18 ديسمبر، 2024 5:51 م

ماهو المبرر لموقف الغرب بعضا ضد الاسلام والمسلمي

ماهو المبرر لموقف الغرب بعضا ضد الاسلام والمسلمي

***أسباب الحزن للإنسان كثيرة قد يرجع بعضها إلى فقد شخص عزيز ، فقد ممتلكات ، فقد منصب ، مكانة إجتماعية  ، تعرضه لظلم ، إهانة لشخصه ، دينه ،  قبيلته  أوعشيرته

والحزن  هو ألم داخل  جسم الإنسان يوصف بأنه ألم نفسى لايظهر أثره على الإنسان وقت حدوثه  بالضرورة ولكن له تبعات خطيرة على الجسد وحياة الإنسان وتصرفاته . وقد تطول حالة الحزن وتقصر حسب دوام السبب وسرعة حلول النسيان على الذاكرة .

وكإنسان مسلم  يحب دينه ويلتزم به ، يعيش فى هذه الحقبة من الزمن فإنه يتعرض لموجات حزن عاصفة ، ما تكاد تنصرم موجة  حتى تتلوها الأخرى بسبب الوضع البائس المخيم على بلاد المسلمين بعد تفكك دولتهم الى دويلات ومقاطعات وبسبب حروب فيما بينهم وحروب بالوكالة لصالح المستعمر لبلادهم مزقتهم وجعلتهم فريسة للحملات الصليبية النفسية  التى إستهدفت تشكيك المسلمين فى دينهم ومعتقداتهم  مع خذلان حكامهم ومعاداتهم  لشعوبهم عداءً جعلتهم أشد وطأة من الكفار لدرجة أن وصل بهم الأمر الى إستجلاب المستعمر الى  بلادهم ليوفر لهم الحماية ضد شعوبهم ( سوريا وليبيا واليمن على سبيل المثال)

       ***الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأطلق له الحرية فى إعمار الأرض ، وزوده بغرائز وحاجات عضوية تضمن له تحقيق وظيفته على الأرض . وقدر الله لهذا الإنسان أن يعيش بشكل إجتماعى وأن يتكاثر بشكل مضطرد ، فكانت الحاجة الى تنظيم العلاقات بين هذا الكائن البشرى فكانت الرسل والرسالات متعاقبة . وعندما إرتقت البشرية ختمت خلافة الإنسان على الأرض بالكتب السماوية . وكانت هذه الرسالات متدرجة فى معاملة هذا الإنسان مراعية مدى قدرته العقلية على الإستيعاب لتهذب من أخلاقه وترشده الى حل الكثير من مشكلاته . إلا أن هذه الرسالات تضمنت أوامر ونواهى له ولمن يملكون السلطة والحكم على شعوبهم  . وهنا رفض الحكام التنازل عن سلطاتهم المطلقة ؟ وفى قصة موسى لم يكن فرعون مهتما بما يعبد شعبه حقيقة طالما يبدى شعبه الولاء والطاعة له  وتجلى عصيانه عندما امره الله على لسان نبيه موسى بإرسال بنى إسرائيل مع موسى ليغادروا أرض مصر . وكذلك رأى الرومان فى المسيحية نزع لسلطانهم فى الحكم ، وكذلك كان الحال مع قريش حيث رأت فى رسالة الإسلام فقدان السلطة من أيديهم .

