18 ديسمبر، 2024 6:03 م

ماهي اسباب الانتفاضات والمظاهرات في كل العالم وأين تقوقعت الحكومات ؟

ماهي اسباب الانتفاضات والمظاهرات في كل العالم وأين تقوقعت الحكومات ؟

تسونامي الاحتجاجات يضرب العالم (العراق – لبنان – شيلي – هايتي – هونج كونج – لندن – أزربيجان – باكستان – برشلونة – روسيا – فرنسا – روما – نيويورك – أثيوبيا – بوليفيا – الجزائر – الإكوادور ، والقائمة مفتوحة

من هونج كونج إلى العراق، ومن موسكو إلى تشيلي.. يخرج يومياً المتظاهرون إلى الشوارع غضبا من سياسات حكومية يصفونها بالفاشلة، وأوضاع اقتصادية تقترب من مستويات الصفر، وتهم بالفساد ترقي شواهدها إلى اليقين، لكن كيف حدث ذلك؟ ولماذا يحدث في عالم تفرض فيه السياسات الرأسمالية الليبرالية نفسها بقوة الحديد؟ ونظام عالمي يمسك البنك الدولي بمقاليده ويفرض ليس فقط خطط الإصلاح ولكن مخططات المستقبل لأغلب دول العالم.

يمكن أن تحصي الآن أكثر من 20 دولة بها احتجاجات على المنظومة الفاسدة لحكومتها ومطالب برحيل النخب التقليدية سواء الحزبية أو التكنوقراطية المدعومة بالدولة العميق. كما يمكن أن تصل إلى الرقم 120 في إحصاءك للدول التي تشهد احتجاجات تطالب بتغيير سياسات الحكومة حول موضوعات مثل مواجهة تغير المناخ أو رفض قوانين محددة وهى في الغالب ضد حكومات تم انتخابها منذ عام أو عامين في انتخابات نزيهة وديمقراطية!

فهل أصبحت مصداقية السياسات النيوليبرالية مرفوضة شعبياً؟ وهل فعلا أدي النيوليبرالية إلي تآكل الديمقراطية وفاعليتها في العدالة الاجتماعية للدول؟ هل بالفعل هناك علاقة عكسية بينهما؟ بمعنى أن الدولة كلما طبقت السياسات النيوليبرلية زاد خضوعها للنظام العالمي الاقتصادي ومؤسساته وشركاته، قُوضت الديمقراطية وأضحت شكلية أن الحكومات حتى الديمقراطية منها غير قادرة على إسعاد مواطنيها؟

الواقع أن نمط العولمة الذي فرضته النيوليبرالية جعل الأفراد والمجتمعات بأسرها غير قادرة على السيطرة على جزء مهم من مصيرهم. فلدي رأس المال العالمي الإمكانية والقدرة علي تحدد المسار السياسي للدول النامية. فمثلا: إذا خسر مرشح رئاسي أساسي في إحدى دول الأسواق الناشئة رضا أو تأييد “وال ستريت”، فإن البنوك المقرضة تسحب أموالها من البلاد. ومن ثم يواجه المواطنون اختيارا قاسيا: إما الاستسلام لوال ستريت أو مواجهة أزمة مالية حادة. فالأمر أصبح أن وال ستريت تتمتع بسلطة سياسية أكبر من تلك التي يتمتع بها مواطنو تلك البلد.

وفي الدول الغنية، يتحكم المؤشر الاقتصادي، من تهديدات بتخفيض الحماية الاجتماعية، أو الأجور اللائقة، أو الضرائب التصاعدية، أو أن البلد سيفقد قدرته التنافسية، في من يصل إلى كرسي السلطة من خلال الترهيب الاقتصادي للمواطنين.

وعتدت النخب بأن السياسات ستؤدي إلى نمو اقتصادي، وسيصبح الجميع سعداء، سنرفع المعاناة عن الفقراء. لكن مع مطالب بالصبر، والقبول بأجور أقل وعمل أكثر، وتنفيذ تطبيق برامج حكومية تتخلى فيه الدولة عن بعض التزاماتها.

