22 ديسمبر، 2024 8:12 م

مالم يقله المالكي ……

مالم يقله المالكي ……

اثار تصريح السيد نوري المالكي بانه يمتلك ملفات تحوي معلومات تفصّيليه  عن الارهاب والارهابييّن ، خصوصا من السياسيين والبرلمانيين ، وانه يتريث او يمتنع عن كشفها حفاظا على “العملية السياسية “، لغطا واسعا ، سواء في الاوساط السياسية والحقوقية او  المواطنين ، المكتوين بنار الارهاب والعمليات الارهابية لعشرة اعوام مضت، فقدوا فيها الكثير من احبتهم ، وسالت خلالها الكثير من الدماء البريئة ، اضافة الى فقدانهم الامن والامان .
انها ليست المّرة الاولى التي يهّدد فيها السيد رئيس الوزراء بملفات خطيرة تتضمن معلومات ووثائق عن الارهاب والارهابيين . فمنذ سنوات ، رد ّ على النائب السابق ، ناصر الجنابي ،  بانه ، يحتفظ ضّده بملف لمائة وخمسين قضية قتل ارتكبت في منطقة البحيرات واصابع الاتهام ، تشير فيها ،جميعا، اليه !
لقد اتهم الجنابي ،بعد ذلك، بالارهاب ،وصدر امر قضائي بالقاء القبض عليه ، لكنه غادر ليظهر في عاصمة عربية ، ينفي ويفند ما وجه اليه من اتهامات . وتكرر الامر مع السيد طارق الهاشمي ، الذي غادر الى كردستان، كنائب لرئيس الجمهورية،  ثم الخارج .   و اخيرا ، رافع العيساوي ، بآلية مشابهة تقريبا. وكان قد سبقهما ، من اطراف العملية السياسية البارزين ، كل من السيد عدنان الدليمي ومحمد الدايني . الملفت للنظر ، ان جميع هؤلاء قد اتهموا بالوقوف وراء عشرات وربما مئات من جرائم القتل والاغتيال والتفجير والتهجير وادارة نشاطات سرية مسلحة لهذا الغرض باستغلال مناصبهم وحصاناتهم والتسهيلات التي تتيحها لهم.  لكنهم ، جميعا ،  غادروا او هرّبوا  الى خارج العراق ، تحت سمع السلطات التنفيذية والقضائية وبصرها ، وربما بتسهيل منها ، وان المطالبات لم تعلن او تشّتد، بحقهم ، الا بعد ان اصبحوا في مأمن من ان تطالهم هذه السلطات !
لكن السيد رئيس الوزراء ، نوري المالكي ، لايوّجه اصابع الاتهام او التهديد ، هذه المرّه ،لشخص واحد ،و انما الى نواب واطراف وكتل ، ويقول ان لديه معلومات تفصّيلية عن  العمليات الارهابية وكيفية تنفيذها وبأي هوّيات وتسهيلات رسمية وباية عجلات ومن ينقل ومن يمّول ومن يغطّي ومن يفّخخ !! غير انه يخشى من ان كشف هذه الوقائع او الملفات قد يودي بالعملية السياسية ، التي يخاف عليها ، ويخشى على اطرافها ، من الاشتباك بالايدي والقبضات . وحين يدرك ان هذا الامر هيّن وان العراك والاشتباك بالايدي يمكن ان يحصل في ارقى البرلمانات، وليس من المعقول ان يكون سببا لاخفاء والتستر على جرائم كبرى  ، يضيف ، ان الدنيا ستنقلب !! ترى  مالذي يقصده المالكي بهذا القول ؟ ومن سيقلب الدنيا ؟
لقد بيّن المعنيون بشؤون السياسة والقانون والاعلام ، منذ اللحضات الاولى، مدى خطورة ما صّرح به السيد المالكي ، وما يترتب عليه من مسؤوليات سياسية واحتماعية و تبعات قانونية قد تقع تحت  توصيف الجرائم ، بل ان تداعياته مازالت تتسع شعبيا ولا تجد لها مسوغات او قبول، وهذا امر تناوله الكّتاب والسياسيون والحقوقيون على مدار الايام المنصرمه التي تلت بث اللقاء ، لكن كل  ما قاله المالكي  بصريح العبارة في  كفّة  ، وما لم يقله ، ولكن يمكن قرائته بوضوح ، كظل شاخص وامتداد طبيعي لاقواله ، في كفّة اخرى ، ربما اثقل بكثير .  فما الذي يمكن قرائته ، حقا ، في هذا الشأن ؟!