    ***أول ما يبدأ به النظام الحاكم حين يشعر بفقد السيطرة هو محاولة الفصل بين الدعوة والشعب عن طريق الإعلام بداية من نشر الأكاذيب فى المجتمع إلى الفضائيات وأجهزة الإعلام بكل أشكالها. فإن لم تحقق غايتها بدأت مرحلة البطش والتنكيل بمن ينازعه الحكم ولنأخذ أمثلة من التاريخ لا تغيب على الكثير منا  :  رأينا نظام فرعون يسفه ما جاء به موسى من شرائع الله ويصفه بالسحر ويحذر القوم من إتباعه والإيحاء لهم بأن موسى يريد إخراجهم من أرضهم ، فلما أحس بفقد السيطرة وتمرد عليه السحرة الذين إستجلبهم ليحارب بهم موسى  فإذا هو يبطش بأتباع موسى ويلاحقهم ليقضى عليهم . وقد تكرر ذلك المشهد مع اليهود ( النفى والسبى والتنكيل) فى عدة ممالك بعد خروجهم من مصر حتى وصل المشهد الى الدولة الرومانية حيث تقوقع اليهود وإنعزلواعلى أنفسهم بدينهم ولم ينازعوا الرومان على الحكم . وهكذا إستقر الوضع  بينهم وبين الحكام حتى أرسل عيسى بالرسالة النصرانية التى رآها الرومان خطرا على حكمهم بإنتشارها فى أرجاء الإمبراطورية ، فقابلها الرومان بتعقب النصارى والبطش بهم وعندما إستفحل الأمر عليهم وأدركوا أن الأمر سيخرج من أيديهم لجأوا الى الحيلة ولهم فى إدارة الشعوب الخاضعة لسيطرتهم  خبرة طويلة .

أولا  : فنح باب المفاوضات مع زعماء النصارى مستخدمين سياسة ( الجزرة والعصا )  حتي تم  لهم التعديل والتحريف فى هذه العقيدة التى تنافسهم الحكم ورأينا الكنيسة ترفع شعار( ما لقيصر لقيصر وما لله لله)  فى مقابل ذلك ورث النصارى المعابد   الرومانية الوثنية ولم يبذلوا جهدا فى تغيير ملامحها الوثنية كدور للعبادة إلى الآن فتركوا الأصنام الوثنية قائمة وأسبغوا عليها قداسة   وأساطير خرافية وبالغوا فى تقليدها  فأقاموا التماثيل والصور وسولت لهم أنفسهم تصوير الأنبياء والملائكة والله فى هذه المعابد .     

 ثانيا :  تقريب طوائف منهم الى قصور الحكام  وجعلهم طوائف وطبقات يرتدون ملابس خاصة بل وألوان مميزة حسب الفئة والدرجة التى ينتمون إليها وإغراء العداوة بينهم .

 ثالثا : إغرائهم على تحريف ما بقى فى أيديهم من التوراة والإنجيل وإدخال الكثيرمما يرضى الحكام ، وحصرحق قراءة الإنجيل وإمتلاك نسخة منه على رجال الكنيسة فقط والإدعاء بالحق الإلهى للملوك فى الحكم  وإنتهى بهم الأمر إلى السكن فى قصور وتملكوا الأراضى والمصانع والبنوك والمقابر .

وبذلك إنتهى الخطر من المسيحية على نظام الحكم ومع ذلك … عصفت بينهم حروب أودت بحياة الملايين منهم وأخرين من دونهم من البشر .

***جاءت رسالة الإسلام منذ البداية واضحة تجاه مسألة الحكم وأدركت قريش من جراءها الخطر على مكانتها وتجارتها فى جزيرة العرب  فأتبعت  نفس السياسة  فى المواجهة والتحدى فبدأت بالتشكيك فى الدعوة وبحامل  الدعوة ونشر الأكاذيب حولهما ثم صبت  إنتقامهاعلى المستضعفين من أتباع الدعوة بالنفى والإجبار على الهجرة والحصار والتضييق والمقاطعة ثم الحرب فباءت بالفشل  والهزيمة على جميع الأصعدة وإنتشر الإسلام وصمد أمام التحديات .

ولعل أول فتنة قابلت المسلمين بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام وكادت تعصف بهم وتمحوا أثرهم هى عدم وضوح الرؤية فى طريقة إختيار الحاكم ونطاق سيطرته على الدولة ، فقد تجمع الصحابة فى سقيفة بنى ساعدة لإختيار خليفة رسول الله وإختلفوا فيما بينهم على أساس كونهم طائفتين : الأنصار والمهاجرين وكل طائفة تبغى فوز مرشحهم حتى تشاحنوا ونادى منهم ( منا أمير ومنهم أمير ) . فهل كان يعقل أن تبدأ الدولة بهذا التشرذم والتفرق .