معظم الاحتجاجات التي وقعت هذا العام لها جذور عميقة، وهي نتيجة لسنوات من الإحباط المتصاعد بسبب المشكلات الاقتصادية أو سوء الإدارة أو الفساد أو القمع الحكومي.

الانتفاضات الاجتماعية التي تجتاح عددًا كبيرًا من البلدان حول العالم. فاستقال رئيس الوزراء اللبناني. في العراق، قتل حوالي 250 شخص. وفي أمريكا اللاتينية، أعلنت تشيلي أنها لن تستضيف مؤتمرين عالميين بسبب المظاهرات المستمرة هناك. ويطالب المتظاهرون في بلدان أخرى بالتغيير كما في الإكوادور وبوليفيا.

وعلى الرغم من تنوع أشكال الحكومات في تلك الدول، إلا أن هناك خيطًا عالميًا من الغضب ضد النخبة الحاكمة تربط بين حركات الاحتجاج.

ونستعرض في الجزء التالي عدد من الدول للوقوف على خصائص الاحتجاجات:

لبنان: كلهم يعنى كلهم

تتزايد الاحتجاجات الحاشدة المناهضة للنظام في لبنان، نزل اللبنانيون على اختلاف طوائفهم إلى الشوارع. ما اضطر رئيس الوزراء سعد الحريري إلي تقديم استقالة الحكومة، بعد أن قدم ورقة للإصلاح رفضها الشارع، واستمرت التظاهرات وضمت مزيد من الشرائح الاجتماعية من الطلاب إلى المتقاعدين، ورُافعة شعار “كلهم يعنى كلهم” أي جميع من في السلطة الموزعة طائفياً بين الكتل السياسية.

كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وبعد سنوات من الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية أوصل لبنان إلى حافة الانهيار المالي، توصلت الحكومة إلى طريقة جديدة لإصلاح الضرر: فرض ضريبة على خدمة الرسائل “WhatsApp”، وكان رد الفعل على الضريبة سريعًا وغاضبًا.

سرعان ما ألغت الحكومة الضريبة، ولكن بعد فوات الأوان. فقد تحولت الاحتجاجات إلى موجة من الغضب ضد الفساد والأزمة الاقتصادية والطائفية السياسية.

وخلال الأعوام الماضية، تراجع مستويات المعيشة بشكل كبير. ووصل النمو الاقتصادي إلي مستوي الصفر. وتراجعت القوة الشرائية للناس. وانخفضت مستويات المعيشة، وزادت اتهامات الفساد للنخب السياسية.

رسخت التسوية السياسية في لبنان بعد الحرب الأهلية في الثمانينيات، الفساد وسوء الإدارة.  حيث انتقلت كل القيادة السياسية والعسكرية من الشوارع إلى الحكومة. بدلاً من بناء الدولة، نظر الكثير منهم إلى مؤسسة الدولة كما مكافأة الحرب.

الآن، يطالب المتظاهرون بمغادرة رؤوس السلطة الثلاث: الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري. ويريدون أيضًا الإطاحة بنخبة سياسية كاملة يلومونها على الفساد والمحسوبية التي ضربت مستويات المعيشة وجرت الاقتصاد نحو الانهيار.

تعاني لبنان من مشاكل تتراوح مستويات عالية من تلوث الهواء إلى أزمة قمامة تلوث البحر الأبيض المتوسط إلى مخاوف من انهيار اقتصادي.

وقد نجح الاستعمار الفرنسي في تجذير الطائفية، حيث يوزع المقاعد البرلمانية على أسس طائفية. رئيس البرلمان لسلم شيعي. الرئيس الدولة مسيحي ماروني. رئيس الوزراء مسلم سني. وهو ما يعلي المصالح المختلفة لتلك الجماعات، ويتجعل من المستحيل التوصل إلى توافق في الآراء بسرعة.

