سعد الحريري هذه الايام هو نجم النشرات الاخبارية الدولية والعربية والمحلية اللبنانية وحتى البرامج الفكاهية منها. كل هذا بسبب غموض وضعه الشخصي الذي انتقل من الهمس والتلميح الى العلانية والتصريح وامتد ليشمل حتى عائلته. هذا الاهتمام به تزايد خصوصا بعد تصعيد اللهجة من الرئيس اللبناني ووزير خارجيته وبعد الزيارة التاريخية للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي وختاما بالعرض الرئاسي الفرنسي للحريري وعائلته لزيارة فرنسا لايجاد مخرج ملائم للسعودية لحل الورطة التي اقحمت نفسها بها، بعد ان اصطدمت المخططات السعودية واحلامها باكثر من عقبة، وتخفيفا للتوتر الذي اصاب المنطقة وحمل مخاوف حقيقية من انفجار الوضع مما قد يسبب بحوادث لا يمكن السيطرة عليها لاحقا.
وليس هذا ما انوي الحديث عنه، فهذا قد تعرضنا له مسبقا في مقال مطول (لبنان اخر الحروب السعودية قبل الانهيار). الا ان ما يهمنا ان نتحدث عنه اليوم هو السيرة السياسية للحريري (الاب اوالابن) السيرة التي التي اوصلت سعدا الى هذا الموقف المحرج. موقف انهى حياته المهنية كسياسي. وجلب مهانة وذلاً لانصاره وحزبه الذين كانوا يدافعون عنه ويناكفون الكثير، باتوا اليوم في وضع محرج ومخجل لا يعرفون ما الذي عليهم ان يفعلوه. خصومهم السياسيون اضحوا هم من يدافعون عن رئيسهم الرهينة وهم لا يملكون حولا ولا قوة ولا نفعا ولا ضرا.
الحريري شخص ظهر فجأة بلا تاريخ سياسي ولا سابقة متجذرة في الوجدان الشعبي اللبناني لا بشعرأو ادب فلم يلمع في سماء لبنان الثقافية شخص ينتمي لهذه الاسرة. ولا بسياسة او بفصيل مسلح لا قبل الحرب الاهلية ولا اثناءها فلا عنده تاريخ كتائب بيار الجميل وخلفائه ولا احرار كميل شمعون وامتداده، ولا وطنية كمال جنبلاط وجبله الدرزي ولا هو من محرومي امل وانبثاقاتها. ليس للحريري تاريخ في الفن الذي له الكثير من الاسماء اللبنانية التي تنتمي لعوائل متعددة شهيرة في لبنان ومع ذلك لم تحظ عائلته بشرف الانتساب لهذا الوسط ولا حتى بممثل كومبارس او مطرب اعراس محلية. الحريري لم ينتم حتى لاهل المال بل هو رجل معدم هاجر الى السعودية وعاد مليونيرا ليس لنشاط مالي عصامي بل لسبب واحد لا غير، انتهازيته وتملقه لدولة صنعته وجندته لتنفيذ اجندتها وليس له ان يفعل اي شئ الا بموافقة خاصة وامضاء من الرياض.
حين قتل الحريري الاب بحادثة الاغتيال الشهيرة نُصب سعد بديلا عنه وسوقته السعودية باموالها ونفوذها عبر سفارتها على انه زعيم الطائفة السنية واخفت كل القيادات السنية الحقيقية تحت لمعان ذهبه. وصدق الجمهور في لحظة خاطئة ان سعدا زعيم سياسي، بل واصبح له انصار فعليون يدافعون عنه ويتجمعون في تظاهراته الانتخابية وغيرها. اصبح سعد بنظر كثير رئيس وزارة وزعيم تيار ويملك مفاتيحاً كثيرة في الوضع اللبناني وحتى الاقليمي، انما الحقيقة انه لم يكن سوى دمية لا تملك من امرها شيئا ابدأ حتى على مستوى الحركة الشخصية. وهذا ما كشفت عنه الازمة الحالية بوضوح لا يتغافله الا احمق او متزمت.
اذن ما الذي يهمنا في كل هذا؟ الذي يهمنا اننا نملك البعض من امثال الحريري ممن صنعتهم عواصم اقليمية وهم لا يملكون قرارا ولا رأيا، ولكن اصبحوا بنظر كثير من قادة الاحزاب والتيارات والقوائم ولاجل ذلك الاعتبار الزائف تسنموا مواقع حساسة في الدولة، وبات لهم انصار جعلوهم رموزا للطائفة والمذهب. هولاء بكل زخرفهم هم نسخة اخرى من الحريري وان لم ينتبهوا ويدركوا حقيقة امرهم سيجدوا انفسهم في موقف اسخف من الذي وصل اليه الحريري الابن واكثر مأساوية من الذي وصل اليه الحريري الاب. وربما لن يصحو من سكرتهم هذه حتى بالف مقال من هذا، بعد ما رأوه من دنيا احاطت بهم من جاه وسلطة ومال.
انما بهذا المقال اتمنى على الجمهور الذي خدع بالحريري ان يتلقف الان فرصته الحقيقية ويستعيد وعيه الذي سلبته منه يوما الطائفية والشوفينية. الان هي فرصة حقيقية لهذا الجمهور ليختار قائدا حقيقيا يمثله لا ان يندفع وراء دمية قائد تصنعه دول خارجية. وحتى لا نعيش صدمة جمهور الحريري علينا ان ننظر بتفحص في هذه الرموز والقادة والخطوط الحمراء المزيفة التي اصبحت في صدارة المشهد وهي لا تملك شيئا من الانتماء لتراث وحضارة وثقافة وفن وسياسة وتجارة وسوق عمل العراقيين. انها تنتمي فقط لما انتمى اليه الحريري وهي الصناعة الاجنبية.