23 ديسمبر، 2024 2:12 ص

ماهيّة تراجَعَ ترامب عن الضربة .!؟

ماهيّة تراجَعَ ترامب عن الضربة .!؟

 لا ريب أنّ الرئيس الأمريكي قد فاجأَ الإعلام في كلّ مكان والرأي العام العالمي بعدوله عن توجيه ضربة عسكرية خاصة ومحددة الأهداف في ايران . هنالك تضادات في فهم موقف ترامب في ذلك , وبعض تلك التضادات تعكس مسوغاتٍ واهية لتبرير التراجع عن الضربة < وفي بعضها بدا الرئيس الأمريكي وكأنه يبرر او يشرعن للأيرانيين من أنّ اسقاطهم للطائرة يمكن ان يغدو نتيجة خطأٍ ما ! > . ومن جانبٍ آخر فيترآى ايضاً أنّ الرسالة غير المعلنة المرسلة الى القيادة الأيرانية والمدة غير المحددة لإنتظار الردّ الأيراني عليها ” فهي ليست السبب او السرّ الوحيد الذي جعل ترامب يتراجع عن قراره في اعطاء ايران فرصةً اخيرة للدخول في المفاوضات وتحت تهديد القصف , كما يبدو احتمال وجود اسباب مزدوجة او متعددة الأهداف من وراء ذلك , سواءً على صعيد الداخل الأمريكي < حزبيا والكونغرس والصحافةالأمريكية > , او على الصعيد الخارجي والعلاقات الدولية .. ومن الممكن أنْ يغدو قرار التراجع مرسومٌ مسبقاً وفق حساباتٍ تكتيكية ” ضمن مفهوم الحرب النفسية ” وتوظيفها لإنزال الرعب وإشعار الأيرانيين بأنّ النار غدت قريبة وأنّ الضربة المقبلة لا يمكن التراجع عنها ثانيةً ! , ولعلّ الظنون بلغت بالرئيس الأمريكي انه جرّدَ القيادة الأيرانية من فرصة المناورة ووضعهم أمام خيارٍ وحيدٍ وصعب , وبعض ذلك صحيح وصائب , وهذا ما يُظهر من إرباكٍ نسبي في الإعلام الأيراني وتصريحات وزارة خارجيتهم .. ومن الأهداف المزدوجة لتعليق الضربة العسكرية < من الناحية التعبوية والسوقية > هو احتمالٌ ضعيفٌ آخر وليس بمستبعدٍ ومؤدّاه أنّ الأيرانيين سوف يقومون بنقل وتغيير بعض قواعد الصواريخ ومنظومات الرادارات ومواقع القيادة والسيطرة بعد اعلان التراجع عن توجيه الضربة , وبذلك يكونوا اكثر انكشافاً للتصوير الجوي الأمريكي سواءً عبر اقمار التجسس وطائرات الإستطلاع السريّة , وذلك تمهيداً لتوجيه ضربةً اخرى اكثرَ دقّة واشدّ عنفاً .

وبالرغم ممّا يظهر فيه ترامب من تخبّطٍ فكري وسيكولوجي يرتبط بهوس الفوز ثانيةً في الأنتخابات المقبلة , فلعلّ المقتضيات تقتضي الأخذ بالحسبان البعيد والمفترض لإنتظار الشروع بالمباحثات مع الجانب الأسرائيلي يوم الأحد المقبل خلال زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون في هذا الشأن .

لا نبتغي القول هنا بأنّ العالم بأجمعه لم يسمع كلمةً واحدة من ترامب سواءً قبل او بعد تسنّمه الرئاسة عن عشرات الآلاف من الشهداء العراقيين وامثالهم من الجرحى الذين تسببت بهم القوات الأمريكية في احتلالها للعراق سنة 2003 ولا عن حصارٍ دامٍ وقاتل استمرّ لِثلاثة عشر عاماً في تجويع وترويع شعبٍ بأكمله وتسبب في وفاة مليون طفل عراقي , لكنّ سيد ترامب حريص على التسبب بمقتل 150 شخص ايراني اذا ما نفّذ ضربته العسكرية المفترضة على ثلاثة اهداف ! عسكرية ايرانية فقط , ودونما اكتراثه للكاتيوشات التي انطلقت على شركة اكسون موبيل الأمريكية ولا على القطعات الأمريكية في معسكر التاجي او سواها في الموصل , وهكذا يغدو الكلام الرخيص والذي يجهل حتى صياغته .!

الى ذلك لم نسمع في الأخبار صدور عقوبة عسكرية امريكية ضدّ القائد الميداني الأمريكي الذي تسببّ في فقدان طائرة الأستطلاع الأمريكية الضخمة التي يبلغ ثمنها 130 مليون دولار لسوء توجيهاته لحركة ومسار الطائرة ! وربما يكون الأمر سريّاً بالرغم من أنّ الصحافة الأمريكية ستتعرّض للخبر في وقتٍ لاحق .

وعلى العموم فالفوضى الساخنة التي افرزها اسقاط طائرة الأستطلاع الأمريكية والسكوت الأمريكي عنها ! فأنها قد تساعد على فتح نافذة لتبادل الرسائل السرية بين واشنطن وطهران او عبر وسيطٍ دوليٍ آخر , وفرنسا مرشّحة اكثر من سواها في ذلك وخصوصاً في ظل توجّه كبير المستشاريين الدبلوماسيين للرئيس الفرنسي السيد ” ايمانويل بون ” الى طهران يوم 19الماضي من هذا الشهر , ولعلها من المفارقات العسكرية – السياسية أن يغدو الصاروخ الأيراني الذي اسقط الطائرة الأمريكية هو السبب الحيوي غير المباشر للوصول الى تهدئة آنيّة مفترضة للتوتر بين العاصمتين الأيرانية والأمريكية , نتيجةً لضعف الرئيس الأمريكي , مع احتمالٍ اضعفٍ آخر لحدوث مفاجآتٍ مفاجِئة ترتبط بموقف القيادة الأيرانية وطريقة ادارتها للعبة , بالرغم من الأستنزاف لصادرتها النفطية التي تتناسب ” طردياً ” مع عنصر الوقت .!