سطّرت الدنيا تاريخها منجزات خطّت أو حفرت على الصخر أم على الطين والحجر ,ها نراها تتسابق الأمم بها بسرعات الضوء غصبًا عن المجهول وعن من أجهل كل معلوم ,لم يسطّرها عابد منعزل عن الدنيا لا يهمّه منها سوى غيبوبة وخشوع وحساب السنين وتعجيلها للذهاب إلى آخرة لم نر أو نسمع أنّ أحدًا عاد منها أو رجع ليحكي لنا ما شاهده هناك فقد تكون الآخرة هي الأخرى لا تصلح لعابد زاهد وعليه مغادرتها لأخرى ولأخرى ولأخرى ,وهذا حال المتديّنين الّذين لا يفوتهم وقت عبادة مدّعاة ولا يقلق بغيرها يحسبونها بثوانيها وبأجزاء الثانية ولا يحاسبون انفسهم سلوكيّاتها هل هي مرضية للعقل ولنهج الزهّاد ام لا زالت عبارة عن مستشضّات احتوت الجانب السلبي من أوجاع تاريخ مخضّب بالدماء؛ إنّما سطّرتها أيادي منجزو هذه الاعمال العظام الّتي أوضحت وأفصحت لنا مسيرة الانسان وتطوّره الخلقي والخلقي بما له وبما سجّل مسيرته بكلّ ما هو موجود أباطرة وقياصرة وملوك وقادة وعلماء ومفكّرون ضحّوا لأجل خدمة الانسان ولأجل قتل هواجس الشكوك بكون لا يكتشف بالانعزال والتهجّد وقيام الليل والنواح بل بالتجريب والمحاكاة والاحتكاك والمغامرات والأخطار وتجرّع المرّ والسموم وبالدماء تركوا أثارًا حفروها بأظافرهم ونحتوها خرائط وأفلاك وتقاويم وأبجديّات وتطبّب وسبر أغوار أعماق الكون وقيعان أعمق أعماق المحيطات والبحار لو بقيت على ذلك العابد الزاهد ما ظهر للحياة منها شيء ولما ظهر بشر على وجه الأرض أصلًا ولأنكفئ عائدًا تراب قبل أن ترى عيناه الوجود ولما نر ما يحصل ونعيه من حياة لا تملّ ولا يستطاب بغيرها لو احسن العيش فيها ونظّمها وانتظم معها وترك الخوف من مخالطة الناس وحمل همومهم مباشرةً لا بالاعتكاف والخوف من مخالطة الناس تهيمن عليه عقد انكماش لا حصر لها؛ ولتفاعل بأدق تفاصيل الحياة لأكبرها أو لأعمقها ,كون جميل مليء بالأسرار ومبشّر بكلّ ما يخطر ببال من مستجدّات تعطي الأمل وانفتاح وتوسّع خيال لا نهاية له يتمدّد مع تمدّد الكون لكلّ حيّ ناضج عقلًا وتدبيرًا بمستقبل يجعل من الكون وأجزاءه وبتفاصيله مسخّرات له يعيش المتحوّل الذاتي من ذات إلى ذات أخرى أنضج وأشمل وأعمق ولا يظنّ أنّه ذاته الّتي يعيها الآن هي فقط هذه الذات.. العالم والأمم المتقدّمة غادروا ذواتهم السابحة بمفاهيم الانعزال والاحتفاء بمنجز اعتزال الناس منذ آماد وانعتقوا عتق العبيد من تلك العادات الجهول وانعتقوا من أسر تعوّد تصفّد يديه به تطوّقه أينما التفتت عيناه لا يستطيع الحراك خوفًا من مجهول سيطر على دماغه تخويفًا ووعيد وثبور.. لتذهب مثل هذه المجتمعات التجمعيّة الّتي لا يحلو لها غير العشوائيّات الّتي لا ترى في الحياة سوى عابد زاهد تثار حوله الظنون وبغيرها إلى أسفل سافلين مع الموتى وهم لا زالوا يتنفّسون ولتفقد هذه المجتمعات كلّ أمل بتغيير ولتبق على ضحالتها ومستنقعيّتها الّتي تعوّدت السباحة والغوص فيها كالبراغيث والبعوض لا تتنفّس بغيرها سوى تلك لا فارق بينها وبينه فتلك مستدق بحجم الضئيل وهذا عتلًّ منفوخ يرى في عشوائيّات الطعام وجوده ووجود زاهده وعابده.