ظل حال المسلمين فى رفعة وإذدهار طيلة فترة الخلافة الراشدة ثم بدأ الصراع على الحكم بعد مقتل عثمان رضى الله عنه وأخذ مسارالحكم منهجا مضطربا فى فترة الخلافة الأموية وما بعدها فكانت أحوال الدولة الإسلامية متذبذة صعودا وهبوطا على قدر إلتزام الحاكم بكتاب الله .

من هذه المقدمة المختصرة نستطيع أن نفهم لماذا يعادى الغرب الإسلام والمسلمين حصريا ؟

1ـ لأنك على دين الحق ولا تعبد إلا الله ولا تشرك بعبادته أحد.

2ـ لأنك لاتقبل التبديل والتلاعب والتغيير فى دينك .     

3ـ لأنك لا تقبل الظلم على نفسك ولاعلى غيرك

4ـ لأنك تخاف الله فى المقام الأول وتبتغى الإلتزام بأوامره ونواهيه.

فإن قابلك أهل الكفر بوجه مقفهر!   فإعلم أنك على طريق الحق وأبشر ولا تحزن وإن قابلوك ببشاشة فإحذرهم  وراجع نفسك هل فرطت فى شئ؟

قال تعالى “ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق . فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره إن الله على كل شئ قدير”. ( البقرة109)

 

