حركة النهضة هي الحركة التاريخية التي تمثل التيار الإسلامي في تونس، وقد بدأت كحلقة عام ١٩٦٩ وتأسست كحركة باسم (الجماعة الاسلامية) عام ١٩٧٢، واقتصر نشاطها في البداية على الجانب الفكري والدعوي من خلال إقامة حلقات في المساجد، ولقيت الحركة ترحيبا ضمنيا من حزب بورقيبة الحاكم اذ رأى فيها سندا لمواجهة اليسار المهيمن على المعارضة.بين عامي ١٩٧٧ و١٩٧٩، وبعد أن إنشقت عنها مجموعة من “اليسار” الإسلامي، عقدت الجماعة سرّا مؤتمرها الأول وأقرّت نظامها الداخلي وثبتت هيكلة تنظيمها، ولكن بعد عام، تمكنت قوات الأمن من كشف هذا التنظيم، فأعادت الحركة ثانية ترتيب وضعها وعقدت مؤتمرها الثاني (السري أيضا) في مدينة سوسة عام ١٩٨١ فأقرّ المؤتمر اللجوء إلى العمل العلني والابتعاد عن العنف كما أقرّ تغيير إسمها ليُصبح “حركة الاتجاه الاسلامي”.
وبعد سنوات من الشدّ والجذب بين الحركة والحكومة من مداهمات واعتقالات وسجن وإطلاق سراح وعمل علني وحظر، عقدت الحركة مؤتمرات أخرى، وتعرضت الى عدة حملات ملاحقة وكانت حملة عام ١٩٨٧ أشدّها وطأة عليها، والطريف أن السعودية تدخلت لتخفيف الأحكام القاسية والكبيرة بحق أعضاء الحركة في حين كانت الحكومة قد اتهمت ايران بتمويل الحركة، وفي السنة ذاتها رحبت الحركة بالانقلاب الفوقي حين أطاح زين العابدين بن علي برئيسه الحبيب.
في عام ١٩٨٩ غيّرت الحركة اسمها مرة أخرى، وهذه المرة إلى “حركة النهضة” للتقيد بقانون الأحزاب الذي منع (إقامة أحزاب على أساس ديني) إلا أن طلبها بالترخيص جوبه بالرفض بسبب مخاوف السلطة التي أعلنت عام ١٩٩١ عن احباطها محاولة لقلب نظام الحكم متهمة حركة النهضة بها وبمحاولة لاسقاط طائرة بن علي بصاروخ ستينغر جُلب من أفغانستان.بعد الربيع العربي العارم الذي انطلق من تونس، بدأت حركة النهضة في لمّ شملها وتنظيمها، وحصلت عام ٢٠١١ على رخصة العمل العلني، وفي أول انتخابات بالبلاد حصلت الحركة على المركز الأول في كل الدوائر الانتخابية داخل البلاد وخارجها، إلا في دائرة سيدي بوزيد، وشكّل أمينها العام حمادي الجبالي الحكومة التي استمرت حتى عام ٢٠١٣ عندما دخلت البلاد في أزمة بعد اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، فاستقالت الحكومة، وتشكلت أخرى وتعالت الدعوات لتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة وفعلا تشكلت هذه الحكومة عام ٢٠١٤ بعد أن ضرب الارهاب والفساد لبّ البلاد وأطرافها.
أواسط أيار الماضي، عقدت الحركة مؤتمرها العاشر، وأعلنت فيه فصل نشاطها الديني عن السياسي وتحولها الى حزب مدني، وأعلنت أيضا عن تشكيل جهاز خاص للعمل السياسي، وتركها العمل الدعوي، وبهذا يكون المؤتمر قد حدد وجهة جديدة للإسلام السياسي في تونس وخارجها.ومن الجدير أن أشير الى أن عام ١٩٧٩ شهد اندلاع الثورة الإيرانية التي تعدّ الثالثة من بين أكبر أربع ثورات في التاريخ الحديث بعد كومونة باريس وثورة أكتوبر البلشفية وثورة ٢٠١٣ المصرية، وقد أصابت هذه الثورة الفتية نظام البعث عندنا وأجهزته الأمنية والحزبية بالدوار والهلع وفقدان زمام الأمور حتى ان حملة اعتقالات شرسة طالت بعض طلبة الإعدادية المركزية في بعقوبة بسبب كتابات استشرافية على الجدران والسبورات والرحلات تقول: اليوم في طهران.. وغدا في بغداد.وما أشبه اليوم بالبارحة فاليوم في تونس.. وغدا في بغداد.