22 ديسمبر، 2024 11:05 م

مارلين روبنسون: “غياب العقل”:السوبر عقلانية في مواجهة السوبر عنصرية

مارلين روبنسون: “غياب العقل”:السوبر عقلانية في مواجهة السوبر عنصرية

 تفضح الكاتبة والباحثة في الفلسفة مارلين روبنسون نموذج ما وراء العلم الذي يدعي أن نتائجه علمية رغم أنها تعارض العلم وعقلانيته. من هنا, توضح هذه المقالة فلسفة العقلانية وتنوع مذاهبها لترينا المواجهة الأخيرة والحاسمة بين السوبرعقلانية والسوبرعنصرية. 

العلم في مواجهة ما وراء العلم

     تميّز روبنسون بين العلم وما وراء العلم في كتابها “غياب العقل”. بالنسبة إلى ما وراء العلم, المعرفة العلمية كاملة ومكتملة ما يتضمن الاعتبار الكاذب بأن لدينا الأجوبة الصحيحة والمطلقة والنهائية على أسئلتنا العلمية وخاصة المتعلقة بالطبيعة الإنسانية. وهذا النموذج الفكري الجديد المتمثل في ما وراء العلم يعتمد على النظريات العلمية المعاصرة و يستنتج منها نتائج غير علمية بالضرورة ويدعي أن نتائجه علمية ومطلقة في صدقها. لكن هذا الموقف يعارض العلم الحقيقي بشدة علماً بأن العلم يتميّز بالنقد الذاتي المستمر. فالعلم عملية تصحيح دائمة حيث النظريات تُستبدَل بنظريات أخرى عبر تاريخ العلوم ما يشير إلى أن العلم لا يدعي امتلاكه للحقيقة المطلقة غير القابلة للنقد والتغيير ولا يدعي امتلاكه للكلمة الأخيرة والنهائية حول ما هو الكون والإنسان. وهذا يضمن علمية البحث العلمي وعدم سجنه في يقينيات محدّدة. بل العلم وسيلة ناجحة جداً في البحث عن الحقائق بدلاً من أن يكون يقيناً ثابتاً لا يقبل التغير والتطور. فمثلا ً, لم يتوقع أحد من العلماء أن تمدد الكون يتسارع وأن نسبة تسارعه تتسارع أيضاً. هكذا الكون يفاجئنا بحقائقه ما يلزم العلم أن يكون عملية بحث مستمرة عن الحقيقة وأن لا يدعي اكتشاف الحقائق النهائية والمطلقة. وهذا خلاف ما يقول ما وراء العلم وأتباعه الذين يستنتجون نتائجهم على ضوء النظريات العلمية الحالية ويصرون على أن نتائجهم الفكرية هي نتائج علمية مطلقة وثابتة رغم أن نتائج ما وراء العلم كاذبة في معظمها لأنها لا تراعي مبادىء العلم المتجسدة مثلاً في النقد الذاتي المستمر وعدم ادعاء الوصول إلى نتائج علمية يقينية ومطلقة في صدقها وغير قابلة لاستبدالها بأخرى. فثمة فرق بين العلم وما من الممكن الاستنتاج من العلم لأننا قد نستنتج آراء مختلفة ومتعارضة منه؛ فمثلاً دقة النظام في الكون والجسد البيولوجي قد تكون دليلاً على عظمة الخالق أو على عظمة الانتقاء الطبيعي الدارويني المطبق في البيولوجيا و علم تكوين الكون.وبما أن ما وراء العلم يقول إن نتائجه فقط هي العلمية والثابتة واليقينية, إذن هذا الاتجاه ,كما تؤكد روبنسون,يصر على الفكرة الخاطئة التي مفادها أن كل المذاهب والآراء المعارضة لنتائجه غير عقلانية ولا يقبلها عاقل. من هنا,  هذا الموقف المغالي يحتكر العقلانية ويجرّد الآخرين المقتنعين بنتائج أخرى من إنسانيتهم (Marilynne Robinson : Absence of Mind. 2010. Yale University Press ).

    تورد المفكرة روبنسون أمثلة عدة على مواقف ما وراء العلم غيرالعلمية. فمثلاً, اتجاه ما وراء العلم يدعي أن النظرية العقلانية الوحيدة في العقل هي أن العقل مجرد الحالات الفسيولوجية في الدماغ , وبذلك يتغاضى عن دراسة العقل كتجربة محسوسة ويقصي التجارب الشخصية والمشاعرية المختلفة من فرد إلى آخر ما يمثل تغييباً للعقل البشري المعاش. لكن الموقف العلمي السليم يكمن في اعتبار أن ما هو العقل وبذلك من هو الإنسان  ما زال سؤالاً مطروحاً يحاول العلماء الإجابة عليه بفرضيات عدة ومختلفة علماً بأن لا يقينيات مطلقة في العلم. مثل آخر على لا علمية نموذج ما وراء العلم هو التالي : ينطلق ما وراء العلم إلى استنتاج نتائج عامة عن طبيعة الإنسان مستنداً إلى نظرية داروين في الارتقاء والانتقاء الطبيعي وتصوّرها للإنسان البدائي و احتمال تطوره من قرد متناسياً التطور الذي أصاب الإنسان عبر تاريخه الطويل و مقصياً عوامل أساسية كالثقافة التي حوّلت الإنسان وجعلته مختلفاً بشكل كبير عن أصله التاريخي. من هنا, تؤكد روبنسون على أن استنتاج ما وراء العلم بأن الإنسان مجرد قرد متطور هو إستنتاج خاطىء. وهو كذلك لأن ما وراء العلم لم يدرس أبعاد الإنسان المتنوعة واكتفى بالأصل التاريخي المحتمل للإنسان لكي يبني استنتاجاته. هكذا الانتقال من فرضيات علمية لا يقينية بطبيعتها إلى نتائج يقينية كما اعتبار من لا يعتقد بتلك النتائج غير عقلاني لا يمثل العلم ولا العقلانية( المرجع السابق). على هذا الأساس, لابد من طرح السؤال الأساسي : ما هي العقلانية؟   

