بعد شد وجذب ، وبين مؤيد ورافض ومشكك ومصدق ، انجلت صفحة الانتخابات ونتائجها ، لتبدأ صفحة لا تقل أهمية بل وخطورة عن ماهية هذا الحدث الا وهي تداعياته السياسية والأمنية لما له من انعكاسات على الاستقرار الداخلي للعراق والسلم الأهلي بشكل عام في ربوعه.
ان الخلافات التي نراها بين هذا الطرف او ذاك سواء داخل المكون المجتمعي الواحد او بين المكونات المختلفة ، ليست بالضرورة ان تكون ظاهرة مخيفة ومرعبة ، حيث نراها قائمة في معظم البلدان التي يسود نظامها السياسي الطريقة المتبعة في العراق الا وهي طريقة النظام البرلماني والحكومة المنبثقة عنه بشقيها الجمهوري والوزاري ، لكن الخطورة تكمن في تفصيلات تلك الخلافات وما اذا كانت الغاية منها تسقيط الاخر والهيمنة على مقدرات البلاد ، ام انها لتصحيح وضع يراه البعض غير صائب او منحرفا عن المسار الطبيعي ، وشتان بين طبيعة التفسيرين لتلك الخلافات.
فالأول والذي يرى غالبية العراقيين انه الأقرب للواقع ، يعني بشكل او بآخر انتهاء الدولة العراقية رسميا ، كون القائمين عليها بعيدون كل البعد عما من شأنه تقديم الأفضل للمجتمع او الكيان السياسي الجامع للدولة ، وبالتالي انعدام الفرص الحقيقية لإيجاد انتقال إصلاحي في البلاد. وهنا نعتقد ان الامكانية للتحرر الشعبي من الوضع الشاذ الذي يعيشه العراق شيء قريب من الخيال ويحتاج الى نهضة شعبية شاملة لا نرى أي بوادر لها في الوقت الراهن. اما في حال كانت الخلافات تقع ضمن طائلة التنافس لإيجاد الأفضل او لمحاربة فساد قائم او الانتقال بالبلد الى بر الأمان حتى وان اختلفت الرؤى حول ذلك والآراء ، فإننا نرى أن مجرد وجود هذه الفكرة والايمان بها يفتح آفاقا يمكن من خلالها التطلع الى بارقة أمل في ظلمة طال انتظار العراقيين للخروج منها.
وبين هذا التفسير او ذاك يبقى دور المواطن العراقي متفرجا الى ما ستؤول اليه الأمور خلال الأشهر المقبلة التي نأمل ان لا تكون طويلة قياسا بالمواقف المتشددة للمتخاصمين ، حيث يشير المنطق الى ان الاتفاق على شكل الحكومة المقبلة والتوافقات بشأنها لا يبدو بأي حال من الاحوال مهمة يسيرة او قريبة المنال.
هنا يتساءل البعض عن الدور الذي يمكن للعراقي ان يؤديه للتصدي الى حالة الفوضى التي تعتري العملية السياسية ، ولعل الجواب يكون مقنعا لدى البعض والعكس لدى البعض الآخر ، غير اننا لا نملك الا التنويه إليه كوننا بعيدين عن مراكز القرار السياسي.
الجواب هو ان قدرات العراقيين على صناعة رأي عام مقاوم لحالة الجمود المتعمدة كبيرة جدا لكن ينقصها التوحد والتنظيم حيث نرى ان شبابا يافعين بمقتبل أعمارهم يصنعون قضية شعبية ذات تأثير كبير على المستوى الوطني ، إلا أن تلك الأفكار غالبا ما تكون ضمن مجالات رياضية او فنية او ضمن سياق المشكلات الاجتماعية على اختلاف اشكالها ، بينما لو تحولت تلك القدرات الى انتقاد للتصرفات السياسية وشن حملات مضادة على ما يدور في دهاليز السياسة ، مستخدمين سيطرتهم المطلقة على برامج وتطبيقات السوشل ميديا ، سنرى فرقا كبيرا في طريقة إدارة البلاد لان القائمين على القرار السياسي تنقصهم الشجاعة في مواجهة المطالب الحقة ، لإيمانهم المطلق بظلمهم لهذا الشعب ومصادرة مقدراته وحقوقه الوطنية.
اذن وبموجب ما ذكرنا سلفا فإن القائمين على الشأن السياسي في البلاد عليهم ادراك ان خلو الساحة امامهم لا يعني انهم في مأمن من سحب البساط من تحت اقدامهم في حال تم التمادي اكثر واكثر في إيذاء هذا الشعب المظلوم ، وبالتالي فإن مراجعة الذات تبدو ضرورية الان قبل فوات الأوان يوم لا ينفع النادم ندمه ولا يستطيع الغاضب لجم غضبه .. حما الله العراق وأهله.