حاليا، يتمتع حزب الله الشيعي المدعوم من إيران بنسبة مرجحة في البرلمان، مكنته من أن يشكل عقبة أمام سعد الحريري الأكثر تأييدًا للغرب. من المتوقع أن يظل حزب الله والمتحالف حاليا مع الرئيس عون مشكلة بالنسبة للجهود المستقبلية لتشكيل حكومة جديدة.

البرلمان اللبناني الذي استلزم 12 سنة لإقرار الميزانية. ولم يوافق عليها إلا تحت وطأة أزمة ديون البلاد من الخروج، كادت تعلن إفلاس البلاد. وكان تمرير الميزانية مطلبًا من جانب المقرضين الغربيين للحصول على قروض جديدة. لكن من الأكيد أن موافق البرلمان جاءت متأخراً للغاية، استمرت أزمة الديون في التدهور طوال العام.

العراق: دماء على جسر الجمهورية

هزت الاحتجاجات العراق الشهر الماضي، موجة غضب جديدة من القضايا التي تبدو مشابهة لتلك الموجودة في لبنان: الفساد، والبنية التحتية السيئة والبطالة، والطائفية، وأمور أخرى.

على الرغم من أن العراق غني بالنفط نسبياً، فإن حوالي 50 في المائة من إيراداته تذهب إلى دفع رواتب موظفين الحكوميين “لا يقومون بأي عمل”. ويشتبه في أن العديد من المسؤولين يستخدمون خزائن الدولة لإثراء أنفسهم وأعوانهم السياسيين. هذا المستوى الملحوظ من الكسب غير المشروع وضع العراق بين أكثر الدول فسادًا في العالم في عام 2018، وفقًا لمنظمة الشفافية الدولية، صنفت العراق بالقرب من أسفل القائمة العالمية – 168 من أصل 180.

وخلال الأسبوعين الماضيين، قُتل أكثر من 250 شخصاً، وما تزال الاشتباكات بين المحتجين والميليشيات التي تدعمها إيران مستمرة.

يحاول المتظاهرون في العراق الوصول بمسيراتهم إلى المنطقة الخضراء “مقر الحكومة والوزارات والسفارات، ومنها سفارة إيران، التي باتت تتحكم ليس بالاقتصاد العراقي فقط بل وبالنظام السياسي ايضاً، فخلال العام الجاري تم ضم ميليشيات الحشد الشعبي إلى الدولة، كما تم الكشف عن فضيحة إدراج قوائم كاملة من الأسماء لصرف الرواتب دون قيامهم بأى وظائف، ووجود فرق عسكرية داخل الجيش تصرف لها مخصصات دون أن تكون موجودة في الواقع، في الوقت الذي تعجز فيه حكومة عبد المهدي عن توفير الخدمات الأساسية “الماء والكهرباء” داخل العاصمة بغداد.

الجزائر: من رفض الرئيس لرفض النظام

يخرج الجزائريون إلى الشوارع منذ فبراير الماضي. وبدأت بالاحتجاج لرفض إعادة انتخاب عبد العزيز بوتفليقة “المقعد منذ 2013″، والذين استقال في نهاية المطاف في أبريل قبل وفاته، والآن يرفضً الجزائريون الانتخابات المزمع عقدها في 12 ديسمبر. تحول السخط العام إلى مطالب بتغيير جذري في النخبة الحاكمة من ضباط الجيش ورجال الأعمال ومسؤولي الحزب الذين سيطروا على المجال السياسي.

واقتصاديا، في البلد العضو الهام في منظمة أوبك، لا تجد فارق كبير بين مطالب المحتجين في العراق أو لبنان مع مطالب الجزائريين، يريدون تطهر النظام السياسي من الموصوفون بالفساد، ودعم قضايا من شانها السيطرة على النزيف الاقتصادي المهدر لثروات البلاد.