تهافت المذاهب الفلسفية

     جرى التمييز عادة ً بين العقلانية الأداتية والعقلانية المعرفية في الفلسفة وعلم النفس. فبينما العقلانية الأداتية هي القيام بالأفعال المفيدة والمناسبة لتحقيق أهداف الفرد, العقلانية المعرفية هي امتلاك معتقدات صادقة ومطابقة للواقع ومنطقية ومنسجمة ( Thomas Kelly: Epistemic Rationality as Instrumental Rationality. May 2003. Philosophy and   Phenomenological Research. Vol. LXVI, No.3  ). لكن هذه المحاولة لتعريف العقلانية هي محاولة فاشلة لأن العديد من البشر لا ينجحون في تحقيق أهدافهم ورغم ذلك هم عقلانيون كما أن الكثير من الناس لا يعلمون مبادىء المنطق كافة ويخرقون بعضاً منها في وقت ما أو آخر و لا تكون معتقداتهم منسجمة بشكل كامل لعدم خبرتهم في ميدان المنطق والتفكير السليم ويبقون عقلاء. بالإضافة إلى أن الخلاف حول ما هي المعتقدات الصادقة ما زال قائماً؛ فهل المعتقدات العلمية أم الدينية هي الصادقة, وهل معتقدات نظرية النسبية لأينشتاين المعتمدة على الاعتقاد بحتمية العالم أم معتقدات نظرية ميكانيكا الكم المعتمدة على الاعتقاد بلا حتمية العالم هي المعتقدات الصادقة؟ بما أنه لا توجد آلية متفق عليها بين الجميع على تحديد ما هي المعتقدات الصادقة, إذن إلزام الفرد بامتلاك معتقدات صادقة لكي يكون عقلانياً يجعلنا غير قادرين على تحديد من هو العقلاني ما يخالف هدف تعريف العقلانية على أنها كامنة في امتلاك معتقدات صادقة. كما أن كل إنسان منا لديه بعض المعتقدات الكاذبة في مراحل عديدة من حياته  ( وإلا كان معصوماً عن الخطأ ) و رغم ذلك نبقى عقلانيين. على أساس كل هذا , نفشل في تعريف العقلانية من خلال الأفعال الملائمة لتحقيق الأهداف ومن خلال المعتقدات الصادقة أو المنطقية والمنسجمة. تنوعت المذاهب الفلسفية في تحليل العقلانية , لكنها تلقى المصير السابق نفسه.

     من هذه المذاهب مذهب المفكر روبرت نوزك. بالنسبة إلى نوزك, العقلانية آلية تكيف مع المحيط الطبيعي كالصفات الأخرى للإنسان, وبذلك لديها وظيفة محدودة ألا وهي إبقاء الحي حياً من خلال تجنب الضرر والاقبال على ما هو مفيد, وهذا ما يفسّر لماذا لم نتمكن من حلّ بعض المشاكل الفلسفية بطريقة عقلانية متفق عليها بين الجميع كمشكلة الاستقراء. يقول نوزك إن المعتقد العقلاني هو المعتقد المدعوم بأدلة تؤكد على صدقه, وهو نتيجة آلية تنتج معتقدات صادقة. من هنا, ثمة مبدآن للعقلانية هما : أولاً, عدم الاعتقاد بما هو أقل في معقوليته من اعتقاد آخر, وثانياً ضرورة الاعتقاد بالمعتقد الذي إفادته أكبر من عدم الاعتقاد به. على هذا الأساس يستنتج نوزك أن القرار العقلاني هو الذي يفيدنا بشكل أكثر من غيره أي هو الذي يؤدي إلى نتائج مفيدة على ضوء ما نتوقع حدوثه وما من الممكن أن نفعل وما يعني لنا فعله  (Robert Nozick : The Nature of Rationality. 1994. Princeton University Press ). لكن ما يفيدنا مادياً ومعنوياً نسبي يختلف من فرد إلى آخر تماماً كما أن الأدلة على صدق المعتقدات نسبية تختلف من شخص إلى آخر؛ فمثلاً نجاح النظريات العلمية في تفسير الكون بالنسبة إلى بعض الفلاسفة والعلماء دليل على صدقها بينما بالنسبة إلى فلاسفة وعلماء آخرين دليل على أن النظريات العلمية مقبولة فقط وليس بالضرورة أن تكون صادقة. وبما أن ما هو مفيد نسبي كما الأدلة نسبية وتختلف بين الأفراد, إذن تعريف العقلانية من خلال الإفادة وحيازة أدلة على المعتقدات لا يحدّد لنا ما هي العقلانية ,وبذلك تفشل نظرية نوزك في تحديد كل من المعتقد العقلاني والقرار العقلاني. أما المفكر دونالد ديفدسون فيعتبر أن الطريقة الوحيدة من أجل فهم الآخر كامنة في اعتبار أن معظم معتقداته صادقة أو عقلانية وشبيهة بما نعتقد. فلو كانت معتقدات الآخر غير صادقة أو غير عقلانية وليست شبيهة بمعتقداتنا , حينئذٍ لن نتمكن من فهمه والتفاهم معه وبذلك ليس لدينا حجة على أنه يملك عقلاً أصلاً (Donald Davidson: Inquiries into Truth and Interpretation. 2 edition. 2001.Oxford University Press ). لكن هذا الموقف يؤدي إلى نتيجة أنه إذا وجدنا شخصاً مختلفاً كلياً في معتقداته عنا وبذلك معتقداته غير صادقة أو غير عقلانية بالنسبة إلينا, إذن هذا الشخص فاقد للعقل ما يجرّده من إنسانيته. وهذه نتيجة غير موضوعية ولا علمية ومرفوضة أخلاقياً.    
 