السؤال الاهّم الذي يتبادر الى الذهن، هو ما تستثيره عبارة المالكي ” ستنقلب الدنيا … ”  ، ترى من سيقلب الدنيا ؟هل هم العراقيين البسطاء من ضحايا الارهاب والمفخخات ؟ ماهي وسيلة هؤلاء لقلب الدنيا، حقا ، ماهي قدراتهم الفعلية ، القائمة الان ، وفي هذه  الظروف ، على قلب الدنيا ؟ وهل يخشى السيد رئيس الوزراء او اطراف العملية السياسية من ردّة فعلهم ، حقا ، وهم الذي كانوا ، ومازالوا، وليمة مرعبة ، للمفخخات والتفجيرات والقتل على الهوية والتهجير طوال عشرة اعوام  ولم يقلبوا ، حتى، طاولة احد او يزحزحوا كرسيا لاحد ؟!  عشرات الجرائم والتفجيرات المروعّة التي ذهب ضحيتها الالوف من الابرياء ودمرت فيها ممتلكات عامة وخاصة دون ان “يقلب” احد منهم شيئا ، مطالبا ، بكشف نتائج تحقيق او تقصّي حقائق واقعة او الاعلان عن تفاصيل جريمة او الاحكام الصادرة بحق مرتكبيها !  ام ان ما سيقلب الدنيا هو التظاهرات السلمية المطالبة بالاقتصاص من السياسيين القتلة والداعمين للارهاب  التي يمكن ان تبادر اليها الجماهير او ذوى الضحايا احتجاجا؟  ان هذا الامر غير وارد اذ ان وسائل الاعلام تنقل ، في كل مرة ، واثر كل مجزرة ، احتجاجات الناس وتذمرهم وشكوكهم وحتى شتائمهم ، دون ان يبالي بها احد، ثم ان الفترة السابقة شهدت تظاهرات احتجاجية  ضخمة وتشهد اليوم ، محافظات كاملة  ، تظاهرات  اضخم  ، مستمرة منذ اشهر ، وترتفع خلالها، اضافة الى مطالبها الشعبية المشروعة ، بعض ، اصوات ومطالب قد تستغلها ، اجندات وجهات ، معادية للشعب العراقي ووحدته ،لاشعال حريق  يهدد وحدة البلاد وسلمها الاجتماعي ، لكننا لانرى ان السيد رئيس الوزراء ينظر اليها على انها  مما يقلب الدنيا !  اذن فهذا فرض ساقط ….
هل الخشية ، اذن ،من السياسيين انفسهم ،  ممن تعنيهم الملفات المحفوظة و من ردود افعالهم العنيفة والخطيرة ، والمروّعة ، التي يمكن ان….. تقلب الدنيا ؟ ما الذي يمكن ان يفعله هؤلاء اكثر مما تتضمنه هذه الملفات من جرائم ؟!  اذا كانوا سيفخخون ويفجرون او يقتلون فقد قتلوا وفجروا وفخخوا ولم تنقلب الدنيا  ومن سبقهم كانوا اخطر. وفي مواقع اهّم . ويملكون من اسباب القوة والدعم ماهو اكبر بكثير مما يملكه من تبقّى  . ناهيك عن ان المنطق يقول  انهم سيكونون في الموقف الاضعف ويمكن  تجريدهم ، في ضؤ ذلك ، ونتيجة لذلك ، مما يتمتعون به من حصانه وامكانات، وطلب احالتهم ، بكل بساطة ، الى القضاء . اذن من ……..سيقلب الدنيا؟!
اما الخشية من انهيار ” العملية السياسية ” فأية ” عملية سياسية ” هي المقصوده ؟ هل هي توافق الكتل والقوى السياسية المتنفذة  في الوقت الحاضر ،على  محاصصة معينه تتقاسم وتعيد اقتسام الكعكة بموجبها ، كل دورة انتخابية ، وفقا لموازين القوى الفعلية  بينها ،والمتغيرة باستمرار ، تبعا لعوامل السلطة والمال والنفوذ والدعم الخارجي؟؟  اذا كان هذا التوافق هو المقصود ، فهو ليس توافقا قلقا  فحسب ولا يستبطن صراعا ضاريا يعيد انتاجه بتناسب جديد، باستمرا ر ، فحسب، بل هو ،بالفعل،  تفكك لايمكن لّم شعثه واحتراب دام  لايمكن تسويته… وسائله ، هي كل وسائل الحرب الضروس التي لا تبقي ولا تذر ، من    اتهامات واكاذيب وتسقيطات واعلام زائف الى قتل واغتيالات وتفجيرات ودماء غزيرة واستعانة بقوى خارجية واالامتثال لاجندات معادية ! ! فاية عملية سياسية ، ديمقراطية، تداولية، تعددية، يخشى عليها ،اذن ، اذا كانت لها كل مواصفات الحرب الشاملة هذه ؟هل المقصود ان قوّة اوقوى مؤثرة ، ومرهوبة الجانب ، ستخرج عن  اطار هذا التوافق وتقلبه الى مواجهة ، مكشوفة ،شاملة تؤدي الى تفكك هذا الاطار وتشضيتهه بما يؤدي الى استحالة اعادة لحمته ؟! من هذه القّوة او القوى ؟ هل هي قوى وشخصيات ائتلاف العراقية السابق ،الدائرة في فلك السيد اياد علاوي والسيد اسامة النجيفي او العيساوي او غيرهم ؟هذه القوى كانت وماتزال في مواجهة ، شاملة ، بالفعل ، ومنذ  البداية ، مع السيد المالكي وحكومته ،  وقد اعلنوا اكثر من مرة انهم سينسحبون من العملية السياسية، برمتها ، فلم يبال بهم احد، وقيل لهم ” خّفة وراحة “! اذن فهؤلاء لايمكن ان يشكلوا التهديد المميت المقصود للعملية السياسية ، ولايمكن لهم ان يقلبوا الدنيا ، فمن يكون اذن ذلك التهديد الجسيم ؟! هل هم الصدريبن ، الذين اشار السيد المالكي اليهم ، تلميحا ، على انهم جزء من محور الشر ؟
 الحرب الكلامية مع هؤلاء مستعرة ، منذ البداية ، وحصلت معهم بضعة مواجهات مسلحة ، دامية ، ولم يشكلوا تهديدا قاتلا للعملية السياسية !!  يبقى ،في هذا الاطار التحالف الكردستاني، وامر  التوافق والاتفاق المستحيل معه  واضح وصريح ، بل ووصلت الامور الى التهديد بالمواجهة العسكرية الشاملة واعلان عدم المبالاة ، حتى ،بانفصال كردستان ، اذا اقتضى الامر . اذن فهذه القّوة ، الكبرى والمنظّمة ، ذات الامكانات  التي لا تقارن باي من قوى العملية السياسية ، هي الاخرى لاتمثل ذلك التهديد القاتل  والمهول ، بالنسبة للسيد المالكي ، للعملية السياسية !
نعود الى اسئلتنا الاولى ، والبسيطة غاية البساطة ،مالذي  ، او بالاحرى ، من ذا الذي ، يفرض على السيد المالكي ، هذا الصمت المريب، اذن  ، ازاء قتله ومجرمين وملفات مرعبة من هذا النوع ، لماذا يرتضي ، هو او غيره ، ان تكون ” العملية السياسية ” مباءة او قناعا لذبح ابناء الشعب العراقي وارهابه وكيف له ان يتحمل مسؤولية سياسية وتاريخية وقانونية، لاريب فيها، بالقبول ب والتوافق مع والسكوت عن مجرمين وجرائم ؟! ماهي مسوغات السكوت عن مئة وخمسين جريمة قتل ، توثّق فيها الاتهامات بل الوقائع ، ضد نائب ولا يصار الى الاشارة اليها وتفعّيلها ضده الا في وقت معين ، وبعد فتح شباك التسلل والهروب امامه ، من سّهل امر مغادرة المتهمين الاخرين ، بيسر وسهولة ومن المطارات والمنافذ الرسمية ، ثم اتهامهم بعد ذلك  او قبل ذلك ؟! يشير  منطق الاشياء ، تشير البداهة ،تشير الفطرة السليمة ، الى ان من يقلب الدنيا ويعصف بالعملية السياسية ويمكن ان يصفّي اطرافها ورموزها ويجعلهم اثرا بعد عين، ليس ايا من هذه القوى او الشخصيات وانما يمكن ان يكون  قوّة اكبر من المالكي واعظم من كل اطراف العملية السياسية ، عرّاب يجمع  بين اصابعه كل خيوط اللعبة ، يحدد لها خارطة الطريق والاطار الذي تجري فيه ومستوى  وادوات الصراع الذي تتضمنه ، وهويسمح  باشياء مروّعة ،كثيرة ،تجري ضمن اطارها وبايدي اطرافها ، ولكنه لايقبل بالضرب تحت الحزام ، فللعبة، بعد كل شيء ، قواعدها .
 ثمة وهم ّ قديم ،راود عقول البعض  ، من القدامى ، ويراود عقول ، البعض ، من المحدثين ،  هو انه يمكن للمرء بقليل او كثير من الدهاء، ان يخدم سيّدين معا ، او ان  يلعب لمصلحته  ضمن الهامش المحدود الذي يتيحه عرّاب اكبر .  وانه ،  بالامكان ، بشيء من الشطارة ، السّير على ذلك الخيط الرفيع الذي يفصل مصالح  وارادات متعارضة . لكن التاريخ ، والوقائع المشهودة ، قديمها وحديثها ،  تفيد ، بما لايقبل الشك ، ان من  يقبل  ان يكون طرفا في اللعبة ، عليه ان يمضي بها الى  نهاية الشوط ، عليه ان يسير الى الجلجلة ، او كما يقول العراقيون ،  يسلك درب “الصّد ما رّد “…. وقديما ،ادرك ، عبد المحسن السعدون ، ذلك متاخرا ، واودع رصاصة في رأسه بعد ان كتب  “لم  يعد يمكنني التوفيق بين ارادة الامة وارادة الانكليز”   !!