18 ديسمبر، 2024 10:21 م

ما بعد استقالة السيد ظريف ، نيو لوك

ما بعد استقالة السيد ظريف ، نيو لوك

لقد بات معروفا سبب استقالة السيد محمد جواد ظريف وزير خارجية ايران من منصبه ، ومن ثم العودة عن الاستقالة ، واستئناف عمله . فلا حاجة للوقوف عليها. وفي وقتها قلنا : أن من يقرر استقالة السيد ظريف ليس ارادة السيد ظريف نفسه ، ولا موافقة الرئيس روحاني على الاستقالة أو عدمها . انّ من يقررها هو المرشد . فالمرشد سيختار ان يبقى السيد ظريف ام يرحل ( كتابات بتاريخ 27/2/2019 ) . ولقد شاء المرشد ان يبقىي ظريفا في منصبه ، ولكن بعد ان اسقط عنه الهالة التي تحيط به ايرانيا واقليميا ودوليا . واعطى ايماءة لايرقى اليها شك ، بأنّ على العالم ان يسمع ما يقوله المرشد ، وليس ما تقوله وزارة الخارجية الايرانية أو الرئيس روحاني . ويبدو ان السيد ظريف قد استوعب ايماءة المرشد ، وعاد عن استقالته على مضض ، أو أنه ، أوهم نفسه ، بأنّه اعطى درسا للمتشددين بأنّ عليهم ، من الآن فصاعدا ، ان لا يقفزوا عليه مستقبلا .
ما نحن فيه ليست الاستقالة ، بل ما بعد الاستقالة . فلغة السيد ظريف بدأت تقترب من لغة المتشددين ، والاّ كيف نتلقى حديث السيد ظريف في كلية الاركان في ايران خلال اجتماع حول دراسة التطورات الاقليمية وتاثيرها على الامن في ايران يوم الاثنين 4/3/2019 . لقد تحدث الدكتور محمد جواد ظريف وزير خارجية الجمهورية الاسلامية الايرانية في ذلك الاجتماع بمنطق المرشد وقائد فيلق القدس ، وليس بمنطق الدبلوماسي صاحب الابتسامة الطفولية . تحدث بكلمات كبيرة عن اقتدار ايران وشموخ الشعب الايراني واقتدار القوات المسلحة الايرانية والمشاركة الملحمية للشعب الايراني في مسيرات ذكرى الانتصار بالثورة ، وتحدث عن الاعداء الذين يتربصون بالثورة ، وانه لايوجد في الدنيا احد يتخذ قرارات لايران ، فايران وحدها من تقرر مصيرها وتعتمد في ذلك على قدراتها ، واصبحت تقف بقوة بوجه القوى العالمية في مختلف المجالات ، وان غضب امريكا والدول الغربية على ايران يعود الى نجاحها في صناعة صواريخها بنفسها . تحدث عن كل ذلك وعن اشياء أخرى غيرها ، لم نسمعه سابقا يتحدث بمثل هكذا لغة ، وهو يعرف جيدا ان برنامج الصواريخ الايرانية يثير حساسيّة الغرب ، ويعرف جيدا ان ما تحدث به لايعدو ان يكون لغة شعبوبية لايريد الغرب سماعها ولايمكن تسويقها في البازار الاوربي . اذن لماذا تحدث السيد ظريف بهذا الوزن الثقيل ، وكأنه لم يستبعد عمدا عن حضور لقاء المرشد خامنئي والرئيس روحاني خلال استقبال كل منهما الرئيس السوري بشّار الاسد ، الامر الذي اضعف مكانته السياسية والدبلوماسية بشكل كبير على المستوى الدولي والاقليمي . كيف يمكن ان يثق نظراؤه بما يقول وهو ليس بموضع ثقة مرشد الثورة ! (ان كل شيء يذهب سدى حين لا يكون هناك ثقة في الشخص الذي يدير السياسة الخارجية ) هذا ما قاله ظريف لصحيفة جمهوري اسلامي يوم الثلاثاء 26/2/2019 ، وهو اليوم الذي قدّم فيه استقالته . . لقد تحدث السيد ظريف بهذه اللغة بعد يوم واحد فقط من كلمة سابقة للمرشد نشرت لأول مرة بتاريخ 3/3/2019 ندد فيها بالغرب الذي يتعاطى مع ايران بخبث ولا يضمر لها خيرا ، وان الغربيين سيّئون للغاية، وأن لديه الكثير ما يقوله حول الأوروبيّين، لا فيما يخصّ سياساتهم الحاليّة فقط ، بل حول الخبث الذي أظهرته الحكومات الأوروبيّة على مدى قرون .
لقد ادرك السيد ظريف ان توقيت نشر حديث للمرشد لم يعلن عنه سابقا يؤكد فيه عدم ثقته بالاوربيين ويندد بهم ، لا يأتي عبثا ، بل هو توقيت مقصود يعلن فيه اخفاق التيّار الاصلاحي في تحقيق ما وعد به من ان التوقيع على مايسمى بالاتفاق النووي الايراني سيرفع العقوبات عن ايران وسيساهم في ازدهار اقتصادها . وفي حقيقة الامر فان الواقع في ايران الآن اسوء بكثير مما كان عليه الحال قبل التوقيع على الاتفاق . لقد اعلن المرشد نهاية التيّار الاصلاحي ، حتى وان كان هذا التيارموجودا في قمة النظام ، وله الاغلبية في مجلس الشورى .
هل اراد السيد ظريف في حديثه بكلية الاركان ان يدغدغ مشاعر المرشد ومشاعر التيّار المتشدد في ايران ! أو انه بدى يتلمس ان ثقة الغرب به قد تزعزت ولا سبيل الى استعادتها ، أو انه أستقرأ ان انتخابات مجلس الشورى في شباط القادم ستؤدي الى فوز التيار المتشدد على خلفية تداعيات الاتفاق النووي الايراني على اثر انسحاب الادارة الامريكية منه ، لذا يتوجب عليه الاستدارة الى اليسار.
وفي كل الاحوال ، ومن الآن ولحين ان يرحل ظريف عن الخارجية الايرانية ، سيصغي السياسيون والدبلوماسيون الى الصوت القادم من داخل ايران ، وليس الى ما يقوله وزير خارجيتها .