كانت ايران على مدى عقود في حالة اطمئنان لأنها تعلم مهما فعلت من تمادي لن يكون هناك ردع لان امريكا والغرب بحاجة إلى دورها في المنطقة، مما يعني ان أمريكا لا تريد تحجيم ايران أو اسقاط نظامها لانها تعتبر لو حصل ذلك سوف يشكل ربح للعرب ونصر للمسلمين لان العرب سوف يزاح عنهم كابوس التهديدات وينتهي مسلسل الانقسامات مابين الموالين لايران والمعادين لها وبالامكان تسوية الخلافات العربية بعيداً عن وجود نظام الملالي الذي يعتبر بمثابة حجر عثر امام تلك التسويات نتيجة عمق التدخلات الايرانية داخل المنظومة العربية .. وأيضاً نصر للمسلمين لانتهاء من يزرع الفتن والفرقة بين صفوفهم وسوف تنعم المنطقة بالاستقرار ويصبح بالإمكان تسوية الخلافات سواء العقائدية أو السياسية، وهذا ما لم ترغب بة امريكا والغرب لان هذا الاستقرار سوف يزيد من مخاوف انتشار الإسلام في بلادهم رغم تفنن محاولات تحجيم انتشاره خصوصاً تشويه صورة الإسلام بعد السماح للجماعات الموالية لايران في إقامة شعائر بأسم الإسلام في بلاد الغرب تسيئ للإسلام والمسلمين ليتسنى نفور الناس من اعتناق الإسلام الذي بات امر مقلق للعالم الغربي ويجب مجابهته بمختلف الوسائل واحداث بريطانيا شاهد على ذلك، ولكن الخلاف الذي يطفوا على السطح مابين امريكا واسرائيل التي لا يهمها مخاوف انتشار الإسلام في امريكا واوربا وإنما ما يهمها أمنها القومي بعدما اصبح واضحاً أنها لا تأمن خداع ايران وأكاذيبها واتفاقاتها المبطنة وتعهداتها التي غالباً ما تتنكر لها .. بينما الامريكان لا زالوا يعتقدون ان من مصلحتهم بقاء نظام ايران كمصدر للفتنة من خلال خلق البؤر الساخنة في العالم الذي تعتبره امريكا منفذ لتدخلاتها وخصوصاً الشرق الأوسط، وايران خير من يهيئ لهم هذا المبرر .. لكن اسرائيل متحمسة لضرب ايران وتريد جر الأمريكان لحرب شامله في المنطقة لتحقيق اهم غاية مقلقه بالنسبة لها وهي المفاعلات النووية الإيرانية لان اسرائيل لم تعد تأمن غدر ايران كما اشرنا مهما قدمت من تعهدات كون مفاعلاتها ليست موجهة ضد اسرائيل، لهذا إعلان امريكا التزامها بأمن اسرائيل ليس من جراء الضربة الإيرانية المرتقبة وإنما طمئنة لمخاوف اسرائيل من المشروع النووي الايراني لان امريكا والغرب يملكون من الأسلحة الفتاكة تفوق ما تملكه ايران من أسلحة صاروخية أو نووية مفترضة .. بمعنى حتى لو أنتجت ايران السلاح النووي فأنه لا يشكل خطر مباشر على امريكا والغرب وإنما يمكن الاستفادة منه كمصدر تهديد لابتزاز دول المنطقة. وهنا يكمن سر الخلاف ما بين امريكا واسرائيل التي تسعى للتصعيد للتخلص من كابوس المشروع النووي الإيراني وأمريكا التي تسعى للتهدئة والتغاضي عن تجاوزات ايران لان بقاء النظام الإيراني يصب في مصلحة الأجندة الأمريكية خصوصاً الدور المشترك في صناعة الارهاب الذي غالباً ما يؤدي إلى توسيع دائرة نفوذ الطرفين في المنطقة. والأيام القادمة بل الساعات القادمة هي الحاسمة في تحديد مصير استمرار الشراكة المبطنة الأمريكية والاسرائيلية مع ايران، أو ان الوقت قد حان لفظ تلك الشراكة، أي إذا إستمرت لعبة القط والفأر وتضخيم قوة ايران وتخوف الجميع من ردها المزعوم فذلك يعني ان فصول مسرحية التعاون لازالت مستمرة وان جعجعة التهديدات الإيرانية ليست إلا امتداد لمشهد الضربة الاولى في 3 أبريل بعد قصف القنصلية الإيرانية في دمشق التي كانت مجرد تهويل لرد ماء الوجه .. أما إذا تمكنت اسرائيل من جر امريكا وحلفائها في الدخول بمواجهة شاملة مع ايران بالرغم من انه امر مستبعد فأن ذلك يعني انتصار الإرادة الاسرائيلية في تحقيق ما تصبو إلية بمعنى ان امريكا والغرب رضخوا للأجندة الاسرائيلية لهذا ايران في حالة قلق وترقب وان تأخير ردها لا يدخل في مفهوم الحرب النفسية أو التحضير لهجوم مؤثر وإنما تردد ومخاوف من ردود افعال مدمرة بعدما كانت تصعّد بخطاب العنجهية نجدها اليوم في حالة تراجع بعد اعلانها عن إمكانية تأخر الرد في حال التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، لكي تحوّل الهزيمة إلى نصر على اعتبار ان تهديداتها أثمرت في اجبار اسرائيل على وقف الحرب وقبول التسوية، وفي نفس الوقت أوكلت أمر الرد الى الوكلاء في حال فشل التسوية وفي المقدمة حزب الله الذي سيكون خط الشروع الأول لتنفيذ ما تريده ايران لابعادها عن مسرح العمليات حسب خطاب حسن نصر الله خصوصاً بعد التواجد العسكري الأمريكي الهائل في الخليج العربي لان ايران حذقة في التمييز ما بين الجد واللعب وكيف تنأى بنفسها من الدخول في عرين الأسد، وتعرف كيف تزج بوكلائها الى المحرقة لابعاد النيران عنها .. لهذا ايران اليوم تفتش عن مخرج يرد ماء الوجه من خلال ضربة متفق عليها محبوكة اكثر من سابقتها سواء انطلاقاً من اراضيها أو من قبل وكلائها، أو استثمار دعوات التهدئة لإيجاد سيناريو يحقق صفقة تؤدي إلى احتواء الأزمة عبر المفاوضات الجارية في الدوحة التي بدأت يوم 15 اغسطس لاخراج ايران من ورطتها حسب مقولة يا أزمة اشتدي تنفرجي،
وأخيراً لا ننسى زيارة المبعوث الأمريكي هوكشتاين الى لبنان ومن بعده وزير خارجية فرنسا ثم مصر من اجل نزع فتيل الحرب على الجبهة البنانية الأكثر خطورة، بالرغم من ان تلك الزيارات جعلت حزب الله في مأزق، هل ينفذ ما تأمره ايران ويباشر بالضربة الانتقامية، او يأخذ بكلام المبعوثين واكيد منهم من جاء يحمل غصن الزيتون وآخر يحمل سلسلة من التحذيرات، لهذا الجميع في حالة ترقب على ما يدور في مباحثات الدوحة التي ينحصر مسارها (بهدنة) مقابل الإفراج عن المحتجزين .. بمعنى هذة العاصفة سوف تخمد سواء بمسرحية حرب متقنة الإخراج أو التوصل إلى تسوية يفرضها الجالسون خلف الكواليس في مباحثات الدوحة .. ويبقى الخاسر الأكبر المواطن الغزاوي الذي فقد كل شيء وبات ضحية المتاجرين في القضية الفلسطينية.