زرت سوريا عام 2007. وأبرز ما استقرّ في ذاكرتي تلك المقاهي والمطاعم والفنادق التي تنتشر على ضفتي نهر بردى، النهر الذي تغنّى به الشاعر أحمد شوقي في مطلع قصيدته:
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وبردى نهر في دمشق، ينبع من جنوب الزبداني، ويصب في بحيرة العتيبة جنوب شرق مدينة دمشق، ويبلغ طوله 84 كم.
وقد قفزت إلى ذهني في تلك اللحظات صور عديدة لنهري دجلة والفرات، اللذين يجريان بشكل شبه متوازٍ من شمال وغرب العراق، ليصلا إلى أقصى نقطة في جنوبه، حيث يقطع دجلة 1400كم، ويقطع الفرات مسافة 1160كم في الأراضي العراقية.
تُرى، كم سيجني العراق من الثروات لو استثمر النهرين بشكل صحيح؟ ماذا لو عجّت ضفتاه بالمرافق السياحية؟. ولماذا يستفيد العراق من ثلث مساحته الزراعية الصالحة للزراعة فقط؟.
وبدأت الأسئلة تجري في ذهني كما تجري مياه دجلة في جسد العراق. لماذا يوجد (في العراق جوع)؟ ما الذي ينقص العراق؟ ما الثروة التي توجد في العالم ولا توجد في العراق؟.
لدينا ثروة مائية
لدينا ثروة زراعية
لدينا ثروة حيوانية
لدينا نفط
لدينا غاز
لدينا خامات صناعية مختلفة كالحديد والفوسفات والكبريت والرمال الزجاجية وصخور البناء…
لدينا سياحة أثرية
لدينا سياحة دينية
لدينا سياحة طبيعية
لدينا منافذ بحرية
لدينا صناعات شعبية
لدينا ثروة معنوية (عمق تاريخي)
وهذا ليس كل ما لدينا، ولكن المقام ليس مقام تفصيل.
إن الأدلة جميعها تشير إلى أن العراق بلد غنيّ جدًّا. إذن، أنضحكُ أم نبكي أم نخلط البكاء بالضحك كأولئك الذين يعانون من انهيار نفسي حاد؛ بعد أن نعرف أن العراق يستورد ما قيمته 5 مليارات دولار سنويًّا من مشتقات النفط!. فهل العراق بلد مُنتِج للنفط أم مستورِد؟!. وكيف يُدار قطاع النفط. كيف تستورد (بلاد ما بين النهرين) الطماطم والباذنجان بالعملة الصعبة؟. وكيف يدار القطاع الزراعي؟.
لقد احتفل العالم بالألفية الثالثة، بطرح أحدث أجيال الصناعات التكنولوجية الرقمية، ونحن نتحدث اليوم عن ضرورة إنشاء (محطات تحلية المياه) بعد ضغط مجموعات من المتظاهرين. ونتحدث عن تزويد المواطن العراقي بساعة أو ساعتين إضافيتين من التيار الكهربائي. ونتحدث عن معالجة مشكلة المدارس الطينية (المبنية من الطين) في مواسم الأمطار.
كيف ذلك وعائدات العراق من النفط وحده تبلغ حوالي 265 مليون دولار يوميًّا.
باختصار شديد، إن العراق يتعرض إلى أكبر عملية سرقة منظّمة في التاريخ.