هونج كونج: من رفض تسليم المجرمين إلي رفض التسليم للصين

في هونغ كونج، الإقليم الأغنى اقتصادياً، استمرت التظاهرات اليومية بمشاركة مئات الآلاف، حيث يطالب الشباب بمزيد من الحكم الذاتي عن بكين.

تظاهرات هونج كونج مستمرة ضد قبضة الصين المتزايدة على المدينة – وهي كسابقاتها من الدول – بدون قائد واضح. وتتخفي المجموعات المنظمة، وتتواصل عبر تطبيقات إلكترونية مثل LIHKG، وTelegram، حيث يقوم المستخدمون ببث الرسائل والصور ومقاطع الفيديو.

وقد أرهق عدم وجود قيادة معروفة الحكومة. لا يملك أي شخص نفوذًا كافيًا لإلغاء المظاهرات، أو عقد صفقة، أو حتى إخبار زملائه المحتجين بما يجب عليهم فعله بعد ذلك.

مرة خمسة أشهر علي انطلاق التظاهرات، بدأت برفض قانون يتيح للحكومة المحلية تسليم المتهمين إلى الصين، ورغم تراجع الحكومة عن هذا القانون، إلا أن حركة الاحتجاج في هونغ كونج لم تلاشي. تسيطر على الشباب مخاوف من إمكانية تقليص حرياتهم نتيجة السياسات التي تتبعها الحكومة المحلية الخاضعة للرقابة من قبل الصينيين.

حيث تسود يشكوك قوية في أن الصين لن تلتزم بمبدئها الذي ساعدها على طرد المستعمر البريطاني السابق وتوحيد البر الرئيسي للصين: “دولة واحدة ونظامان” – اتفاق شمل دائمًا نظام العدالة”.

وطوال العقدين السابقين، منذ أن سلمت بريطانيا هونغ كونج في عام 1997، اكتسب التحول الاقتصادي الصيني زخمًا سريعًا، وخاصة في هونغ كونغ الإقليم المتمتع بالحكم شبه ذاتي، سعت الصين لفرصة لكبح جماح هونغ كونج.

وجاء البداية في فبراير 2018، وفي إقليم تايوان الصيني، قُتلت امرأة صينية حامل بوحشية وتم حشر جسدها في حقيبة من قبل صديقها أحد سكان هونغ كونغ – اعترف لاحقًا بالجريمة. لكنه فر إلي هونج كونج، لا يمكن ملاحقته وإعادته لمواجهة التهم لأن هونج كونج ليس لديها معاهدة لتسليم المجرمين مع تايوان.

أتاحت هذه القضية فرصة للرئيسة التنفيذية لهونج كونج “كاري لام”، مدعومة من الصين- فاقترحت تعديلات على قانون تسليم المجرمين في الإقليم من شأنه أن يسهل نقل المشتبه فيهم – بما في ذلك إلى الصين القارية.

أُعتبر مشروع قانون تسليم المجرمين خدعة للسماح لبكين بمزيد من السيطرة على هونغ كونغ وشعبها. وخشي نشطاء حقوق الإنسان وأصحاب الأعمال التجارية وغيرهم من أنهم لن يعودوا قادرين على الاعتماد على سيادة القانون في هونغ كونغ إذا تم إقرار التعديلات.

على الرغم من أن قانون تسليم المجرمين قد تم سحبه، إلا أن النقاد يخشون أن هذه مسألة وقت فقط حتى يتم فرض المزيد من القيود على هونغ كونغ، خاصة وأن الهيئة التشريعية في هونغ كونغ مليئة بالولاء الموالين لبكين.

إسبانيا: شبح الانفصال

في برشلونة، تستمر المظاهرات في أعقاب سجن تسعة من زعماء حركة انفصال كاتالونيا على خلفية تظاهرات 2017م. ووجهت لهم تُهم بالتحريض على الفتنة واختلاس الأموال.

