22 ديسمبر، 2024 11:10 م

في صباح يوم من أيام العمل الصاخبة سألت زميلي الصحفي والأديب ما اسم مجموعتك القصصية القادمة قال : هي ما تبقى من الحلم ستنشر حالما انتهي من كتابتها واختار دار نشر مناسبة قلت : ماذا تبقى من احلامك قال : هي بقايا أحاول أن اتشبث بها وساعمل على تحقيقها قبل ان يدركني الوقت لاني مؤمن بمقولة محمود درويش : احياناً يلقون عليك القبض وأنت ترتكب الحلم .
كان عنوانا حالما وكافيا ليثير تسائلي ترى ماذا تبقى من احلامنا التي بدأت في مراحل مبكرة من حياتنا وانتهى بعضها في مراحل اخرى ، عندما نتذكرها اليوم تستوقفنا رومانسيتها وبراءتها لما اردنا ان نكون عليه او ما اردنا ان يكون عليه الوطن خالياً من الحروب والماسي وأن تكون بريئا لا يعني ان تكون ساذجاً ولكنك ترى العالم بعيون طفل مفتوحة على اتساعها يبهرك كل ما فيه وتخاف ايضا من كل ما فيه . 
     
هناك اشخاص قد تنكسر احلامهم وتتحطم عندما تصطدم بواقع متعب او مجتمع منافق لا يرحم براءة احد او باشخاص وظيفتهم تحطيم الاخرين وهناك من تواضعت احلامهم كثيرا كما تقول الشاعرة الكويتية سعدية مفرح في ديوانها (تواضعت أحلامي كثيراً) فتركت الصفحة الثانية من الديوان (الإهداء) فارغة وعلقت سأملأ هذا الفراغ يوماً وهو عزوف يفسر احباطها وانتظارها شخص ما تهدي له الديوان الذي تحررت فيه الشاعرة من اللغة الصعبة ومن الخوف كاسرة بذلك حدود الصمت حيث تقول في إحدى قصائدها :
كل يوم أرسم شارعاً جديداً
أظلل امتداده بالنخيل
ألوان رصيفه حجراً حجراً
أسوي اسفلته بحنين اصابعي
واروي حشائشه بفيض قصيدي
والبعض توقفت احلامه عند ماسيه الشخصية أو اصبحت مستلزمات الحياة البشرية هي اقصى ما يحلم به او ان الحياة ادارت وجهها لاحلامهم البسيطة ، أتذكر دوماً تلك السيدة المسنة التي كانت تسكن امامنا عندما كان حلمها زراعة حديقة بيتها باشجار الكاربس وازهار الجوري ، بيتها هو اخر ما تبقى لها من ذكرى اخوانها الذين توفوا جميعا تاريكينها وحيدة ولان مالكي المنزل هاجروا مع من هاجر وترك الوطن فقد باعوا المنزل دون علمها ورفضت مغادرته لانها لا تملك غيره فقد كان حلمها ، حلم تهدم وهي في داخله ترفض الرحيل بما تمتلكه من شجاعة البقاء عندها لم يراع ِ المالك الجديد شيخوختها فبدا يهدم المنزل متجاهلا وجودها في داخله .
كما تحضرني  سيدة قابلتها مرة أخبرتني عن حلمها وهو الحصول على راتب شبكة الرعاية الاجتماعية بعد ان استمرت خمسة سنوات تراجع الدوائر المعنية حتى يتعطفوا عليها براتب هزيل قد يساعدها قيلاً في سد حاجتها المستمرة للدواء .

يقول الشاعر اللبناني زاهي وهبي : الوحشة ارملة الوقت ، النسيان مضاد حيوي للخيبات
ولكن الم تلعب الصدفة دوراً في تغيير مسار حياتنا الى اتجاه اخر او تدفعنا الى سلوك طرقا لم نفكر يوما في سلوكها وقد تكون فتحت امامنا الباب لطموحات جديدة فالكتابة مثلاً هي حلم وخيال قد لا تعني بالضرورة ان نضع الكلمات على الورق فبإمكاننا ان نكتب فصلاً من كتاب بينما نحن نمشي او ناكل كما عبر عن ذلك الكاتب الايطالي امبرتو ايكو ،  اعترف ان احلامي لم تتوقف يوماً قد تؤجل احيانا ولكنها دائما حاضرة تآزر احلامي القديمة تلك التي لم تنتهي بعد .