كتب لي صديقى ميشيل دراير المدير الفني لمهرجان اوزنابروك لفنون الشرق بالمانيا رسالة قلقة عما يجري هذه الايام في العراق – الذي يحبه كثيرا وله فيه حفنة من الاصدقاء من الفنانين والمثقفين – كتب يسأل بلهفة ( يا آلهي .. ما الذي يجري في العراق .. ارجوك افهمنى ماذا يجري في بلدكم ؟ )
وكان جوابي له ليتنا نحن نفهم ما يجري في العراق كي اتمكن من افهامك … لقد دارت رؤوسنا ياصديقي مما جرى في الموصل قبل عشرة ايام حيث سمعنا وشاهدنا بضعة مئات من عصابات مسلحة تقتحم المدينة ويفر منها الالاف الجنود والضباط دون اطلاق طلقة واحدة ضد ( العدو ) .. بل اننا سمعنا ورأينا يا صديقي ان عساكر الحكومة قد رموا ملابسهم الرسمية في الشوارع وهربوا … وسمعنا ان هناك خيانة ومؤامرة .. هل المتأمرون هم الضباط الذين هربوا والذين سيحاكمون كما سمعنا .. ومن الجهة التي ( لعبت برأسهم ) ؟ لم يشرح لنا احد هذا اللغز كي نفهم .. ثم نقول لك ما الذي يجري في العراق ..
وانشغلت ادمغتنا بحل لغز آخر .. كانت المشكلة تتمركز في محافظة الانبار وبمجموعة داعشية تتحصن في الفلوجه ولها جماعات منتشرة في الصحاري والفيافي القريبة .. تقصفها الطائرات وتصيب الاهداف كما شاهدنا عل شاشات التلفزيون وكانت القوات الامنية تحاصر المدينة وهي مستعدة لاقتحام الفلوجة وبانتظار الاوامر وهذا ما لم يحدث حتى الان
وفجأة انتقلت المعركة الى مناظق اخرى .. الموصل .. سامراء .. وووو … وفجأة يا صديقي رأينا المسلحيين الارهابيين ينتشروى في مدن وقرى ، من الحدود السورية وحتى مشارف بغداد .. ويهددون بالوصول الى مدن الوسط .. ويحاصرون مصافي النفط في بيجي ، ويقتحمون مراكز حدودية واذ بالداعشيين هم الذين يحددون مكان كل معركة وزمانها .. وهم يتحولون من مواقع الهجوم الى الدفاع ثم يقلبونها الى هجوم فدفاع .. والجيش يقتل منهم العشرات ويحرق الياتهم .. ولكنهم لا ينتهون ولا يستسلمون ,, كم عددهم يا ترى ، من الذي يحميهم ، من الذي يمولهم ، السناتور ماكين يقول ان السعوديين بمولونهم ويطلب من اوباما ان يضغط على الحكومة السعودية لايقاف التمويل والسعودية في اخر تصريحاتها الرسمية تقول انها ضد داعش وتعتبرها منظمة ارهابية ، ولكن فضائيات سعودية تسميهم ثوار العشائر – وهذه النغمة ترددها ايضا فضائيات عراقية وبعضها تتحدث ان الوضع الان في الموصل تحت ادارة داعش هو افضل مما كانت تحت الحكومة العراقية ، وبالامس ظهرت على احدى الفضائيات نائبة في البرلمان العراقي تؤكد انها تلقت رسائل من الموصل تقول لها لا تقلقوا علينا فنحن بخير ، وانما نحن قلقون عليكم انتم يا من في بغداد !!
ومن جانب اخر نسمع ما قام به الداعشون من قتل واغتصاب وتهديم مراكز دينية والتضيق على المسيحيين ، وبالامس يؤكد النجيفي – شقيق محافظ الموصل – ان كتلة متحدون التي يتزعمها هي ضد داعش ويطالب بالوقوف جميعا ضدها ، من يقف ضد داعش ؟ زعماء
الكتل ومتعاطو السياسة في العراق الذين همهم الاكير الان هو اسقاط المالكي والنيل منه ، الذين يطالبون بحكومة وحدةٍ وطنيةٍ جامعة لكل مكونات شعبنا وهم يعملون ليل نهار عكس ذك .. من ؟ الذين يدعون الى الابتعاد عن الشعارات الطائفية والعرقية والمواقف المفرقة ..وكلامهم وتصريحاتهم تفوح منها الطائفية والتفرقة وتسقيط الاخر .. انا لا استثني احدا من اللاعبين السياسيين من هذا …
هل اسرد لك اكثر ايها الصديق من الغاز ما يجري في العراق الان ..؟ انها قائمة طويلة ، ولكنني اريد ان اختم بلغز قد يستطيع محللوكم في المانيا تفسيره لنا ، واقصد موقف الرئيس الامريكي اوباما ، الذي يدرس منذ ايام الوضع ، ويجتمع كل يوم بعشرات المستشاريين المدنيين والعسكرين ، وتصدر عن ادارته تلميحات انه سيفعل كذا وكذا وربما يتعاون مع ايران او يرسل طائرات بلا طيار ويفكر ان يرسل وزير خارجيته كيري الى المنطقة في الاسبوع القادم … ويفكر ..وغيره يفكرون معه ..والعالم كله يفكر بما يجري في العراق … انهم يفكرون فينا ونحن تلتهب حولنا الحرائق ، وندوس باقدامنا الحافية على كتل الجمر الملتهب !