لقد أثارت عملية اغتيال الصديق هشام الهاشمي، بدم بارد ودون وازع ضمير وأخلاق وأمام منزله ببغداد، على يد عصابة مسلحة مارقة خارجة عن القانون، مساء الإثنين 6 يوليو (تموز) الجاري، عاصفة من الحزن العميق والألم وقوبلت بالتنديد والاستهجان والغضب الشديد، ليس من لدن عائلة الفقيد واصدقاءه الكثر فحسب، بل ان خبر استشهاده نزل كالصاعقة في عموم العراق من أقصاه الى أقصاه وحتى في العديد من دول العالم، وتناولته الصحف ووسائل الاعلام العراقية والعربية والدولية.
ان اغتيال هشام الهاشمي مؤشر مخيف لتزايد العنف في المجتمع وعودة الاغتيالات، وهو ليس الأول من نوعه، فقبله تم اغتيال الصحفي هادي المهدي واحمد عبد الصمد وامجد الدهامات وثائر الطيب وفاهم الطائي وعلي الخفاجي والروائي علاء مشذوب والناشط صفاء السراي وقبل هؤلاء وبعدهم اغتيلت سعاد العلي ورشا الحسن ورفيف الياسري وتارة فارس. كما قُتل اكثر من 600 متظاهربرصاص القناصين الملثمين.
لا اعتقد ان يكون اغتيال هشام الهاشمي هو الأخير في عراق الدولة العميقة ودولة اللادولة، حيث تعبث الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون والمدعومة من ايران، بمقدرات البلاد وقد اصبح القتل ديدنها ضد كل من يحاول ان ينتقد ولاءها وسلوكها ويطالب بحصر السلاح المنفلت بيد الدولة ودمج فصائل الحشد الشعبي في ألاجهزة الأمنية والعسكرية، بعد ان فشلت التحقيقات الحكومية السابقة، في حالات مشابهة، ولم تسفرعن نتيجة في التوصل الى الجناة، وغالبا ما تم تنسيب الاستهدافات الى “جماعات مسلحة مجهولة”.
كان هشام الهاشمي (47عاما) شخصية وطنية شجاعة، وباحث بارز وخبير مرموق في شؤون الجماعات المسلحة والفضاء الأمني، يقدم استشاراته للقوات الأمنية ومراكز الأبحاث المحلية والدولية المرموقة مثل المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) و” مركز السياسات الدولية” وغيرها، ولا يبخل عليها بمعلوماته المتعلقة بسلوكيات واستراتيجيات الحركات الأرهابية، سواء تنظيم داعش أو القاعدة، وكان مختصا في شؤون الجماعات المتطرفة، ومن الناشطين في انتفاضة تشرين الأول (اكتوبر) 2019 التي عمت العاصمة بغداد والعديد من مدن العراق.
ورغم انه شارك في الانتفاضة الشبابية، إلا انه، يوم استشهاده وبجرأته المشهودة، انتقد فئة من الشبيبة قائلا: ان “اكثر الشباب الذين يطبلون للسياسيين الفاسدين هم باحثون عن فتات وبقايا طعام من موائدهم وأموالهم التي سرقها الفاسدون، لا يعرفون شيئا لحظة التطبيل لسلطة الفاسد، فلا ناقة لهم فيها ولا جمل”. وبسسب حرصه على مستقبل البلاد والتصاقه بالشعب ووقوفه بوجه الفساد والمفسدين وفضحه للجهات التي لا تريد خير العراق وهي ترتمي في احضان دول اخرى، فقد تعرض الى تهديدات عديدة من التنظيمات المتشددة وطالته اتهامات بالعمالة للأمريكان وسفارات الدول الأجنبية.
ان عملية اغتيال الهاشمي، التي وقعت بعد دقائق من تغريدته عبر حسابه الرسمي على “تويتر” والتي تحدث فيها عن الانقسام اوالمحاصصة التي جاء بها الاحتلال وكيف استبدلت الأحزاب الدينية التنافس الحزبي بالطائفي لضمان مكاسبها من خلال الانقسام، تشكل رسالة تهديد مباشرة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وللحكومة والأجهزة الأمنية ولجهودها الرامية لحل المليشيات المنفلتة والخارجة عن القانون وحصر السلاح بيد الدولة وقواتها المسلحة، وتضع عملية الاغتيال مصداقية الحكومة على المحك.
كما انها تؤشر بوضوح الى زيادة التوتر القائم بين اجهزة الحكومة الأمنية والفصائل المسلحة التابعة الى ايران والممولة من بعض مؤسساتها، وتشكل تهديدا للكلمة الحرة والصادقة والشجاعة، وتعطي انذارا لكل وطني شريف يطالب ويسعى لإسترجاع هيبة الدولة واحترام الهوية الوطنية ومعاقبة الفاسدين والعمل على فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتؤكد على عجز الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في تأمين وضمان أمن وسلامة المواطنين.
ترى هل ان حكومة مصطفى الكاظمي قادرة على تحقيق العدالة والقصاص من القتلة والمجرمين، أم ان جريمة اغتيال هشام الهاشمي سوف تسجل ضد مجهول، وتُبقي الباب مفتوحا على مصراعيه والمجال واسعا امام اغتيالات قادمة، وفي المحصلة يفلت الجناة من العقاب العادل؟.
آه يا عرق، ما اوجعنا وانت تدفن أبنك البار هشام الهاشمي. وصدق ألمتنبي حينما قال: وإذا لمْ يكنْ من الموتِ بدٌ، فمن العجز ان تكونَ جبانا.