اجتاحت منطقة كردستان العراق تظاهرات صاخبة تحولت في بعض فصولها الى صدامات مع الاسايش سقط خلالها عدد من المتظاهرين الكرد قتلى وجرحى فيما هاجم بعض المتظاهرين منشات ومراكز للحكومة وللاحزاب المحلية .
هذه الاحداث هي بلا شك نتاج عوامل وظروف تراكمية بما فيها العامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي حيث انطلقت بداية الامر مظاهرات حاشدة بمدينة السليمانية خرج خلالها آلاف المعلمين والموظفين الذين لم يستلموا رواتبهم منذ أشهر للشوارع مطالبين بحقوقهم ثم تحولت هذه التظاهرات لأزمة سياسية بمنطقة كردستان الخارجة لتوها من أزمة سياسية مع الحكومة المركزية في بغداد.
وألهمت هذه المظاهرات الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل والمواطنين الذين يعانون منذ سنوات سوء الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ووقود، فكان أن انضموا إليها مما زاد بزخمها كما توسعت المظاهرات جغرافيا حيث التحقت بحركة التظاهر المنددة بفساد السلطة بلدات كفري وجمجمال وحلبجة وبيره مكرون وكويسنجق وپنجوين وسيد صادق التي تحيط بمدينة السليمانية وتتبعها.
وتطورت الأمور بشكل متسارع حيث أحرق المتظاهرون مقرات ومكاتب تابعة للأحزاب الكردستانية والحكومة المحلية، وكانت بلدة رانيا المسرح الذي شهدت الصدامات الأعنف، مما ادى الى سقوط العشرات من الضحايا واعتقال اعداد مماثلة لهم من قبل الاسايش او قوات الأمن المحلية .
بعض اطراف الاتحاد الوطني الكردستاني اتهمت جماعة مسعود برزاني بالوقوف وراء اطلاق النار على المتظاهرين , ورات فيها ايضا محاولة لتقويض حكومتها المحلية بعد مواقفها المساندة للحكومة في بغداد , كما راى في تلك الاحداث بعض المراقبين محاولة من برزاني للخروج من ازمته الاخيرة مع الحكومة المركزية خاصة وان المناطق الخاضعة لسلطته في دهوك وزاخو لم تشهد اية تحركات مناهضة او تظاهرات مناوئة مما يثير الاستغراب ويعطي انطباعا بان مايجري له اغراض سياسية ولكن على خلفيات معيشية اقتصادية .
كان للأحداث التي شهدها الشارع الكردي تأثير سريع على المشهد السياسي بالإقليم خصوصا بعد إطلاق النار من قبل الشرطة المحلية وقوات الأمن على المتظاهرين، وهو ما دعا حركة التغيير كوران والجماعة الإسلامية بالإقليم لإعلان انسحابهما من الحكومة المحلية ودعت الجماعتان حكومة المنطقة بحل نفسها فورا وتشكيل حكومة إنقاذ وطني كما هدد الاتحاد الاسلامي ايضا بالخروج من الحكومة المحلية مالم يتم معالجة الوضع المحلي بشكل جذري بعيدا عن الاحتكار السياسي وقد حذر القيادي بحركة التغيير وعضو مجلس النواب العراقي هوشيار عبد الله من مغبة استمرار هذه الأوضاع وعدم انصياع الحكومة المحلية لمطالب المتظاهرين، وقال في مؤتمر صحفي عقده بالسليمانية ان الناس في كردستان بشكل عام غاضبون وبشدة من سوء استخدام السلطة وسوء إدارة الإقليم.
كما ان عضوة البرلمان والعضو في حركة التغيير سروة عبد الواحد انتقدت الحكومة المحلية واعتبرت الاعتقالات دليل فشلها في معالجة الوضع والتعاطي مع ارادة المواطنيين.
بينما تستمر حالة التشنج على مستوى الشارع والانشقاق السياسي الداخلي، ارتأت الحكومة المركزية في بغداد ضرورة لان تؤدي دورها الدستوري حيث طالب رئيس الوزراء حيدر العبادي سلطات الإقليم بحماية المتظاهرين ولوّح بالتدخل.ويبدو ان مازق برزاني دفعه لارسال اكثر من وساطة لبغداد من اجل فتح صفحة جديدة معه سيما وان العراق على اعتاب انتخابات برلمانية مهمة مما دفع العبادي الى تكرار مطالب حكومته السابقة بالتراجع عن الانفضال والاعتراف بوحدة العراق وتسليم المنافذ الحدودية والمطارات للحكومة المركزية .
السؤال المطروح ماهو دور اسرائيل في وضع منطقة كردستان العراق على صفيح ساخن وهل المطلوب هو تفجير الوضع في هذه المنطقة ومحاولة اعادة برزاني الى كركوك بعد اخراجه منها وهل المطلوب اسرائيليا هو التاثير على العملية الانتخابية المراقبة في العراق ومحاولة خلط الاوراق بعد فشل المحاولات الامريكية , تساؤلات مهمة يجب التوقف عندما لفهم مسار الاوضاع القادمة في العراق .