***من الواضح ان هناك مطلبا عاما في الغرب الاوروبي وامريكا لتأكيد وإبراز سيادة الغرب وثقافته على البلدان الاسلامية.. فما الأهداف التي يحققها تصوير الاسلام كعدو بالنسبة للمجتمعات الغربية ؟ يحفل العالم بغربه وشرقه على السواء بقيم العنف ومعاداة المرأة والتعصب واللاعقلانية, وتذكرنا احداث الاعتداءات على الاجانب في وسط اوروبا ــ ألمانيا تحديدا بما يختفي تحت قناع حضارتنا اللامع من اتجاه قوي نحو الدين والاصولية في اوروبا والولايات المتحدة الامريكية.. ففي العام 1992 اثارت الجماعات الاصولية في (بايرن) الرأى العام عندما طالبت بمصادرة كتاب اطفال معروف (الساحرة الصغيرة) للكاتب (اوتفريد برويسلر) لانه (يسخر من كشف الغيب) , وطالبت بإقامة رياض اطفال اصولية, واستمرت تلك الحملة عاما كاملا.. مثل هذه الأحداث لا نعتبرها في الغرب صراحة جزءا او طابعا مميزا لثقافتنا, بل نزعم انها تجرى خارجه وكأنها لا تتصل بنا وانها مجرد استثناءات.. كذلك الرايخ الثالث (فترة حكم هتلر) نعتبرها مجرد حادثة تاريخية, لا ترتبط بثقافتنا بينما نطبق معايير مختلفة تماما كلما صادفتنا ظواهر مشابهة في الثقافات الاخرى, وخاصة الثقافة الاسلامية, فلا نعتبرها مجرد نتوءات وانما نقدمها ونقيمها باعتبارها وثيقة الصلة بالاسلام وثقافته, ولا تنفصم عنه ويدعم رؤيتنا تلك (جهل تام) بالثقافة الاسلامية. يقول (ارمجارد بين) و(مارليز فينيد) في دراستهما عن صورة المرأة المسلمة في وسائل الاعلام الغربية انه من الغريب والمدهش حقا هذا التناقض الكبير بين (معرفتنا بالاسلام) وبين (الثقافة الاسلامية نفسها) وبين (ثقتنا الشديدة في اطلاق الاحكام عليها) .. حيث لم يحدث ان استنكر جهلنا الشديد بالثقافة الاسلامية ولو مرة واحدة, بل ان النقد والاتهام يوجه باستمرار الى تلك الثقافة دون ادنى حرج. ودائما ما تتكرر في اي حوار حول الاسلام عبارة: (انني لا اعرف شيئا عن الاسلام, ولكن.. ولا نفيق نحن عند (لا اعرف) هذه, لانها تسمح ببناء تصور عن عالم اخر (عالم اسلامي) لا يتسق مع الواقع غالبا, والمطلوب من حقيقة الامر هو فصل (نحن) عن (الآخر) , فصل (الداخل) عن (الخارج) فصلا لا ينمحي, لكي يؤمن حدود الهوية الغربية وحضها, بمعنى ان الوجود الغربي يستوجب رسم حدود ثقافته بأي طريقة, وهنا تظهر الكلمة السحرية ذات الحروف الخمس (اسلام) فتنشر الفزع حسب قول راينهارد شولتسه استاذ الدراسات الاسلامية والعربية في جامعة هامبورج, هذا التصور لا يقلقه او يزعجه غير ملاحظة التشابه والتوازي بين الثقافتين فالتشابه يعنى التعرف على انفسنا في (الاخر) ويعنى ان تنمحي خصوصية منظورنا عن انفسنا, لذلك يتم التأكيد دوما على غيرية ومناقضة البلدان الاسلامية وثقافتها, ويصاغ الشرق عموما كنقيض للغرب, بهذا يخلق المرء لنفسه قطبا مضادا. يؤكد من خلاله ذاته وقيمه, ويشكل في مواجهته مفهوم العالم الغربي. يحلل هذه الجزئية استاذ السياسة الدولية بجامعة دويزيورج (فرانتس نوشلر) بقوله: (لقد تطورت واتضحت معالم الدولة الصناعية الغربية كخصم للاشتراكية الواقعية في السنوات الاربعين الماضية, وفجرت الحادثة العارضة (انهيار الاتحاد السوفييتي) التي قطعت ذلك التعريف الخلاق للهوية ضرورة البحث عن بديل وقدّمه الاسلام نفسه من خلال حرب الخليج التي اعتبرت من قبل طرفها العربي والاسلامي ايضا حربا ضد الغرب ومثل الشرق شاشة عرض ظهرت عليها قيم سلبية في ثقافتنا, كاضطهاد المرأة, وهي قيمة موجودة في ثقافتنا ولكنها أوضح في البلدان الاسلامية, لذلك تستوجب النقد بسرعة وإلحاح. وكالمقارنة بين صدام حسين وهتلر التي صكها (جورج بوش) , ثم اخذها عنه المثقفون الغربيون.. هذه المساواة بين صدام وهتلر تجعل من تاريخنا الغربي المرير امرا هينا وبسيطا. ولا يعنى نقد (تأكيد الذات) من خلال الآخر