18 ديسمبر، 2024 6:48 م

ما المطلوب من البرلمان لإعادة ثقة الشارع ؟؟

ما المطلوب من البرلمان لإعادة ثقة الشارع ؟؟

تنجح وتتميز البرلمانات حينما يتمتع أعضائها بالمهنية السياسية الوطنية والاجتماعية والثقافية، عندها يكون لها الدور الحقيقي و الفاعل في بناء الدولة والمجتمع، كذلك يكون لأعضاء هذه البرلمانات علاقات إنسانية طبيعية متينة مع المواطنين تجعل البرلمان اقرب ما يكون لناخبيه مايرفع من مستوى أداء دوره الوطني والمهني وتنفيذ واجباته في كل الاتجاهات بنجاح.
ومن واجباته المهمة، الفصل بين السلطات بمختلف مسمياتها، وضمانة استقلالها وخاصة السلطة القضائية ونزاهتها مع الحفاظ على قوة السلطة التنفيذية بما يمكنها من تنفيذ وتطبيق الأنظمة والقوانين بشكل صارم عبر دوره الرقابي والتشريعي، اذ انه المعني بالحفاظ على الثروات الوطنية ومكافحة الفساد واحترام الدستور.

مهام ومسؤوليات

وما نعاني منه في عراقنا الجديد، كدولة ومجتمع، بعد أن استجدت حالات ومواقف أصبحت بأمس الحاجة إلى تعديل الكثير من الأنظمة والقوانين والمواد الدستورية بين فترة وأخرى، وجعلها أكثر مرونة وشمولية عندما يحتاج الأمر لذلك، وعلى جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلاقات الخارجية والداخلية، وحسب المتغيرات العامة في البلاد لدعم سلطات الدولة وتقوية مؤسساتها لتمكينها من القيام بمهامها في عمليات الإصلاح ومكافحة الفساد بكل أنواعه، وهي لاشك مهام وطنية وتاريخية تقع على عاتق البرلمان الذي يتحمل المسؤولية الأولى من بين بقية السلطات بعيدا عن الجاذبات السياسية والمصالح والصراعات، فضلا عن مراعاة العمل بشفافية من اجل حماية الثروات الوطنية ومؤسسات الدولة.
إن تنفيذ كل هذه المهام والواجبات من قبل البرلمان تتطلب العمل بوطنية وحماسة متناهية وبدون حرج أو محاباة أو مجاملة لأي طرف على حساب الآخر، وعدم فسح المجال لأي سلطة من السلطات التفرد بالقرارات بحيث تطغى على عمل بقية السلطات خاصة في موضوع الفساد الإداري والمالي والاعتداء على أموال الدولة وثرواتها.. ونحن اليوم إمام هذا التحدي الذي خيم على جميع مرافق ومؤسسات الدولة العراقية وبدون استثناء و شملت( التهم) الكثير من المسؤولين في الدولة وعلى مستوى وزراء وما دون بكل ملفاته الشائكة والمعقدة.
وبعد أن خرج العراقيون كالسيل العارم يطالبون بالإصلاح والتغير ومكافحة الفساد وتغير الأنظمة والقوانين التي تصب في صالح الفاسدين( حكام وسياسيين) ، ويطالبون البرلمان بشدة بتغير الدستور ونظام الانتخابات وآلياتها التي صيغت لصالح بعض المنافع، لابد على البرلمان بكل كتله وأعضائه أن يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية والوطنية ويحافظوا على قسمهم و يصونوا الأمانة ويعملوا بشجاعة نزولا عند رغبات الجماهير في تغير العديد من مواد الدستور، وقانون الانتخابات بالاستعانة بمنظمات المجتمع المدني المهنية القانونية المختصة و الكفؤة لسد كل ثغرة ممكن ان تولد البطالة والتفاوت الطبقي والفقر وعدم السماح لأي فاسد بالإفلات من الحساب والعقاب.
أن هذا الدور الكبير الذي يقع على عاتق البرلمان يتطلب حماية المجتمع من الانشقاقات والنزاعات الحزبية والتكتلات التي تخلقها المصالح الخاصة داخل قبة البرلمان، والتي تنعكس بشكل مباشرة على واقع عامة الناس وحياتهم اليومية، والابتعاد عنها لان خلق هكذا مناخات وظروف سلبية غير ايجابية من شأنها ان تعطل دوره في التشريع والرقابة، وتجعل من بعض أعضاء البرلمان أداة لإشاعة الفساد ومظلة لحماية الفاسدين، كونه( البرلمان) وجد لحماية الدولة والمواطنين، بل لابد له ان يكون القدوة في ذلك بدلا من تبادل اتهامات البعض للبعض الأخر بالفساد داخل قبة التشريع لخدمة الإغراض والمصالح الانتخابية والسياسية والشخصية للأحزاب والتكتلات من اجل تقسيط الأخر للاستحواذ على المواقع المتقدمة في سلطات الدولة وتحقيق مكاسب غير مشروعة وقيامهم بالضغط على مسؤولي مؤسسات الدولة والوزراء للاستحواذ على العقود والمقاولات وإعطائها لشركائهم في الباطن والسيطرة على عقارات الدولة، فيما العراق اليوم بأمس الحاجة للتعجيل بعمليات الإصلاح وإنهاء الملفات الساخنة و العالقة والانفتاح على الاخر من أوسع ألابواب.

