23 ديسمبر، 2024 9:57 ص

مازال حزب ثورة أيلول في أقوى مراحله

مازال حزب ثورة أيلول في أقوى مراحله

عندما نريد أن نتحدث عن ثورة أيلول 1961، ونفهم ونفسر الأحداث التي رافقت تلك الثورة ومستوى تأثيرها على الكوردستانيين، لابد أن نتحدث عن البريطانيين الذين شكلوا على عجالة كياناً سموه العراق، ودمجوا فيه ثلاث مكونات غير متجانسة، وإستوردوا له ملكاً من الخارج ظناً منهم أن العراق من أقصاها الى أقصاه لا يمتلك رجلاً يستحق أن يصبح ملكاً، أو إمرأة لتصبح ملكة. ولابد ان نؤكد أنهم ( أي الإنكليز) أرادوا عدم الإستقرار وفقدان الأمن والسلام في هذا البلد، لذلك لم يضعوا له دستور أو عقد سياسي وأجتماعي منطقي يخلق نظاماً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً جامعاً لكل مكوناته، ويبعد عنهم الحالات المليئة بالخوف من الآخر على مصيره.

لقد عاش الذين دُمجوا داخل هذا الكيان الجديد في أزمات مركبة أفشلتهم في بناء طبيعي لمفهوم المواطنة وتأسيس (دولة المواطن). وخاضوا صراعات مريرة لإزالة الآثار السلبية للدمج القسري بينهم، وتصحيح حالات الخلل التي عمت مناطقهم. كما إحتفظ كل طرف بمفاهيمه وتوجهاته وتوجساته الخاصة خلال تعامله مع القضايا الوطنية وسعى لتوالمها مع مصالحه، إما خوفاً من العنف والاقصاء والتهميش أو طمعاً في الغلبة والجلوس في أعلى هرم السلطة.

الكورد، وجدوا أنفسهم مظلومين، وأن جميع الذين تناوبوا على حكم العراق، يريدون منهم الرضوخ والإستسلام للأمر الواقع، والقبول بالباطل المرير ومحاولة هضمه. وبعد ثورة تموز 1958، تنفسوا الصعداء وتوقعوا خطوات ومبادرات تمهد لعلاقات صحيحة بينهم وبين غيرهم. ولكن عدم الإهتمام بمفهوم الدولة والإعتدال ومقتضيات الأمن والإستقرار والإعمار، أو إرادة التوازن الوطني الذي لم يبلغ يوماً المستوى المرغوب، والتمركز والتمترس خلف الهوية الشوفينية والتأرجح بين القبول بالتعايش السلمي ورفضه، تسببت في خلق اختلالات كثيرة في كافة جوانب الحياة، وغلبة طرف على حساب الآخرين، ومهدت للتفكير بخُطىً متسارعة لحكم العراق بالقوة والسلاح، وتعميم الفوضى ومحاربة الكورد بوتيرة السيطرة والخراب.

ورداً على المذكرة التي رفعت من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة الخالد مصطفى البارزاني الى حكومة بغداد، والتي كانت تتجسد في الإلتزام بالدستور وسيادة القانون والحفاظ على القيم الديمقراطية وحقوق الانسان وعدم إساءة معاملة السجناء، وعدم التناقض مع المبادىء والالتزامات والعهود التي أعلنت بعد ثورة تموز، جاء الرد العراقي عبر اللجوء السريع الى مغامرة سيئة، وإعلان حرب لا يمكن الفوز بها. لذلك فقد الكورد ثقتهم بالرهان على الحلّ السياسي الوطني، خاصة وأن الكثيرين كانوا يشاهدون الفضائع الحكومية ويصابون بالتخرسن والذهول والتخاذل. لذلك توجهوا مرغمين نحو خيار التصدي والمقاومة العسكرية وحمل السلاح ضد الإستبداد. وإعتمادا على إمكانات بسيطة ومحدودة، إنطلقت ثورة أيلول في (11/ أيلول/ 1961). وقاد الحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة الخالد مصطفى البارزاني الثورة نحو وجهتها الصحيحة على أسس متينة بعيدة عن العصبية والإنفعالات وعادات أخذ الثأر ومجافاة الحقائق، ورفعت شعار (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان)، وعلمت المشاركين فيها الإنضباط والإنحياز التام للشعب، والمشاركة القوية في المعارك، وكتابة تأريخ ملىء بالمآثر النضالية. كما أصبحت ملاذاً آماناً للمضطهدين العراقيين، وبنت بشموخها أساساً للتفاهم والتشاور الاستراتيجي الأخوي بين مكونات كوردستان، كما كسرت إرادة الأعداء وإرغمتهم على الإعتراف بحقوق الكورد المشروعة في آذار 1970.

وختاماً: وفي الذكرى السنوية الستين لإنطلاق ثورة أيلول، لابد أن نقول أن الحزب الذي فجر تلك الثورة وقادها بإقتدار وتفان، ولم يدخر جهداً في سبيل نيل الكوردستانيين عموماً لحقوقهم المشروعة، هو الآن في أقوى مراحله.