الاسلامي عدم تباين الثقافة والمجتمع الاسلامي, بل يعني خطأ ومغالطة العرض غير المتوازن لأوجه التشابه والاختلاف, والتقييم بالسلب لكل ما يبدو مختلفا عن ثقافتنا بصورة آلية من خلال وسائل الاعلام, لان ذلك من شأنه الا تتحقق محاولة فهم الآخر, بل من شأنه الوصول الى أبسط الحلول الممكنة التي تقول ببديهية الثقافة الغربية.. اذن هي الافضل! ومن هنا لا تظهر الدول الاسلامية امام الرأى العام الغربي كنظام ثقافي متكافئ. بما يقتضى منا ان ندرك تباينها او تشابهها مع ثقافتنا والحوار معهما, اي نقدها من ناحية, ومن ناحية اخرى الاقرار بوحدتها وبما هو ايجابي او سلبي فيها, بذلك يمكن مراجعة قيمها الخاصة وطبيعة ثقافتها.. لكن للاسف.. لانه لا ينبغي بأي حال تدمير صورة الذات الايجابية النموذجية للغرب بتحول صيغة الاسلام كعدو الى عكاز تتكىء عليه الهوية الثقافية الغربية.. واذ يرتبط العداء للاسلام بالعداء للعالم الثالث بشكل وثيق, فتكاد تنطلق من (الجنوب الفقير) هكذا تصور وسائل اعلامنا اخطار وتهديدات ذات طبيعة اجتماعية او سياسية او عسكرية او ثقافية.. وينتمي العداء للاسلام الى خوف عام من العالم الثالث الذي يبدو بالاضافة للشرق الاوسط. كمنطقة عدم استقرار وقلاقل وحروب عرقية واهلية وعنف غير مفهوم وامراض وأوبئة وآفات اخرى لا تحصى.. وتقف المناطق الفقيرة غير المستقرة (في مواجهة الغرب) دقيق البناء, الغني المنظم وتبرز اهمية رفاهية الغرب من واقع الخطر والمتاعب في الدول النامية, لذلك ينبغي الدفاع عن الرفاهية نفسيا ومعنويا, وماديا عند الضرورة. والواضح ان الخوف من العالم الثالث هو خوف من الفقر, خوف من ان تنتقل عداوه الى الغرب, لذلك يمثل المهاجرون من تركيا او المغرب العربي تهديدا اكبر من تهديد القادمين من بلاد الجماعة الاوروبية.. وتتمثل احدى فرضيات الخوف في عدم اطمئنان الغرب لمكاسبه ومنجزاته كما يتمنى, وينطبق ذلك ايضا على السمة العقلانية التنويرية للمجتمع الغربي, والتي تشكك فيها من حين الى آخر العنصرية والاساقفة الاصوليون والحروب الدينية والعرقية في يوغسلافيا السابقة او ايرلندا الشمالية, بل وينطبق ايضا على القيمة الحضارية الاساسية للغرب وهي (الغنى المادي) , الذي يبدو حاليا موضع شك كبير من خلال شيوع مصطلحات موحية وموجزة مثل: التشرد الجديد, مجتمع الثلثين (الــ 60 في المائة), فقر كبار السن, الشرق الفقير (شرق اوروبا وشرق ألمانيا).. اي انه بما ان مستوى المعيشة والرفاهية الغربية مهدد, فالخوف من الفقر عنصر اساسي ومؤثر, فيمثل في العالم الثالث ودينه الاسلام (كما يتصور الغرب) فالعقائد الاخرى كالهندوسية وعبادة الطبيعة, بعيدة جغرافيا وهامشية ثقافيا, والخوف من الاسلام هو المعادل الديني الايديولوجي للخوف من المستقبل الخاص والذي يتم تفسيره وربطه (بالتطورات الواقعية) المثيرة لعدم الاستقرار والمقلقة والمكلفة ايضا, مثل الكوارث البيئية, موجات الهجرة واللجوء, تصاعد وتشدد الحركات السياسية, او السياسة الدينية, فتثير حدة وتنوع الأخطار وصعوبة السيطرة عليها قلق كثير من سكان الدول الصناعية, فيتوقعون استخدام المهاجرين في وقت ما سلاحا في وجوههم وينتشر في اوروبا كلها فزع من غزو خارجي على يد (الاصوليين الاسلاميين الارهابيين) الافارقة الجياع والهاربين من صراعات العالم الثالث كما يزعم فولكر ماتيسى في مقاله عن (العدو الجديد ـ العالم الثالث) .. هكذا كما كانت الماركسية اللينينية في الماضي النموذج الايديولوجي المعادي للغرب, يفهم الاسلام او الاصولية الاسلامية اليوم. لقد ظل الاسلام لزمن طويل خصما للغرب, وظل بينهما صراع ثقافي اعمق ما بين الغرب والعالم الثالث بشكل عام, وكان الشرق منذ 300 عام محددا للهوية الغربية الحديثة, ثم محددا لاوروبا, ثم الغرب.. في هذا السياق قامت الدائرة