تكشف أزمة إقليم برشلونة، عن رغبة راسخة بين سكان كتالونيا في أن يصبحوا أمة مستقلة، وفي أكتوبر 2017، أجرى القادة الكاتالونيون استفتاء على الاستقلال عن إسبانيا. لم يشارك سوى 43 في المائة من الناخبين المسجلين، لكن الغالبية الساحقة – 92 في المائة – ونظرت الحكومة في مدريد إلى استفتاء كاتالونيا باعتباره غير دستوري وغير ديمقراطي واستفزاز.

تستمد الحركة قوتها من شعور عميق لدى بعض الكاتالونيين أن المنطقة تختلف اختلافًا جوهريًا عن إسبانيا بعدة طرق. لها لغتها الخاصة، وثقافتها وسياستها المتميزة – وهي اختلافات لم تنج فحسب، بل شجعت أيضًا في القمع الإسباني السابق – في ظل الديكتاتور العسكري فرانشيسكو فرانكو، من عام 1939 حتى عام 1975، وذلك – وهو الأهم باعتبارها واحدة من المراكز الاقتصادية في إسبانيا، مما دعم الاعتقاد لدى السكان أن المنطقة ستكون أفضل من تلقاء نفسها ودون الاضطرار إلى دفع ضرائب تفيد الحكومة في مدريد، معظم المناطق الإسبانية الأخرى.

باكستان: بين كشمير ورئيس الكريكيت

وفي باكستان، نظم مئات الآلاف مسيرة حاشدة في شوارع إسلام أباد للتعبير عن تضامنهم مع شعب كشمير، ومطالبين بتنحي رئيس الوزراء المدعوم من قبل المؤسسة العسكرية، بحسب وصفهم.

فهناك 8 ملايين شخص ضحايا لحظر التجول في كشمير المحتلة من قبل الهند. بعد أن ألغت الهند الحكم الذاتي لكشمير، واعتقلت الآلاف من الكشميريين، وقطعت جميع الاتصالات والإنترنت. زاد هذا التحرك من حدة التوتر بين القوتين المسلحتين نوويا.

كما يواجه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان ردود فعل عنيفة بسبب تدهور انتهاكات الاقتصاد والحقوق المدنية، بما في ذلك المخاوف الأخيرة بشأن القيود المفروضة على حرية الصحافة.

يعاني الاقتصاد من ركود الصادرات والديون المرتفعة. وأُجبر خان على التفاوض بشأن خطة إنقاذ جديدة لصندوق النقد الدولي.

يتهم خصوم خان رئيس الكريكيت – كما يصفونه كونة كان لاعب سابق في منتخب البلاد قبل أن يتقلد منصب رئيس الوزراء العام الماضي – بالتسبب في الأزمة الاقتصادية وعد التعامل مع تداعياتها. فارتفعت أسعار الكهرباء والغذاء، البطالة في ارتفاع – على الرغم من أن توفير المزيد من فرص العمل كان أحد الوعود الأساسية لحملة خان قبل فوزه العام الماضي.

كما واجهت حكومة خان انتقادات بسبب تعاملها مع الهند في قمع إقليم كشمير المتنازع عليه. وتدعي المعارضة أن خان قد فشل إلى حد كبير في حشد الانتقادات الدولية لدعم القضية.

فرنسا: السترات الصفراء

فقدت حركة “السترات الصفراء” في فرنسا الكثير من زخمها، منذ أن بدأت كمعارضة لفرض زيادة ضريبية على الوقود، وتحولت إلى شكاوى أوسع نطاقًا ضد الحكومة. ولا يزال عدة آلاف من المحتجين يتجمعون في بعض أيام السبت، على الرغم من أن ما تبقى من الحركة قد شابه العنف والتطرف.

ومع ذلك، يظل القلق من وراء أسباب المظاهرات الأولية: من عدم المساواة، وانخفاض الخدمات العامة، وإصلاحات المعاشات التقاعدية التي لا تحظى بشعبية، على استعداد لإعادة المتظاهرين إلى الإضراب والمسيرات في شهر ديسمبر.

