“حكايات من الماضي الجميل” عنوان جميل لكتاب يحمل عبق الماضي التليد، جمع حكاياته الأستاذ الكاتب يلماز بك اوغلو. هذا الكتاب الذي يختلف عندي عن باقي الكتب لتميزه بشيء فريد. الكتاب كتبه أستاذي الفاضل الأستاذ يلماز شكور سعيد بك اوغلو معاون إعدادية كركوك عندما كنت طالباً فيها نهاية ثمانينات القرن الماضي. ليس هذا فحسب، بل للكتاب خصوصية نادرة أخرى بالنسبة لي، حيث استذكار الأستاذ لطالبه وإهدائه ثمرة جهده مؤرخاً في 14/6/2021 ومزيناً بالتوقيع ومضيفاً عليه جملة تقول
“عزيزي محمد هاشم.. مع تحياتي”.
وللتواصل كان الأستاذ قد أضاف رقم هاتفه الخاص.
المعنى كان كبيراً جداً، حيث الأستاذ الذي ما زال يحتفظ في ذاكرته بطالب كان قد درس عنده قبل أكثر من 32 عاماً. الأمر الذي كان له وطأته الكبيرة في نفسي وبعث فيّ مشاعر لا توصف. الحقيقة لا أتمكن من إيجاد الكلمات التي تسعفني في التعبير عن المشاعر الجيّاشة التي أحاطت بي بعد أن استلمت الكتاب من أخي سنان ولما أحاطني به الأستاذ من إهتمام.
التجول بين صفحات هذا الكتاب لا يقل متعة عن التجول في المناطق القديمة التي شهدت هذه الحكايات، والتي كانت مسرحاً لأحداثها ومعرضاً لشخوصها. الكتاب فيه عودة إلى شيء من ذاك الماضي الجميل، وكأنني أشتم رائحة خاصة صو وأسلم على أراوحٍ سكنت محلة جقور وصارى كهيه وتسعين القديمة (اسكى تسين).
الكتاب الذي قدمه مشكوراً الأستاذ الكاتب محمد خورشيد قصاب اوغلو، وهو من كتب في المقدمة تعريفاً شافياً عن فكرة طبع الكتاب وشيئاً عن الكاتب. والكاتب محمد خوشيد قصاب اوغلو كانت له تجربة جيدة في هذا المجال عندما كتب عن محلته صارى كهيه وعرفنا بها وبمن سكنها. فهو الصائغ الذي يعي جيداً قيمة الذهب والذي عمل على جمع ما قد كتبه الأستاذ يلماز بك اوغلو ومن ثم تقديمه إلينا في هذا الكتاب الذي يشير إشارة واضحة إلى حجم الوفاء الذي يكنه الكاتب في صدره لماضيه وناسه الذين عاش بينهم وفي كنفهم.
ما أن أنهيت قراءة حكاية، حتى تلهفت لمزيد من الحكايات وإنتقلت شوقاً إلى الصفحة الأخرى. 470 صفحة، كل صفحة فيها تحمل معلومة وقصة. جهدَ الكاتب في سردها وإيصالها إلى عنصر التشويق. الجميل في الكتاب إنه كتبَ على الفطرة لا على التصنّع وتغليب كفة على أخرى. إنها شهادة من شاهد عيان على ما عاشه الناس في هذا المكان في سابق العهد والزمان. كتب ما شاهد ونقل الينا الصور بأروع أشكالها، حتى أنه حلق بنا عالياً في سماء الماضي بجولة في أحياء المصلى وبيريادى وإمام عباس، لنشم معاً رائحة كروان اشى وايتلى اكمه ك وجزلاغ اكمه كى وسوزمه بيلاو المنبعثة من مطابخ أمهاتنا في تلكم الأيام.
المهتم بتأريخ مدينته كركوك ومناطقها التي نسجت حكايات الكتاب، بإمكانه الاطلاع على ما جرى في الماضي والتعرف على الشخوص. من الحمامات إلى المقاهي والمدارس ومن المعتقدات والتقاليد إلى الحكايات التراثية وحكايات العمّة قدريّة والمجنون بهجت. بإمكان القارئ التعرف على أقدم المهن ومن امتهنها، مثل الحلاقون والجزارون (القصابة) والختان والصفارون والمكوجية والجولحجية وغيرها.
الحقيقة أن الكتاب زاخر بالأمثلة التي تستحق الإهتمام والقراءة. وبهذا التقديم الموجز ليس لي إلاّ الاعتذار لأستاذي يلماز بك اوغلو عن البساطة والاختصار في سردي هذا. فلست ضليعاً لأنقل كل ذاك الطعم اللذيذ من الكتاب كما أحسسته أنا. أترك الباقي لتلذذ الأخوة القراء الذين أوصيهم بإقتناء الكتاب. فالماضي الجميل قد انعكس بكل جماله على روح الكاتب الذي حاول إحصاء الجمال.