الثقافية الشرق اوسطية بأدوار ووظائف مختلفة في نشأة النظام الغربي, واحتفظ المجتمع الغربي على مرّ مئات السنين بالاكلاشيهيات والمقولات والاحكام المسبقة عن الاسلام والتي انتقلت من جيل الى جيل ونمت جذورها, واصبحت طاقة كامنة يمكن استثمارها كلما اقتضت الضرورة السياسية, كما حدث في حرب الخليج الثانية. ولكن.. لماذا يشعر المواطنون في الغرب بتهديد الاسلام, رغم تفوقهم الذي يؤكدونه باستمرار.. لان وسائل الاعلام تركز على الاسلام باعتباره دينا فقط, وهذا التصور يثير مخاوف المواطن الغربي, لانه يعتقد انه قد تخلص من الدين وهواجسه عبر التنوير, وتبدو رغبة الغرب في التدليل على ضرورة تحقيق تنويره الخاص والاستقلال عن سيطرة الدين في الشرق لانه بالتأكيد يشك في انتصار الدنيا على الدين, والعقل على اللاعقلانية في الغرب ذاته… اننا نسقط خوفنا من الدين على العالم الاسلامي, وربما نستشعر الشك في مكاسب ومنجزات حضارتنا في العقلانية والتنوير, ونعتقد اننا نحافظ عليها بشكل افضل اذا ما دافعنا عنها ضد خطر خارجي, وعلى الاقل لا نشعر بالاطمئنان او السيطرة على الموقف اذا واجهنا الاسلام او الاصولية الاسلامية بنقد جاد وبكل اناة وتروى. هذا الخوف المتأجج والمبالغ فيه باستمرار يغذي في الشرق عداء ضد (الغرب المسيحي) ويخدم اتهام الغرب بالعدوانية والاستعمارية وعدم التسامح, واتهام المجتمع الغربي بالانحطاط الفكري وانهيار قيمه, وبأنه مثلا يحط من قدر المرأة فيعاملها كموضوع للمتعة. ويتشابه العداء للغرب مع العداء للاسلام في عناصر كثيرة, حيث يمثل الغرب شاشة عرض يحيل عليها الشرق كل تناقضات مجتمعه والفارق الاساسي هو استشعار الخطر في البلاد الاسلامية من ادعاء التفوق الغربي, الذي يشعر كثير من المسلمين في العقود الاخيرة باهمية الدفاع عن ثقافتهم ودينهم, في مواجهة الاتهامات النابعة من وجهات نظر تشوه الاسلام.. هكذا يساهم العداء الغربي للاسلام بدرجة كبيرة في تعضيد موقف دفاعي متشدد, وفي تأكيد واثارة عداوة مضادة. هذه العملية المزدوجة تحمل خطر تناقض الاستعداد للحوار بين الثقافتين الآن ومستقبلا, وتدعم موقف التناقض في الشرق والغرب على السواء, ما دام الاخير يرى ان هناك فجوة لا يمكن تخطيها بين الثقافتين.. لقد استخدمت وتستخدم وسوف تستخدم العداوة على الجانبين ايديولوجيا, حيث يمكن ان يزيد العداء للاجانب من توظيف العداء للاسلام في السياسة الداخلية مستقبلا, وليس من قبيل الصدفة ان يشنف (يورج هايدر) السياسي اليميني النمساوي آذان مستمعيه دائما بقصة آباء التلاميذ المسلمين الذين طالبوا برفع صورة المسيح مصلوبا من فصول الدراسة, ويضيف: (اننا لم نحارب الاتراك مئات السنين لكي يأتي يوم نصحح فيه بطرق ملتوية المبادئ التي كنا ندافع عنها ومن اجلها حين حاربناهم. في مثل هذا التوظيف للعداء تجاه الاسلام تكمن اشكالية ضخمة ستواجه المجتمع الغربي مستقبلا, وهي تتجاوز لاشك ما يسمى بالخطر الاسلامي.. وأستشهد على هذا الرأى بما قاله (فرانتس نوشلر) انني لا أخشى الخطر الجديد الذي يصنعه الغرب بيديه, بل اخشى ردود الفعل الناجمة عن صناعته في مجتمعنا, فتثير مخاوفي من سياسة مناهضة اللاجئين التي تدور رحاها امام اعيننا, اكثر من خوفي تجاه الاصولية الاسلامية, او تجاه تزايد اعداد اللاجئين, وارى ان العداء للاسلام او للجنوب عموما يربي العنصرية ويشجع على اقامة بناء اوروبي منعزل, بالاضافة الى انه يدعم الآراء المتميزة.. لذلك اعتقد ان (انسانية اوروبا) معرضة للخطر وليس امنها العسكري ولا رفاهيتها. علينا اذن ان نخترق المشاعر السلبية بين الجانبين والدوافع الايديولوجية التي تدعمها, لكي نتمكن من مقاومة التشدد في معاداة الغرب في البلاد الاسلامية من ناحية, وهستيريا معاداة الاسلام المتزايدة في الغرب من ناحية اخرى

