لفوضى الخلاقة الذي رفعته أمريكا شعارا لبناء الشرق الأوسط الجديد أضحى في العراق اليوم هو الفوضى الهدامة فقد وصلت البلاد اليوم بعد 13 سنة ونيف الى أسوأ صورة مرت فيها الدولة العراقية في تاريخها الحديث ..وبعيدا عن الطموحات الكبيرة والأحلام التي نرغب في تحقيقها والتي تحدثت عنها في مقالات سابقة ..بعيدا عن كل ذلك هل يمكن أن نجد حلولا في ركام هذه الفوضى الحاصلة في العراق وفي ظل هذه المناكفات والاتهامات المتبادلة والتي يندى لها الجبين ..وهل يمكننا أن نعثر على الحلول في ظل هذا الدمار الكبير لمؤسسات الدولة والفساد المستشري فيها فضلا عن الخلل الكبير في اختيار قياداتها وموظفيها..هل يمكن ان نستخرج من هذه المياه الاسنة مياها صالحة للشرب او على اقل تقدير مياها لاتقتل ..واذا كان ذلك ممكنا فما هي هذه الحلول التي لعلها تصنع يوما أفضل للمواطن العراقي وغدا مشرقا.. والأهم من ذلك من هو القادر على ترجمتها على أرض الواقع..في العراق مازال هناك بصيص أمل ضعيف في اصلاح هذا الوضع المزري من دون انقلاب عسكري أو انفلات سياسي أو احتلال جديد أو ثورة عارمة تحرق الأخضر واليابس فكل مانحتاجه هو قرار شجاع من الجهات التي يبدر منها الحل بما يأتي..أولا..الحل من البرلمان..فقد المواطن ثقته في البرلمان منذ زمن والبرلماني اليوم لايحترمه الناس رغم أن فيهم من هو أهل لهذه المسؤولية..فاليوم مشكلة البرلمان الكبرى هو الثقة المفقودة بينه وبين ممثليه لذلك هو ضعيف جدا كمؤسسة وكأشخاص..كيف يستطيع البرلمان اعادة الثقة ؟..في أزمته السابقة تكونت في البرلمان جبهة معارضة انفعالية سمت نفسها بجبهة الاصلاح وقد أعادت بعض الثقة الى البرلمان كونها حاولت تحقيق مطالب الجماهير بعيدا عن قياداتها السياسية لكنها سرعان ماتفتت وأصبحت افرادا معدودين بعد قرار المحكمة الاتحادية ببطلان جلستها الاصلاحية وفقد الناس أيضا ثقتهم بها ..المجلس الأعلى أيضا دعا ويدعو الى تشكيل كتلة عابرة للمكونات ولكنه لم يستطع حتى اليوم تحقيق أطروحته بصورة عملية في البرلمان ناهيك عن أنها لم تجد لها صدى جماهيريا مؤيدا ..إن مايعيد ثقة المواطن بالبرلمان اليوم هو تخلي البرلمانيين عن كتلهم السياسية جميعها والاجتماع تحت قبته والتعهد أمام الناس في جلسة علنية بأنهم من الان حتى نهاية الدورة التشريعية لن يحتكموا الا الى ضمائرهم وحبهم للعراق وأهله..وأن يبدأوا أولا بأنفسهم فيصدروا قرارات تقلل من امتيازاتهم وحماياتهم وأن يتبرعوا قسما من رواتبهم الى فقراء الأمة وجرحى المدافعين عن حياض الوطن وعوائل الشهداء ..ان استرجاع الثقة سيكون هو القوة المحركة للاصلاح الذي سيمضي به البرلمان فحينها يمكنه أن يجدد نفسه سواء بانتخاب رئاسة جديدة أو بلورة علاقات وطنية وحتى لو وقف بعضهم ضد هذا المشروع وهو أمر وارد جدا فإنهم سيكونون في الطرف المقابل للشعب وسيكونون ضعافا غير قادرين على كبح عربة يدفعها الشعب ويركبها برلمانيون تخلوا عن أحزابهم وقادتهم ليكونوا مع ضمائرهم ومع العراق..فإن لم يستطع ذلك فعليه أن يحل نفسه ويدعو الى انتخابات مبكرة وتكون الحكومة لتصريف الأعمال ولايتحجج بأن العراق يمر بوضع أمني خاص فالحق يقال أن مناكفاتكم السياسية هي التي تضعف البلاد وتؤجل النصر وليس آخرها مسلسل الاتهامات بينكم وبين وزير الدفاع..
