بالرغم من الوضع المأساوي الذي يعيشه العراق ، وبالرغم من الاحتجاجات الكبيرة التي غصت بها شوارع العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى ، وبالرغم من الدماء التي سالت وقوافل الشهداء الذين سقطوا من المتظاهرين والقوات الأمنية ، وبالرغم من كل ذلك فما تزال بعض الأحزاب والكتل السياسية لا تبالي بما حصل ، ولا تعير أي اهتمام لهذا الوضع الساخن الخطير بقدر اهتمامها بالمحافظة على مصالحها الذاتية وعدم السماح لإجراء أي اصلاح قد يجردها من امتيازاتها الكثيرة التي كسبتها عبر ستة عشر عاما . ربما اتفقت تلك الأحزاب على التغيير علنا من أجل أن تظهر للشعب العراقي بمظهر لائق نبيل ، ولكنها تقف في الغرف الخاصة حجر عثرة أمام أية خطوة حقيقية نحو الاصلاح الشامل عن طريق التمسك بحصصها وبنسبها المئوية التي تعتبرها فرضا لا يمكن المساس به . ويبدو أن المشاكل الكثيرة والأزمة القائمة لا يمكن حلها مع بقاء تلك الأحزاب بنفس العقلية المتحجرة وبنفس روح ( الأنا ) ومن الصعب جدا أن تتخلص تلك الأحزاب من هذه الفلسفة العقيمة لأن ولاداتها تمخضت عن أيديولوجيات فئوية وليست وطنية محضة . كما أنها لم تملك منذ نشوئها ولحد الآن برامج رصينة نزيهة وفق أسس علمية صحيحة وأهداف واضحة لخدمة العراق وشعبه . ونتيجة لهذا الأمر فإنها تعتبر وجودها وجودا مصيريا بغض النظر عن حجم الاحتجاجات وأصوات الشعب الهادرة ، وتعتبر أية خطوة للإصلاح الشامل يهدد وجودها الهش الذي لم يستند على قاعدة شعبية متينة صلبة . وتلك الأحزاب نفسها سمحت للتدخلات الخارجية بالشأن العراقي ، وهي التي فتحت الأبواب على مصاريعها لهذا الطرف أو ذاك وفقا لأيديولوجياتها الفئوية ولمصالحها وللحفاظ على مصالحها من الزوال . والمنطق يقول أن الأطراف الخارجية لا تستطيع أن تخترق الحدود بسهولة وأن تصول وتجول في الساحة العراقية مالم يكن هناك ضوء أخضر من الأحزاب السياسية للسماح لها في جميع التدخلات الماضية والحالية . والأمر الغريب العجيب أن تلك الأحزاب بمختلف توجهاتها أصبحت في ليلة وضحاها متعاطفة مع الجماهير الغاضبة طلبا لتحقيق الاصلاح والقضاء على الفساد السياسي والمالي وهي التي وضعت حجر الأساس للفساد ومارسته عبر سنوات عديدة . والأغرب والأعجب من ذلك أنها سرقت العراق بكل خيراته طوال الستة عشر عاما ، وهي الآن تسعى لسرقة احتجاجات الشعب وتظاهراته ، وكل طرف يحاول كسب تلك الاحتجاجات لصالحه وركوب الموجة العارمة وكأنه المنقذ للشعب المظلوم . أليست هذه قمة الصلافة والاستبداد ؟