الشروع بالاصلاح

لقد حان الوقت لان ينهض البرلمان العراقي بمسؤولياته ويطلع بدوره بعد كل هذه الاحتجاجات والتظاهرات وسقوط الشهداء والجرحى في ساحات الديمقراطية والحرية، ويسرع بالمبادرة العملية لمد جسور العلاقات الصادقة والشفافة مع المواطنين لكسب ثقتهم واحترامهم والتعاون من اجل الإصلاح والتغير بغية الايفاء بحقوق الناس ، خاصة ونحن في ظل ازمة ثقة وفجوة كبيرة تزعزعت فيها ثقة المواطن بسلطاته لأسباب وعوامل كثيرة، وفي مقدمتها الفساد الذي طال جميع سلطات الدولة ومؤسساتها وشخصياتها، وكل ظروفنا وأوضاعنا الوطنية تتطلب من البرلمان وتفرض عليه أن يجتهد ويعمل بمهنية وحيادية وشفافية ونزاهة عالية لتحقيق مطالب المتظاهرين والمحتجين بصدق وأمانه وشفافية، وبالتالي العمل (بصدق) على تأسيس منظومة مؤهلة تتمكن من إخراج البلد من تلك المساوئ وإعادة الثقة بالبرلمان وكشف الفساد ومحاربته ثم محاصرته واجتثاثه والقضاء عليه.. وهنا تبرز الحاجة لبناء الأنظمة المتخصصة والارتقاء بعملها وفي مقدمتها المؤسسات الأمنية المهنية القادرة على أداء واجباتها لان تحقيق الأمن من أهم العوامل التي تساعد على محاربة الفساد وتفكيكه، والكف عن التوسع في حلقات متابعة المفسدين بالطرق التقليدية لان في هذا التوسع إضافة حلقات تفتح أبواب جديدة للفساد والمفسدين تعزز من وجوده وتغلغله وتقويته بدل محاصرته واجتثاثه، فضلا عن الإسراع في حماية مشاريعنا الاستثمارية والاقتصادية .
إن تعزيز دور البرلمان وأداءه يعتمد أيضا على إيجاد ثقة متبادلة بين الكتل والقيادات السياسية لتعزيز أدواره التشريعية وخلق بيئة ومناخ سياسي يساعد على بناء الدولة والمجتمع وحماية السيادة الوطنية ومكافحة الإرهاب بشكل مهني علمي جاد وحقيقي.

صدمة الامر الواقع !!

أحدثت التظاهرات الشعبية التي شهدتها اغلب محافظات البلاد من بداية تشرين الأول الماضي، صدمة مرعبة لم يتوقع جميع القادة والسياسيين الذين أصبحوا في حيرة من أمرهم، فالمطالبات الشعبية من اجل الإصلاح والتغير واتخاذ إجراءات ملموسة في الميادين العملية سواء كانت تتعلق بتعديل الدستور ومكافحة الفساد، مطلب الكل دون استثناء، وذلك بعد أن تخموا الناس من التصريحات والبيانات والخطب الرنانة وجعجعات إصلاح وتغير بلا طحين!!، واليوم بات العراقيين في الساحات العامة و الشوارع يتحدث ويتساءلون لماذا كل هذا الفساد ولم نر مفسدا من الرؤوس الكبيرة او من حيتان الفساد ولو لمرة واحدة يظهر وبشكل رسمي في قفص الاتهام وأمام الكاميرات ليحاسب امام الشعب؟؟ والعراقيون يريدون معرفة هل كل ما يسمعونه هو اتهامات ام حقائق؟؟ ، وهناك من يصرح بالقول: ان كل هذه الجعجعات والتصريحات عن الفساد والمفسدين هي حروب وصراعات واتهامات بين السياسين من اجل الاستحواذ على المناصب و يراد بها الابتزاز والتسقيط السياسي!! وبعض التصريحات يطلقها اصحابها للحصول على نجومية مجلس النواب وضمانة اصوات الناخبين للمرحلة المقبلة من الانتخابات!!!، والا لماذا لم يتمكن اصحاب هذه التصريحات والخطابات و اللجان المتخصصة في البرلمان من جلب واحد من مافيات الفساد الذين يتحدثون عنهم ويضعونه تحت طائلة القانون!! ولم نسمع سوى الوزير الفلاني سرق قوة الشعب وجوّعه؟؟، واخر استحوذ على عقارات الدولة واملاكها!!، واحاديث عن فقدان مئات المليارات من الدولارات بمشاريع وهمية!!والعراقيين يطالبون البرلمان والحكومة ويرفعون من احتجاجاتهم للشروع باجراءات رسمية وحقيقية وشفافة.