ثانيا..الحل من رئاستي الوزراء والجمهورية.. وان كانت رئاسة الوزراء هي الأكثر تأثيرا في الناس والمجتمع فقد تراجع دور رئاسة الجمهورية منذ أن تعرض الرئيس طالباني الى أزمته الصحية التي أبعدته عن البلاد والرئاسة حتى نهاية دورة الرئاسية الثانية كما لم يستطع الرئيس معصوم أن يعطي للرئاسة دورها الحقيقي لأسباب ليس هنا محل ذكرها..ولذلك نعول هنا على الحلول التي تصدر من رئاسة الوزراء ومن رئيس الوزراء حصرا كونه المسؤول التنفيذي الأعلى في الحكومة العراقية..ان موضوع الثقة المتهالكة ينسحب على الحكومة ومؤسساتها ولذلك لابد من فعل قوي يعيد هذه الثقة فالسيد العبادي نال من الدعم مالم ينله أي رئيس وزراء عراقي مابعد 2003 و تناقص هذا الدعم تباعا بسبب السياسات غير الحازمة والواضحة وعدم القدرة على تحويل صراع الارادات الى تحالف الارادات لما فيها من مطالب مغايرة لحركة الاصلاح ولكنه مع ذلك حتى هذه اللحظة هو قادر على تحويل الخط النازل الى خط تصاعدي أو أفقي على أقل تقدير لعبور هذه المرحلة الخطيرة..إن أول اجراء يجب أن يبدأ من النفس فأول خطوة هو الاعلان المباشر للناس والمجتمع في خطاب رسمي متلفز عن تخليه عن حزبه وجوازه البريطاني وانه اليوم هو رجل عراقي لاغير سيقود البلاد وفق مايريده الشعب العراقي من اصلاحات وأنه سيبدأ بنفسه أولا وبمكتبه ثانيا فيغيره كله ويبدأ بمعركة التغيير اعتمادا على الشعب والدستور والمرجعية وليس اعتمادا على الضوء الأخضر من الأحزاب..ثم يقوم بالاصلاحات على اساس القطاعات ..فيبدأ بالكهرباء بقرارات كبيرة وحاسمة يحيل فيها جميع وزراء ووكلاء هذه الوزارات طيلة الفترة الماضية الى التحقيق لينالوا جزاءهم العادل..وهكذا كل القطاعات الأخرى.. وهكذا دواليك كل القطاعات التي تضخم فيها الفساد ومما لاشك فيه أنها معركة كبيرة ولكنه سينتصر فيها أخيرا لأنها معركة الحق ضد الباطل..هناك اجراءات كثيرة أخرى وهي ليست مخالفة للدستور ولكنها ستجعل الشعب يحمي حكومته بقوة وستجعل من السيد العبادي قائدا وطنيا..المهم أن تكون الخطوة الأولى بمستوى الفوضى العارمة الهدامة التي نعيشها..فاذا لم يكن هذا الحل ملائما فما على السيد العبادي الا أن يكاشف الشعب ويقول له بالخط العريض أنه لايستطيع المواصلة للأسباب التالية ليطرحها امام المرجعيات والشعب ليقرروا هم.. ويقدم استقالته لتكون الحكومة لتصريف الأعمال مع الدعوة لانتخابات مبكرة أو تشكيل حكومة عابرة للأزمات حكومة ادارية مهمتها قيادة البلاد بعيدا عن أزماته السياسية وهو أمر ليس بالعسير..يبقى أن على المجتمع والمرجعية والدول الصديقة الاعتماد على الحركات السياسية الجديدة والوطنية لإعطائها الفرصة للترقي ولأخذ دورها الحقيقي في بناء العراق للمرحلة المقبلة..
البرلمان ورئيس الوزراء هما من يقرران الحل ويحددان مسيرة العراق في هذه الأوقات فاما الهاوية واما النهوض من جديد والا فإن الخيارات الاخرى ستكون من خارجهما وسيعاقب كل من أسهم في الفوضى شر عقاب ولات حين مندم