روسيا: صيف الاحتجاجات والإجراءات الاستباقية:

اندلعت أكبر مظاهرات مناهضة للكرملين منذ سبع سنوات في موسكو، متحدية حملة القمع التي قامت بها شرطة مكافحة الشغب واحتجاز قادة المعارضة الروس المخضرمين بشكل استباقي.

تشهد التظاهرات جيل جديد من النشطاء يرفضون الانتهاكات، وتدهور مستويات المعيشة والكسب غير المشروع. وكان المحفز هو رفض المسؤولين تسجيل مرشحي المعارضة للانتخابات البرلمانية الروسية في عام 2021.

هذا العام، الذي أطلق عليه “صيف الاحتجاجات”، كشف عن حيوية المجتمع في روسيا ضد الخطط التى تتبعها الحكومة الروسية.

بعض المتظاهرين يعارضون بشدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. آخرون غير راضين عن تدهور الاقتصاد. لكن لا يخطئ أحد أنه على الرغم من تراجع الثقة في بوتين من 33 بالمائة في يناير إلى 31.7 بالمائة في مايو، وفقًا للمركز الروسي لأبحاث الرأي العام، لا يتوقع أحد زوال الحكومة الروسية.

وتشهد موسكو تحولًا في الرأي العام الروسي يمكن أن يثير متاعب لبوتين، رغم عجز المعارضة عن توحيد الروس ومواجهة ادعاءات الحكومة.

تشيلي: ثورة النقل الجماعي

اندلعت الاحتجاجات في شيلي بسبب ارتفاع أسعار وسائل النقل العام بنسبة طفيفة – وسريعا تحولت إلى اضرابات ضخمة ضد قائمة متزايدة من المظالم: ارتفاع تكاليف المعيشة، وعدم المساواة، تدهور النظم الصحية والتعليمية، والفساد.

تجسد الطبيعة غير المتبلورة للاحتجاجات عدم وجود قائد واحد للتفاوض معه أو بيان واضح. غالبًا ما تتم دعوات الاحتجاج في تشيلي مجموعات الطلاب على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم استجابة المواطنون من جميع الأعمار والطبقات الاجتماعية. اضطرت الحكومة إلي إلغاء استضافة قمة التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ التي ستعقد الشهر المقبل، والتي كان تستضيف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ.

في تشيلي، كانت القشة الأخيرة هي ارتفاع أسعار تذاكر المترو بنسبة 4 في المائة، مما أثار غضب المحتجين إزاء ما يقولون إنه أوجه قصور في الخدمات العامة ومستويات خطيرة من عدم المساواة.

ورغم اعتبار شيلي قصة نجاح اقتصادية في أمريكا الجنوبية. لكن حقيقية الأمر جاءت بمزيد من الأعباء علي المواطنون، ويؤكد التشيليون إنهم لم يستفيدوا بما تطلق عليه الحكومة والمجتمع الدولي أنه تقدم للبلاد.

على سبيل المثال، تمت خصخصة الرعاية الصحية والتعليم على نطاق واسع، وعدم كفاية المعاشات التقاعدية لتلبية الاحتياجات. رغم أن تقارير دولية تزعم أننها الأكثر تكافؤاً بين الدول الأعضاء في مجموعة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).

يهاجم المتظاهرون الدستور الديكتاتورية العسكرية في البلاد منذ عام 1980، الذي مكن الحكومات المتلاحقة من التخلي عن تدابير الرعاية الاجتماعية، وبدلاً من ذلك، تبنت موقفًا مؤيدًا لاقتصاديات السواق.

ويعتبون أن الرئيس سيباستيان بينيرا، الذي تولى منصبه منذ العام الماضي، أنه يجسد جذور الأزمة. باعتباره ملياردير اقتصادي تبنى حملة خصخصة أكبر من التي نظمت خلال عامي 2010 و2014. وما زال التشيليون يرفضون تنازلات الرئيس ومستمرون في الاحتجاج.

