميعها في الموازنة الاتحادية بهدف تدويرها إلى نفقات ضمن المفهوم العام للموازنات الاتحادية .