23 ديسمبر، 2024 3:23 ص

ما اللغة وما أصولها؟ (3)

ما اللغة وما أصولها؟ (3)

إذا ما رغب المرء بالارتكان إلى النظرة “العلمية” أعلاه، فإنه كذلك سيقع في مطبات فلسفية وفكرية فريدة، وهي تعقيدات من نوع: هل أن اللغة (كما نعرفها اليوم) هي وسيلة الاتصال الوحيدة بين البشر؛ أم أن هناك وسائل اتصال إنسية أخرى من نوع “لغة الإشارة” و”لغة لانقر”؟ ناهيك عن لغة الطبول التي استعملتها قبائل بدائية في إفريقيا عن طريق دق الطبول بطرائق مختلفة كي تعبر عن أخبار معينة قد لا تكون أخبارا معقدة، وإنما من نوع “عدو قادم”، ولكنها تبقى وسيلة اتصال ناجعة بين البشر، زد على ذلك “لغة الدخان” المتصاعد، وهي وسيلة اتصال وضعها السكان الأصليون في أميركا (الهنود الحمر)، وقد وظفت عن طريق إشعال النار في حطب وتغطيتها بعد إطفاء النار، كي تتصاعد أقراص الدخان عاليا بدرجة كافية كي يراها أعضاء القبيلة، (أو الشعب) عن بُعد، ربما كانت هذه اللغة باستعمال الدخان هي التي أوحت بلغة النقر التي استعملها مخترع ماكينات الاتصال بالبرقيات عن بُعد! هذا وقد اكتشفت وسائل اتصال أخرى بين البشر، وهي وسائل للاتصال عن بُعد، أي دون حاجة للغة الصوتية التي نستعملها اليوم، ومنها لغة الاتصال بالتصفيق، ولغة الاتصال بالصفير، أي طريق الصافرات التي يؤديها حلق الإنسان مجردا. وعليه، لم يكذب العشاق عندما تكلموا عن “لغة العيون” التي قد تواشج بين عاشق ومعشوق بغض النظر، عن الخمار وما تحته، لأنها لغة عابرة للأقمشة والغزول على أنواعها! أما السؤال الأكثر تسبيبا للحيرة بين العلماء (وبغض النظر عمَّا جاء بالكتب المقدسة)، فهو: هل هناك لغات حية، فاعلة للاتصال، ليس في مملكة الإنسان، وإنما في ممالك الحيوان والوحوش والطيور؟ الأمر الذي يقود إلى التساؤل: كيف يسخر الإنسان بعض الوحوش لتنفيذ مهمات وخدمات له، كما يحدث اليوم في تجارب البنتاجون والبحرية الأميركية من أجل تسخير أنواع معينة من الأسماك والكائنات البحرية، توربينات، في المعارك البحرية الغاطسة! لنتذكر دائما قصة النبي سليمان واستعماله لغة خاصة مع الحيوانات!
أما موضوع إرجاع جميع اللغات المتفرعة من شجرة لغات واحدة إلى “لغة أصل”، كانت هذه اللغات قد تفرعت عنها، فهو موضوع أكثر شائكية، خصوصا عندما يأتي الأمر إلى لغة الأقوام السامية الأصل: أين هي وهل اندثرت وماتت، كما ماتت اللغة اللاتينية المنطوقة؟ وتنطبق ذات الحال على لغة Indo-European الآرية الأصل، إذ يذهب العلماء إلى أنها كانت لغة موجودة مستعملة فعلا في أراضي “لتوانيا” اليوم قبل أن تتوالد وتتشعب الى اللغات الأوروبية الأخرى من الفارسية والكردية في الشرق الأوسط إلى الإنجليزية والألمانية في أوروبا.