الإكوادور: صندوق النقد في المواجهة

تجسد احتجاجات الإكوادور صورة مباشرة لأسباب السخط الشعبي على السياسات الاقتصادية التي تخضع لها الدول والحكومات تحت مزاعم الإصلاح الاقتصادي. حيث بدأت الاضطرابات في الإكوادور بعد أن ألغي الرئيس لينين مورينو دعم الوقود كجزء من صفقة مباشر مع صندوق النقد الدولي لجلب مزيد من القروض. تجتذب الاحتجاجات مجموعة واسعة من المؤيدين بما في ذلك مجتمع السكان الأصليين والطلاب ونقابات العمال.

وسط إضراب وطني أصاب البلاد بالشلل ومع اجتياح كيتو، قام مورينو – الذي وصف الحركة ضده بانقلاب – بنقل حكومته مؤقتًا إلى مدينة جواياكيل الساحلية.

لندن: وتعثر الهروب الكبير

وخلال الأسبوع الماضي، وفي العاصمة البريطانية، تجمع ما يصل إلى مليون شخص خارج قصر ويستمنستر لرفض صفقة خروج رئيس الوزراء بوريس جونسون من الاتحاد الأوروبي. والتي تعد واحدة من أكبر المظاهرات في التاريخ البريطاني.

ما دفع رئيس الوزراء إلى الإسراع في حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبركة خشية خروج الأمر من يده، في خطة حزب المحافظين للخروج من الاتحاد الأوروبي في صفقة “الخروج الكبير” من التزامات بريطانيا من الاتحاد وتحت مزاعم تخفيف الأعباء عن الاقتصاد الإنجليزي تحت وطأة دعم اقتصاديات متعثرة لباقي دول أوروبا الأعضاء في الاتحاد، رغم عدم اليقين من إمكانية التعافي السريع لبريطانيا جراء خروجها.

في جميع أنحاء العالم

في أكثر من 150 دولة حول العالم، تجد الاحتجاجات شعبية في أغلبها عفوية وغير منظمة وغير معلومة القيادة.

قضايا مشابها يمكن أن نجدها في روما، حيث انتشرت المظاهرات الكثيفة في الشوارع لعدة أميال.

وفي هايتي، يدعو المتظاهرون إلى الإطاحة بالحكومة هناك. بعد مقتل ما لا يقل عن 30 شخصًا في اضطرابات واسعة النطاق في الأسابيع الأخيرة، حيث طالب المحتجون باستقالة الرئيس جوفينيل مويس.

في أذربيجان، قُبض على عشرات الأشخاص في احتجاجات الأسبوع الماضي ضد الفساد، والافتقار إلى الديمقراطية وانخفاض الرواتب.

في بلجيكا، خرج 30000 من طلاب المدارس الثانوية والجامعات من فصولهم الدراسية. في ألمانيا وسويسرا وأستراليا، انضم آخرون إلى المسيرات، دعما للناشطة السويدية المعنية بتغير المناخ، غريتا ثونبرج، وطالب المحتجون بالمزيد من العمل ضد تغير المناخ، وإدراج الحكومات ذلك وفق أجنداتها. ويؤكدون أنه مع استمرار ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة والصناعة، هناك القليل من الدلائل على أن قادة العالم يشاركون حقيقة شعورهم بالحاجة الملحة لمعالج هذا الضرر.

وقد فرضت المظاهرات ضغوطًا على الحكومات للتعامل بجدية مع مطالب المناخ. على سبيل المثال، أقرت الحكومة الألمانية إجراءات جديدة لخفض الانبعاثات وسط الاحتجاجات الواسعة في الخريف.

هل نتعلم الدرس؟

شجع الإحباط من تقاعس الحكومات عن اتخاذ إجراءات في هذه القضية، من دعم وجهة النظر القائلة بأن الرأسمالية العالمية نجحت في حفظ مكاسبها وتصدير أخطاءها وذنوبها إلى الحكومات المحلية.

