22 ديسمبر، 2024 8:31 م

ما بين اليمين واليسار .. لغة المصالح أقوى

ما بين اليمين واليسار .. لغة المصالح أقوى

تعلمنا في علم السياسة انها فن الممكن ، وان المحظورات مباحة والمبادئ ميالة والعقائد مرنة وان عدو الامس قد يصبح صديقا في الغد وصديق الامس ربما يكون عدوا في الغد ، كل ذلك في سبيل تحقيق مبتغى واحد الا وهو ما يعرف بالمصلحة الاستراتيجية العليا سواء للدولة او الشعب او الحزب او جماعة ما يجمعها مصير واحد ، مع التذكير بان تلك المصالح عادة ما تكون بنظر السياسي ولن تكون بالضرورة بنظر الاخرين فكل ينظر اليها من منظاره الايديولوجي الخاص به ..
وحتى لا نبتعد كثيرا عن محور موضوع المحتوى نرى ضرورة في استيضاح ان ما تقدم هو مقدمة للحديث عن مفردتين طالما صدعت رؤوس الشعوب بل احيانا كانت وراء تقاتل ابنائها وتناحرهم لعقود طويلة من الزمن ، هاتان المفردتان هما اليمين واليسار ، الاول يمثل التيار المحافظ او المتطرف او المتشدد في العقيدة المنتشرة لدى شعب معين ، اما الثاني فيمثل التيار الاقل حدة في هذا التشدد والميال الى الانفتاح الاجتماعي واحيانا العلمانية في الطرح حسب الطبيعة الايديولوجية للكيان الحزبي الممثل لهذا التيار ، المهم في الامر ان التحالفات في الاغلب تجمع القوى السياسية من التيار الاول مقابل قوى سياسية متحدة اخرى من التيار الثاني فنجد قوتين كبريين احداهما تتمكن من الوصول الى السلطة بينما تكون الاخرى في المعارضة والعكس صحيح .
هذا هو الجسم الصحي في اي عملية سياسية او ديموقراطية سواء كانت رصينة ام فتية في دولة متقدمة كانت ام نامية فالاساس واحد والمبدأ السياسي الصحي يقوم عادة على اسس التحالف مع الاقرب ايديولوجيا بشكل هرمي وصولا للابعد الذي يكون عادة في نهاية ذلك الهرم .
الان ربما بدأت الفكرة تتجلى للقارئ الكريم وقد يبتسم قليلا متوقعا ما نريد ان نصبو اليه ، وبالفعل ما تفكر به ايها القارئ هو المقصود ، فإختلاف تلك الاسس والمفاهيم يخلق جسما او كيانا سياسيا غير سليم وبالتالي يضيع هذا الكيان مصير شعب بإسره ويهدم حاضرة بلد بأكمله ، فالحذر ليس واجبا بل انه من المقدسات في هذه الحالة لحساسية وخطورة مثل هذا الخطأ الذي لا يمكن علاجه لاحقا اذا ما تم ارتكابه ، ولا نريد ان نكون متشائمين الا ان الصراحة في الطرح تدفعنا الى القول أن هذا النموذج الهجين سيقود الى فساد منقطع النظير تلحقه شمولية اقطاعية سياسية اقتصادية تكون شبيهة الى حد كبير بالمافيا الدولية التي لا يمكن التخلص منها الا عبر ثورات او عملية استئصالية ليست بالسهلة .
ان الثقافة العامة لدى السياسيين في الدول النامية ربما هي اقل مستوى من نظرائهم في الدول المتقدمة التي دفعت شعوبها ثمنا باهضا قبل عقود لتعي خطورة الانظمة السياسية الهجينة ، حيث اكتشفت بعد مدد زمنية ليست بالقصيرة ان هذا النوع من الانظمة يقود حتما الى الفساد الذي فيما لو تمكن من بلد ما فأنه سينخره الى ان يصل به الى كيان مشلول مريض عاجز عن ايجاد موطئ قدم له بين الامم وهنا نقصد ككيان مستقل ذات كلمة مؤثرة على الصعيد العالمي ومبدع ومتجدد ومتألق في ابنائه وعوامله الاقتصادية التي انعم بها الله تعالى عليه ، وقبل طي هذا المثال الناجح لدى الغرب علينا التذكير من باب الامانة المهنية والفكرية انه قد يكون تطبيقيا من أشخاص وسياسيين على هذا النحو ، الا انه فعليا يخالف هذا المبدأ كون ان السياسة العامة النهائية لهذه الدولة او تلك تخضع في نهاية المطاف لمحددات سنتحدث عنها لاحقا وبشكل اوضح خلال هذا الموضوع .