فقدان المصداقية
اذن لابد من واقع عملي للبرلمان لمعالجة جميع قضايا الفساد، فالكثير يرى انه فقد مصداقيته ونزاهته في هذا المجال، واصبحت الجماهير خصمه، وهو الذي يتحمل المسؤولية الاولى بسبب دوره الرقابي والتشريعي، وفي الجانب الاخر يتوجب على الحكومة التعاون بشفافية ومصداقية وموضوعية ونزاهة كاملة الوضوح مع البرلمان، وعلى البرلمان ان يؤسس لجانا خاصة لتزويده بالمعلومات والخبرات التي تمكنه من مكافحة الفساد ومتابعة ما يجري في الدولة بشكل شفاف ودستوري منظم وبما يخص صلاحياته .
نحن نعلم وندرك من ان بعض قدرات نوابنا المهنية ضعيفة او معدومة، وهذه مشكلة بحاجة لحل من خلال تطوير قدراتهم وإمكانياتهم المهنية حتى ذهب البعض الى تقديم مقترح فتح دورات تقوية لأعضاء البرلمان وهذا ليس بمعيب، ليتمكن عضو البرلمان من القيام بواجباته بشكل علمي ومهني ونظامي ليكون مستعدا استعدادا صحيحا وحقيقيا لتصريف مهامه بنجاح ، ولنعد الى مكافحة الفساد.. هذه الإشكالية العالمية التي تعاني منها جميع دول العالم حتى أصبح لهذه الدول خبرة وتجربة ومعاهد استراتجية كبيرة تعنى بمكافحته وهناك الجمعيات والمنظمات الدولية لصد الفساد ومكافحته،و منها المنظمة الدولية للأمن والتعاون وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية.. وعلى البرلمان التعاون مع هذه المنظمات لمواجهة الفساد ومكافحته واجتثاثه والحد من مخاطره التي تعرض الدولة العراقية للتخلف والضعف بسبب الفساد المستشري فيها والذي أصبح يطرد المستثمرين من العراق رغم الأحاديث عن الاستثمار والعقود الموقعة، وهذا يتطلب أن يعمل البرلمان بحماسة وموضوعية وبدون توقف (بعد ان يصفي الأجواء تحت قبته ويعمل على خلق مناخات تمكنه من المشاركة الفاعلة في مؤسسات الدولة و بما يتيح له الدستور من نشاطات يقوم بها) من خلال صناعة القرارات المتعلقة بالنواحي السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية عندها يصبح البرلمان صمام الأمان الحقيقي الشرعي لمنع كل الخروق وحماية الدولة والمجتمع من الفساد والمفسدين ، لكي لا نواجه ما نواجهه اليوم من كوارث أرعبت المواطنين وجعلتهم يخرجون محتجين متظاهرين يطالبون بحقوقهم والحفاظ على ثرواتهم الوطنية وحمايتها من السراق الذين يستظلون بكراسي السلطة ويحتمون بها بعد ان عمدوا وبتخطيط مسبق لتعطيل بناء الدولة ومؤسساتها وتقديم الخدمات للمواطنين وتهيئة فرص عمل لهم والقضاء على الفقر والتفاوت الطبقي وحماية حرمات الناس ، لذا فأن المنطلق الحقيقي لكل هذه الفعاليات والنشاطات و عمليات الإصلاح والتغير يرتبط بعملية إصلاح فساد العملية السياسية قبل كل شيء لان فساد العملية السياسية أنتج لنا كل أنواع الفساد في العراق..