يمكن أن تري الآن، بوضوح، في العالم خطاً عاما من احتجاجات شعبية ضد الحكومات المحلية نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية أو السياسات غير الرشيدة أو الفساد المستشري بصورة كبرة وفجة في المستويات العليا من أجهزة الحكم.

استهدفت الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم بشكل مباشر الحكومات القائمة، أطاحت برئيس وزراء لبنان الملياردير، وأجبرت الرئيس الملياردير التشيلي على إلغاء مؤتمرات قمة أبيك والأمم المتحدة بشأن المناخ. وقد لا تستمر زعيمة هونج كونج كاري لام، بعد أن ضرب الركود أرجاء الإقليم، وأعلن رئيس الوزراء العراقي عبد المهدي نيته الاستقالة.

قدرًا كبيرًا من الغضب الذي يمكن رؤيته في شوارع البلدان التي تعج بالمظاهر مثل إسبانيا أو هايتي أو روسيا، تستهدف الحكومات الحالية بشكل مباشر، والنخب السياسية التقليدية بشكل عام.

دول عدة حول العالم تشهد احتجاجات ذات دوافع اقتصادية مباشرة، ورفض لسياسية داخلية وخارجية بصورة غير مباشرة، فنزويلا وبيرو والبرازيل، أثيوبيا ونيجريا، إضرابات المعلمين في الأردن، مظاهرات في مانيلا، غياب العدل وسوء التوزيع هو السمة الأساسية والدافع وراء هذه التحركات، وانصياع الحكومات لسياسات مفروضة عليها من الخارج ظروف كامنة وراء الغضب العام.

الشرارة التي تنطلق الاحتجاجات الجماهيرية غالبًا ما تكون من الأمور التي تثير التذمر العام – زيادة في أسعار المواصلات، وخفض دعم البنزين، وضريبة جديدة علىWhatsApp. حتى عندما يتم إلغاء هذه الإجراءات، تستمر الاحتجاجات على أي حال. ويميل المتظاهرون إلى التعبير عن الغضب من النظام السياسي برمته، بدلاً من تقديم مطالب سياسية واضحة أو حتى التواصل مع حزب سياسي.

الموجة الجديدة من الاحتجاجات – حتى الآن – بلا قيادة أو تنظيم وترفع شعارات عامة وليس لديها أهداف أو خطط محددة، فقط مطالب في أغلبها مشروعة كمحاربة الفساد ومحاسبة المسؤولين. وهو ما يؤكد وجود فجوة ثقة بين المواطنين وقيادتهم السياسية المتضخمة.

جيل جديد من المتظاهرين – جيل صغير السن، غير مبال بالطريقة التقليدية في التفكير. ما يهتمون به هو عملية سياسية تضمن لهم سبل الحياة الأساسية.

الشباب يقودون الاحتجاجات لشعورهم استشراء الفساد. والناس سئموا من هذه الفجوة المتسعة بين الأغنياء والفقراء، وفشل خطط البنك الدولي وصندوق النقد في تحقيق أي أهداف لتنمية البدان، بل زادت ديون الدول، وتراكمت عليها الأعباء المالية، وأوشكت كثير منها على الإفلاس.

ترفض المظاهرات الوصاية الخارجية والتدخلات السافرة للخارج، رأينا في العراق المحتجين يصرخون “إيران خارج.. خارج”، وفى هونج كونك “الصين تسرقنا”، وفي لبنان “نرفض الوصايا”.

هل هناك مخرج؟ هذا يتطلب من النخبة أن توافق على تقاسم الكثير من امتيازاتها واتاحة الفرص أمام الجميع. لكن القادة قرروا عدم تقاسم فوائد التنمية الاقتصادية.

نأمل أن تكون النخبة هذه المرة قد تعلمت الدرس وستجعل الديمقراطية والرأسمالية تعمل للجميع.