 

***لطالما دأبت الحكومات الغربية عبر التاريخ على إظهار نفسها صاحبة قيم ومبادئ ليبرالية في علاقاتها الخارجية، عندما تكون فقط في موضع متميز تنافسي. ولكن الكراهية الحقيقية والعزلة والتغريب تظهر جليةً عندما تمر هذه الحكومات بأزمات كبيرة أو تجد نفسها في وضع معقد وصعب، كما يحصل الآن في العالم الغربي الذي يعاني من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية.

ونتيجة لذلك، اعتاد الغرب على تحميل الآخرين المسؤولية عن المشاكل التي يواجهها ويبدأ بالمساءلة وإشاعة العداء، تماماً كما حدث في النصف الأول من القرن العشرين حين ألقت الدول الغربية باللوم على اليهود. ما يؤكد حقيقة أن الغرب إذا لم يواجه تهديداً حقيقياً، فسيقوم باختلاق أعداء وهميين أو عدوٍ واحد على أقل احتمال.

ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي والشيوعية، أصبح المنظور الغربي للإسلام سلبياً، وأخذت الحكومات الغربية تشوّه سمعة الإسلام والمسلمين بشكل متزايد، وذلك لأسباب عديدة سوف يتطرق هذا النص إلى بعضها.

بدايةً، يحتاج الغرب من أجل بقائه إلى وجود عدوٍ سياسي، لذلك قامت الدول الغربية صاحبة النفوذ بمحاربة الفاشية لعقود من الزمن، حين كان الممثل الرئيسي لها في ألمانيا خلال النصف الأول من القرن العشرين “أدولف هتلر”. وكذلك حاربت الشيوعية التي يمثلها الاتحاد السوفيتي بشكل أساسي خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، استبدل الغرب خطر الشيوعية أو “الخطر الأحمر” بخطر الإسلام أو “الخطر الأخضر“.

وبالرغم من أن المسلمين لا يشكلون تهديداً سياسياً أو عسكرياً حقيقيا للعالم بشكل عام وللعالم الغربي بشكل خاص، إلا أن الدول الغربية تواصل تسييس الإسلام والمسلمين باعتبارهم خصماً رئيسياً. واستمر الغرب في تطبيق نظرته الماضية حيث كان يعتبر الفاشية أو الشيوعية تهديداً لأسلوب حياته، وصار يدّعي زيفاً أن الإسلام يشكل مصدر تهديدٍ له في الوقت الحاضر.

ويعد استخدام مصطلحات معادية للإسلام و إشاعة تسمية “الإرهاب الإسلامي”، من أسهل الطرق لتأكيد الهيمنة وتعزيزها على حكومات العالم الإسلامي. فالغرب لا يفضل أن يُدار العالم الإسلامي من قبل حكوماتٍ مستقلة أبداً، بل تريد القوى الاستعمارية الحفاظ على سيطرتها المباشرة وغير المباشرة على هذه البلدان.

أما فرنسا على وجه الخصوص، فهي تستغل موارد الدول الإفريقية الإسلامية مثل مالي والنيجر والسنغال وتشاد وغامبيا وموريتانيا. وعلى سبيل المثال، تفضل الحكومة الفرنسية وبعض الدول الغربية، أن يكون الانقلابي خليفة حفتر حاكماً على ليبيا، لأنه مخلص في الحفاظ على المصالح الفرنسية هناك.

كما أن تكلفة استخدام الخطاب المعادي للإسلام منخفضة جداً، لأن الدول الغربية لم تستطع في الماضي ولا تستطيع حالياً معاداة دول مثل الهند أو الصين مثلاً. فالمصالح المتبادلة بين الغرب والصين أو بين الغرب وروسيا أقوى من المصالح المتبادلة بين الغرب والدول الإسلامية، مما يجعل تكلفة مواجهة القوى العالمية الغربية مع بكين أو موسكو باهظةً للغاية.

