بعد أن كان في العراق ثلاث كليات طب معتمدة في بداية السبعينيات من القرن العشرين , إقترب عددها اليوم من الثلاثين أو أكثر, ويتخرج منها عشرات المئات من الأطباء , ومن الدراسات التخصصية العليا بضعة مئات سنويا.
فأعداد الأطباء ربما تفيض عن حاجة البلاد , لعدم توفر مؤسسات الرعاية الصحية المعاصرة والمتطورة لتقديم الخدمات اللائقة بالإنسان.
فالخدمات الصحية تتناسب طرديا مع قيمة الإنسان وأهميته في وطنه , وما دامت قيمة الإنسان مصادرة أو مغيبة , فأن نوعيتها ستكون متردية.
في بلادٍ فيها هذه الأعداد من الأطباء , يلجأ المواطن للذهاب إلى الدول الأخرى للعلاج , فعن أي طب ورعاية صحية نتحدث؟
إن كثرة الأطباء لا تعني تحسن الطب في البلاد , لأن الأطباء بحاجة إلى مؤسسات متواكبة مع العصر , لكي يترجموا ما تعلموه في الكليات ويفيدوا به المواطنين.
فمهما زاد عدد الأطباء والكليات والتخصصات وغابت المستشفيات الحديثة , ومراكز الرعاية الأولية , ونظام التفاعل المعلوماتي بينها , وندرت العلاجات , وتحول الصيادلة إلى تجار أدوية وحسب , فأن المواطن لن ينال ما يشافيه ويداويه من أي داء , بل سيتحول إلى فريسة للذين تاجروا بكل شيئ.
فالمطلوب مستشفيات معاصرة تليق بالإنسان , وبنايات صحية متطورة توفر للكوادر الصحية أسباب ووسائل التفاعل مع المرضى بإيجابية ومسؤولية , وقدرة على الإنجاز الإنساني السليم.
أما أن تكون المستشفيات بنايات خاوية على عروشها , لا تتوفر فيها أبسط مقومات ومتطلبات المستشفى , فأن الطب في خطر والأطباء في مأزق الحيرة والإضطراب , وعدم القدرة على تقديم ما يمكنهم أن يقدمونه للمواطنين في بيئة أخرى.
ولابد من القول بأن الطبيب العراقي يتميز بقدراته العلمية والمهنية , التي تنافس غيره من أطباء الدنيا , والعلة في النظام الصحي المعوق للطاقات , والمانع لإرادات الخير والعطاء النبيل.
فهل من قدرة على وضع الخدمات الصحية في أولويات مشاريع الحكومات , لكي ينال الإنسان حقوقه المتعارف عليها في الدنيا؟!!
وتحية للأطباء المجاهدين المناصلين لتقديم أفضل ما يستطيعونه لأبناء بلدهم المنكوب بالكراسي!!