على اية حال نحن نرى ان الاتحاد السياسي بين قوى متباعدة قيميا وعقائديا وفكريا لن يكوّن بالمطلق سلطة قوية قادرة على بناء بلد ما او النهوض به ، لان تلك القوى وبكل بساطة تخلت ومنذ اللحظة التي تحالفت بها مع نظيراتها المتناقضة معها عن جميع المبادئ التي تأسست لاجلها ثم وعدت شعبها بالحفاظ عليها ومحاربة نقيضاتها ولم تكتفي بذلك بل تقاسمت بلادها مع تلك التي تناقضها ، اي بمعنى انها قبضت ثمن بيعها لشعبها وبلدها لاجل مصلحة سياسية تضمن لها مكاسب ومغانم ما .
وللاسف نرى احيانا هذه النماذج تكثر في جمهوريات شرق اوسطية قارعت الانظمة الشمولية الدكتاتورية لعقود طويلة لتدخل الى متاهات هذه الانظمة الرجعية المتخلفة بعدما كان شعبها يتوق لتنفس الحرية والتقدم ، وهذا ما كان له ان يحصل لولا دعم وتخطيط مسبق من قبل الجهات النافذة في المجتمع الدولي وذلك لضمان الابقاء على تلك الدول في خانة قرر لها ان تبقى فيها .
الان وصلنا الى هذا المجتمع الذي تحدثنا عن تجربته الرائدة كأفراد وليس كسياسة عامة فيما سبق من حديثنا ، لكن الاقاويل كثرت عن طبيعة دوره في التحكم بمصائر شعوب الارض وسياسات انظمتها التي لا تستطيع احيانا الخروج عن طوع ارادة القائمين عليه ، فهذا المجتمع الذي يقوده عدد من الشخصيات المتحكمة بالاقتصاد العالمي نراه يتعامل بدهاء مع هذا الموضوع فهو يخيل للعالم ان بلدانه المتطورة ذات بعد سياسي راقي ومتقدم ، الا ان هناك تفاصيل لا تقل ظلامية عن ما يحدث في البلدان النامية تتعلق بالطبيعة المكوناتية للحكومات سالفة الذكر .
فالسياسة العامة لتلك الحكومات وهذه الدول تكون عادة مرتبطة باجندات دولية تكون هي الفيصل في اتخاذ القرارات المحلية والدولية ، اي بمعنى ان مصالح الجهات الداعمة للحكومة المعنية بالحديث تكون غالبة على قناعاتها السياسية وتحدد بوصلة قراراتها داخليا وخارجيا ، وتكون تلك الحكومات مضطرة للتعامل مع تلك الضغوط وفقا لمصالحها سواء السياسية او الاقتصادية وبالتالي فأنها كذلك تخلت عن قناعاتها وفقا لمصالحها الذاتية ، وبالتالي فإننا امام نوعين من التناقض السياسي بشقيه اليميني واليساري احدهما شرقي والاخر غربي ، الاول عبارة عن هجين غير متناسق والاخر متناسق يلبي سياسة متناقضة مع ما يؤمن به ، والاثنان وجهان لعملة واحدة حسب رأينا ، فالاول يؤدي الى فساد اقتصادي وسياسي ، والثاني يؤدي الى سقوط المبادئ المؤدي الى فقدان تام للسيادة وهو بالاستعاضة فساد سياسي يفقد القيمة العليا للدولة وشعبها ..
إذن .. فالمحصلة النهائية لهذا الموضوع تقودنا الى نتيجة لا نقاش فيها مفادها ان المصالح تحكم السياسة والعاملين فيها بشكل عام سواء في العالم المتقدم او النامي ، وان الايديولوجيات السياسية للاحزاب والتيارات والحركات العاملة في هذا الصدد ما هي الا مجموعة اشخاص يتخذون شعارات مؤثرة في مجتمعاتهم للوصول الى غايات محددة تلبي طموحاتهم الذاتية ، فلا ثمن يدفع لتقسيم الشعوب او اقتتالها الا من جيوب او دماء فقراء وبسطاء تلك الشعوب لا ساسته او قياداته .. فأتعضوا يا اولي الالباب ..