لذلك، فإن تحويل الإسلام إلى طرف مواجهة هو حل أكثر عملية. ومن الأسهل حشد العالم وراء وهم “الإسلاموفوبيا”، لأن بعض الدول القوية مثل الصين وروسيا والهند خاصةً، والتي تتواجد الأقليات المسلمة بين شعوبها وتسيطر حكوماتها على الأراضي ذات الأغلبية المسلمة تاريخياً، لديها عداوة تقليدية مع الدول الإسلامية.

من ناحية أخرى، السيطرة على العالم الإسلامي تُثقل كفة التنافس العالمي بين الدول الغربية وباقي الدول ذات الهيمنة. وفي النهاية سيكتسب المسيطر على مناطق العالم الإسلامي مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقرن الإفريقي وآسيا الوسطى وجنوب آسيا، الأفضلية ويسود ويتفوق.

ومن الأسباب الهامة أيضاً أن الخطاب السياسي لبعض حكومات العالم الإسلامي يتمتع بتأثير قوي وله انتشار واسع، إضافة إلى وجود أتباع مخلصين للإسلام في جميع أنحاء العالم. لذلك فالإسلام ظاهرة عالمية وله القدرة على توحيد البلدان عبر العالم. علاوةً على أن الإسلام هو الدين الأسرع انتشاراً في العالم، حتى بات المسلمون يشكلون اليوم ثاني أكبر مجتمع ديني. بل أصبح الإسلام حالياً ثاني أكبر الديانات في العديد من البلدان الأوروبية، بما في ذلك بلجيكا وهولندا. ولهذا تشعر الدول الغربية بالتهديد من الإسلام والمسلمين.

واليوم، يتجاوز عدد المسلمين الذين يعيشون في الدول الأوروبية 20 مليوناً، ويتنامى وجودهم وتأثيرهم في الغرب كل عام، إلى درجة أنهم بدؤوا في دعم قطاعاتٍ مختلفة من المجتمعات الأوروبية. بالإضافة إلى استمرار موجات اللاجئين من العالم الإسلامي نحو أوروبا الغربية والتي تجعل أعداد المسلمين تتزايد في دول أوروبا باضطراد.

ولا بد من التأكيد أخيراً على أن الحكومات الغربية التي لا تقيم وزناً للأديان، لا تحترم الشخصيات الدينية المقدسة بما في ذلك عيسى عليه السلام الذي بشّر بالمسيحية. ولا يوجد أية حدود للمنابر الإعلامية الغربية فيما يتعلق باحترام الأديان والعقائد. لذلك نجدهم يتداولون رسوماً متحركةً تهين حتى شخص المسيح عليه السلام. فإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن أن نتوقع ممن لا يحترم شخصياته المقدسة أن يحترم الشخصيات المقدسة للآخرين!

الواقع أن الغرب يساهم من خلال استهداف النبي محمد عليه الصلاة والسلام، في تطرف بعض الجماعات الإسلامية المستعدة للرد على هذه الحركات المهينة في البلاد الغربية. وكلما اتبعت الحكومات سياسات معادية للإسلام، زادت مساهمتها في الاستقطاب واستثارة المتطرفين، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة التوتر الاجتماعي والسياسي في الدول الغربية. وبالنتيجة يظل الإسلام والمسلمون جزءاً لا يتجزأ من أوروبا وعموم بلاد الغرب وهم ليسوا غرباء عنها.

وبما أن إقصاء الإسلام والمسلمين وعزلهم سوف يؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى زعزعة استقرار المجتمعات والدول الغربية، فإن السياسات الحالية المعادية للإسلام ستؤدي إلى نتائج عكسية. بمعنى آخر أن السياسات المعادية للإسلام هي استراتيجية خاسرة، قد تُنقذ بعض الساسة الغربيين مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكنها لن تُنقذ مستقبل الغرب.