23 ديسمبر، 2024 4:34 ص

ما بين مبررات هزيمة الفصائل العراقية وداعش: من دابق إلى السفياني

ما بين مبررات هزيمة الفصائل العراقية وداعش: من دابق إلى السفياني

يتذكر العراقيون والسوريون على حد سواء الدعاية المفرطة التي مارسها تنظيم داعش عند سيطرته على بلدة دابق، وهي سهل يقع في منطقة اعزاز شمال شرقي مدينة حلب في أغسطس 2014، باعتبارها موقع المعركة كبرى في نهاية الزمان قبل ظهور المسيح الدجال ونزول عيسى بن مريم بين جيوش المسلمين وخصومهم، مستندًا إلى الحديث النبوي الذي ورد فيه: “لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق”. ووفقًا لذلك، كان التنظيم يروج لفكرة أن دابق ستشهد المعركة الكبرى بين المسلمين والروم، وهو ما كان يعتبره جزءًا من الملحمة الكبرى التي ستنتهي بهزيمة الكفار، فيما يُفترض أنها دليلاً على علامات الساعة الكبرى.
لكن على الرغم من الأهمية الرمزية التي منحها داعش لهذه البلدة واعتبارها بداية النهاية للكون، إلا أن دابق لم تشهد المعركة الكبرى كما كان يُتوقع. بعد فترة من السيطرة على البلدة، انسحب مقاتلو التنظيم منها، تاركين إياها عرضة للقوات السورية الديمقراطية المدعومة من تركيا، التي تمكنت من تحرير المدينة في أكتوبر 2016.
تبريرات الهزيمة في دابق
الهزيمة في دابق لم تمر بدون تبريرات دينية من قبل قادة التنظيم، الذين اعتبروها جزءًا من القدر الإلهي وان الهزيمة لا تعني سوى أن المعركة لم تكتمل بعد، بل هي خطوة نحو معركة أكبر ستدور في مكان آخر.
هذه التبريرات تتشابه مع الطريقة التي استخدمها بعض قادة الفصائل المسلحة المدعومة من إيران للتبرير بعد الهزيمة التي لحقت بهم في سوريا عقب سقوط نظام الأسد، حيث قام جلال الدين الصغير، الأمين العام لـ سرايا أنصار العقيدة، إحدى الفصائل المسلحة التي شاركت في القتال في سوريا وسجلت لاحقًا ضمن ألوية الحشد الشعبي في العراق، بالترويج للهزيمة التي لحقت بالمحور وفق رؤية غيبية حول الأحداث في سوريا ففي مقطع فيديو نشره، قال إن “كل التحركات في حلب ستتم هزيمتها”، مستندًا إلى الرؤى الغيبية التي ربطت الأحداث بما ورد في الروايات الإسلامية. من بينها، تلك التي تشير إلى “رايات الأبقع” وظهور السفياني الذي سيحارب المؤمنين قبيل ظهور الإمام المهدي.
سبق ذلك مواقف شبه رسمية أثارت جدلاً بسبب طابعها الديني حيث صرح مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، عبر تغريدة على منصة “إكس” بالقول: “لن تسبى زينب مرتين”، تزامن ذلك مع دعوات من قبل ميليشيات عراقية للقتال في سوريا استنادًا إلى رؤى دينية، حيث أعلن قائد لواء أبو الفضل العباس، أوس الخفاجي، عن إعادة تشكيل قوات “أبو الفضل العباس” وفتح باب التطوع مع تجدد المعارك في سوريا.
السفياني في التصورات الشيعية
يعتبر السفياني من أبرز العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي عليه السلام، وفقًا للروايات الشيعية هو شخصية من نسل خالد بن يزيد، حفيد أبي سفيان العدو الأول للإسلام. يُوصف السفياني بملامح قاسية مثل ضخامته وآثار الجدري على وجهه كما يحمل السفياني صفات نفسية شريرة، حيث يقتل الأبرياء، يرتكب الظلم والاعتداءات، ويُعتبر ملعونًا في السماء والأرض، يتنقل مع جيش يقتتل مع مختلف الفصائل حتى يصل إلى دمشق، حيث يرتكب العديد من الجرائم ضد أهل الإسلام، مثل قتل الأطفال وصلبهم.
وبحسب تلك الروايات فان حكم السفياني يستمر لمدة ثمانية أشهر، يُنشر فيها الإرهاب والظلم في الأرض، ويقوم بتدمير قيم الإسلام، مثل تحريف العبادة وقتل أهل العلم، ويُحرّم الفروض ويُحلّل الفواحش. في النهاية، يلتقي مع المهدي الذي ينهي حكمه ويمحقه، حيث يُقتَل السفياني بعد أن يُسحب أمام المهدي ويُذبح.
تأثير الغيبيات الدينية على الصراعات
تُظهر هذه الوقائع كيف أن الغيبيات الدينية تشكل جزءًا من تصورات المستقبل وتؤثر على مسار الصراعات في المنطقة وتعقيداتها، وكيف تم استخدام هذه المعتقدات بمثابة قوة تحفيزية للمضي قدمًا في المعركة، بل وتبرير الهزائم والانكسارات العسكرية، وتسهم في تشكيل الهوية الدينية والقتالية التي تحرك هذه الجماعات والفصائلـ فعلى الرغم عدد الضحايا جراء هذه الرؤى الغيبية في مدينة الموصل وحدها تراوح عدد الضحايا المدنيين بين 9,000 و11,000 مدني. أما في سوريا فقد تجاوز عدد الضحايا المدنيين 200,000 شخص حتى عام 2021. لا تزال هذه الرؤى الغيبية تروج من قبل تلك الجماعات والفصائل، مما يعرض مصير الملايين من البشر وأحلامهم وأطفالهم ومستقبلهم إلى مصير أساطير غيبية، وهو أمر لا يُقبل من العقل ولا ترضاه أي شريعة عدل في الكون.
ضرورة الاعتراف بالخطر
مع النتائج الكارثية التي لحقت بالمنطقة ولا تزال تلحق جراء هذه الغيبيات الدينية وانعكاساتها المدمرة، فقد حان الأوان للاعتراف بأن هذه الرؤى تشكل تهديدًا حقيقيًا للسلام والعدالة في المنطقة، فهي تساهـم في استمرار الدمار والتفكك، وليست مجرد معتقدات دينية بل قوى تساهم في تدمير المجتمعات وتهديد مستقبل الأجيال القادمة، وهذا ما يتطلب معالجة من قبل رجال الدين في كلا الطائفتين، وتوفير مساحة أوسع لدعوات التيارات الفكرية العلمانية والمدنية، وحتى المفكرين الإسلاميين العقلانيين، بضرورة التعاطي العقلاني مع التراث الديني، خاصة في المسائل ذات الطابع الغيبي، وإلا فإن بلادنا ومستقبلنا سيكونان رهينين لمصائر مجهولة بيد بعض رجال الدين المتطرفين الذين يضعونها رهنًا لنزوات فقهية وأسطورية يعانون منها.