23 ديسمبر، 2024 3:14 م

مع فيض المعطيات الزاخرة المفترضة، والهبات الجزيلة التي طلت علينا بغياب النظام القمعي في نيسان 2003، صار العراقيون يتعاطون مع مفردات حياتهم بأنماط جديدة، لاينكر أن بعضها كان غريبا بغرابة العجائب السبع، من تلك الغرائب التصريحات التي يدلي بها ماسكو المايكروفونات من الساسة والمسؤولين، إذ يطل علينا بين الفينة والأخرى بطل من الذين تسنموا زمام أمور الرعية عن طريق صناديق الاقتراع، من على شاشة إحدى الفضائيات في لقاء او برنامج يهدف الى وضع المواطن في موقع الرقيب، على من خولهم في أمره وأمر بلده بما يحتويه من خيرات. وقطعا تكون الأسئلة المزمع طرحها عليه مهيأة قبل أوانٍ يكفيه لتحضير الإجابات كما يشتهي ان تكون. لكن الذي يحدث عادة ان يتشعب الحديث ويخرج من مبتغاه وهدفه المرسوم، ليتحول الى تهجمات بحق زملائه في المهنة، ورفاقه في الدرب، إذ يبدأ بكيل الاتهامات عليهم، ويأتي بالقديم والجديد من ماضي صحبه وحاضرهم، وكأنه موكل بفضحهم ونشر غسيلهم على مرأى السامع والمشاهد والقارئ على حد سواء. وقطعا سيلقي هذا بظلاله على ما يخص المواطن من الحديث او اللقاء، فيصبح هدف اللقاء هو تسليط الضوء على ذاك النائب او المسؤول، ليعلق عليه سيئاته وإخفاقاته في واجباته.
في بلد الحضارات والنفط ومراقد الاولياء، لاينكر ان مفردات الحيادية والإنصاف كانت مغيبة عقودا خلت، في وقت كانت تحل محلها أضدادها، الى ان اشرقت شمس الحرية التي كنا نظن انها غير قابلة للكسوف، وبها انطلقت الحريات بأشكالها، أولها التعبير عن الراي، وحرية النقد وغيرها من نعم الديمقراطية، الأمر الذي أطلق العنان للسان الشعراء والكتاب والنقاد في البوح بما يختلج بخواطرهم من آمال وما يعتمل في نفوسهم من آلام. وكان بذلك متنفسا لهم. فمنهم من أعاد توثيق احداث كان فوه مكمما عن البوح عنها، فأطلقت الحرية فاه فاستذكرها بتفاصيلها وحيثياتها، وأرخها كشاهد للتاريخ، ومنهم من اتخذ لنفسه موضع الرقيب وموقع الناقد، فأصبح رقيبا على أفعال معيته.
لكن الأمر المنكر أن تتخذ الحرية اتجاها تتبلور فيه الأحقاد الشخصية والغايات النفعية الخاصة او الفئوية، وتحتل التسقيطات المهنية والشخصية الدور الاول في اهتمامات هذا المسؤول او ذاك، وبذا تبعد الهوة والفجوة بينه وبين أداء واجبه المكلف به إزاء المواطن. كما تفقد اللقاءات والاستجوابات والمساءلات فحواها، فتتشظى الغاية المرجوة منها والتي قد تكون تصويب خطأ، او تقويم خطل، او تعديل نهج كان قد انحرف عن جادته بتأثيرات عديدة، وإعادته الى الاتجاه الصحيح بما يصب في مصلحة المواطن.
هو اقتراح يشاركني فيه عراقيون كثيرون، نطرحه أمام المسؤولين عنا في مفاصل البلد، مفاده وفائدته تصب في مصلحة الجميع، خلاصته: لاتجعلوا اللقاءات المتلفزة معكم منصة لإطلاق صواريخكم الهجومية ضد بعضكم، ولاتطلقوا تقيحاتكم وتقيؤاتكم وسهامكم من المحطات الاذاعية، لتصيبوا بها زملاءكم في المهنة, فهي اولا وآخرا لاتقع إلا على أم رأس المواطن، أما أنتم فكما قال المثل؛ “… مايغرگ”..!