22 ديسمبر، 2024 11:47 م

ما الجديد في (وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)؟

ما الجديد في (وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)؟

مرةً أخرى تجدُ الأجهزةُ الاستخباريةُ نفسَها أمام كلمةٍ صوتيةٍ جديدة للمتحدث الرسمي لداعش، (ابي حمزة القرشي) بثتها مؤسسةُ الفرقان. والتحدي هنا ليس في صعوبةِ تفكيكِ النصِ لمعرفةِ النوايا والاتجاهاتِ او تحديد الرموز او الكلماتِ أو العبارات المشفرة، او البحثِ عن المعنى خارج النص. فخطاباتُ داعش في هذا المستوى تأتي دائما صريحةً ومباشرةً ولا تحتاج لجهد ٍ استخباريٍ كبير لمعرفةِ نوعِ التوجيهات ونوعِ الجمهورِ المستهدف. لكن التوقفَ والتحليلَ يبقى مهما لمعرفة ِجديدِ داعش هذه المرة. وقبلَ الخوضِ في ذلك علينا ان نتذكر َبأن تنظيمَ داعش يعول كثيرا على هذا النوع من التواصلِ مع عناصرِه من المقاتلين والمؤيدين، فالناطقُ الرسمي لداعش لا يتحدثُ الا في الأوقاتِ المهمة ِلإيصالِ تبليغاتٍ جديدة او التأكيد ِعلى بعضِ الثوابت في (زمن ُالتيه والخذلانِ والضياع)، ومنصبِ المتحدث الرسمي يجعله مالكاً للحقِ وما يقوله هو الحق ُوواجبُ الالزام. ولأجلِ ذلك جاء َاعتمادُ (القرشي) الآيات القرآنية كحجة، اولا للدفاع ِعن نهجِ التنظيم حتى وان كانت النتائج ُالمتحققة كارثيةً على أرضِ الواقع، وثانيا لتقويةِ نصِهِ المتكون من ثلاثةِ آلافٍ وثماني مئة واربعٍ وتسعين كلمة، كلما شعَرَ بالحاجةِ للخروج من مأزقٍ فكري او عملياتي. وهكذا نجدُهُ يختارُ بعنايةٍ شديدة ما يشاء من الآياتِ القرآنية. وربما جاءَ اختيارُ العنوان دليلاً واضحا على ذلك. فاصل الآية (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، لكنه اقتطعَ ما يلائِمُ نصه، فلم يذكرُ (ولا تهنوا) التي تعني لا تضعفوا بسببِ ما جرى. والاقتطاع هنا جاء لتحقيقِ هدفين في وقتٍ واحد الاولُ ادعاءُ القوةِ والثاني تحقيقُ البروبوغندا الخاصةِ بداعش.
الجديدُ الذي جاء به القرشي في كلمته، بيعة ِداعش في غربِ ووسط افريقية وقبول (أبي إبراهيم الهاشميّ) هذه البيعة والثناء على ما يقوم به التنظيمُ هناك من عملياتٍ وغزوات، والسؤالُ المحوري هنا، هل يشكلُ بروزَ داعش هناك خطراً جديدا؟ أم ما يقوله (القرشي) مجردَ بروبوغندا؟ الإجابةُ الدقيقةُ تحتاجُ الى تقديرٍ استخباريٍ من الأجهزةِ الاستخبارية. اما الإجابةُ المنطقيةُ فالخطرُ واضحٌ هنا لسببٍ أساسي ان داعشَ كأفكارٍ ونهج في إدارةِ الصراع، ستجدُ في افريقية ارضا خَصْبَةً بسببِ الجهلِ والفَقرِ وصعوباتِ الحياة. وكلما تأخرت المعالجاتُ وعملياتُ التفكيك لشبكاتِ داعشَ في وسط وغرب افريقية كلما نمى التنظيمُ أكثرَ وزادت معَهُ الخطورة. والدروسُ التاريخية هنا مفيدةٌ ولعلَ درسَ العراق أهمُها على الاطلاق، عندما نجحت القواتُ العراقية بكلِ صنوفِها مع القواتِ الدولية من إزالةِ دولةِ (الخلافة) في مشهدٍ تاريخي لن ينساهُ العالمُ عندما زحفت جموعٌ الناس باتجاهِ القواتِ العراقية تاركةً داعش لوحدها تتلقى مصيرها المحتوم، وهذا ما يؤكده القرشي ايضا (وليكن لكم ما حصلَ لإخوانكم في العراقِ والشّام درسا لم ولن يتكرّر، بعد أن تخاذلَ الكثيرُ منهم وتثاقلوا عن نصرةِ دينِهم ودولتهم).
الجديدُ الاخرُ في الكلمة (ونعلمكم أنّ الشّيخَ أمير المؤمنين قد رصدَ مكافئاتٍ ماليّةً لكلِّ منْ يمكّنه الله تعالى من قطفِ رؤوسِ طغاةِ القضاء، والجزارين من المحققين). وهذا تحولٌ كبيرٌ في نهجِ العمليات. ولعلَها المرةَ الأولى التي يخصصُ فيها التنظيمُ مكافئاتٍ ماليةً لأعمال ِالقتل. التي كانت خالصةً وقربةً لوجهِ الله تعالى.
الكلمة تضمنت رسائلَ مباشرةً الى الدواعش في العراق وسوريا وسيناء وخراسان، والى اجنادِ الخلافةِ في كلِ مكانٍ بالدعوةِ الى مواصلةِ المسير وممارسةِ القتلِ فالقرشي يريد ان يرى القتلُ والبؤس والدمار في الطرقات. وجعل الناس يتمنون الموتَ ولا يجدونَهُ.
ما يثيرُ الانتباهُ والاستغرابُ معا قدرةَ التلاعب بالأفكار فرغم ان (القرشي) يرى بأم عينِهِ الانهيارَ والخسران وما أصابَ دولةَ (الخلافة) من دمارٍ وتفتت فانه يصرُ على مخاطبةِ الدواعش (لا تهنوا ولا تحزنوا لاجتماعِ مِلَلِ الكُفرِ عليكم، فأنتم الأعلون –بإذن الله تعالى- أن ثبتّم على إيمانِكم وواصلتم مسيرَ جهادكم، فما كان العلوُّ يوما مقرونا بالتّمكين، قال اللهُ تبارك وتعالى: {ولا تَهِنوا ولا تحْزنوا وأنْتم الْأعْلَوْن إنْ كنْتمْ مؤْمنين}). وهذا النوعُ من الخطابِ سيجدُ بالتأكيد من يقتنعُ به، فما من شكٍ حسب َالتفكير الديني بان الامرَ كلُهُ بيد الله، وان النصرَ من عنده حتى وان كان الواقعُ يؤكدُ ألفَ مرةٍ عكسَ ذلك.