   أما بالنسبة إلى المفكر روبرت براندم فالعاقل هو الذي يتم تقييم أفعاله على ضوء ما يجب أن يفعل. هذا يعني أن تكون عقلانياً هو أن تكون عرضة للأحكام الأخلاقية. فالعقلاني هو الذي تقيّم أسباب تصرفاته , وهو الذي لابد أن يملك أسباباً لما يفعل ,وهو الذي يجب أن يتصرف على أساس ما يمتلك من أسباب ومبررات للقيام بهذا الفعل أو ذاك. العقلانيون, بالنسبة إلى براندم, هم الذين لديهم واجبات معينة ومسموحات وممنوعات, و هم الذين تتم محاكمتهم على ضوء الواجب والمحرّم والمسموح القيام به. من هنا, يعتبر براندم أن العقلانية مفهوم أخلاقي لا يُفهم سوى من خلال ما يجب فعله. ففضاء المعتقدات أي الأسباب التي تدفعنا إلى القيام بأفعالنا فضاء أخلاقي لأنه معرّض للمدح أو الذم. هكذا العقلاني هو الذي يتلقى التهنئة أو التوبيخ على أفعاله كونه مسؤولاً عما يفعل بمجرد أنه عقلاني ( Robert Brandom : Reason in Philosophy. 2009. Harvard University Press ). لكن نظرية براندم تعاني من مشكلة قاتلة ألا وهي أنها تقع في الدور المرفوض منطقياً. بالنسبة إلى نظريته, العقلاني هو الذي من المتاح أخلاقياً مدحه أو ذمه و تهنئته أو توبيخه على ما يفعل لأنه مسؤول عما يفعل. وبذلك تم تحليل العقلانية من خلال المسؤولية الأخلاقية والقانونية وما يترتب عليها من مدح أو ذم وثواب أو عقاب. لكن المسؤول عن أفعاله هو الذي يملك صفة العقلانية؛ فإن لم يكن الفرد عقلانياً لن يكون حينها مسؤولاً عما يفعل. وبذلك المسؤولية الأخلاقية أو القانونية محلّلة من خلال العقلانية. الآن, بما أن نظرية براندم تعرّف العقلانية من خلال المسؤولية بينما المسؤولية كما رأينا لابد من تعريفها من خلال العقلانية, إذن نظرية براندم تعرّف العقلانية من خلال العقلانية وبذلك تسقط في الدور كتعريف الماء بالماء. كل هذا يرينا تهافت المذاهب الفكرية المختلفة في محاولة تحليل العقلانية ما يدعم موقف السوبر عقلانية القائل بأنه من غير المحدّد ما هي العقلانية.

جدل العقلانية والعنصرية

     العنصرية هي التعصب لعرق معين ضد الأعراق الأخرى والنظر إليها على أنها أقل في إنسانيتها أو فاقدة لإنسانيتها بينما السوبر عنصرية هي التعصب لمعتقدات معينة ضد المعتقدات الأخرى المختلفة عنها والنظر إلى معتنقي هذه المعتقدات الأخرى على أنهم لا يتصفون بالصفات الإنسانية الأساسية أو أنهم فاقدون لإنسانيتهم. لقد عانت البشرية من العنصرية التي أدت إلى استعباد شعوب بأسرها , لكننا اليوم نواجه مرحلة جديدة هي مرحلة السوبر عنصرية حيث نعامل الآخرين المختلفين عنا في معتقداتهم معاملة دونية وننظر إليهم على ضوء أن إنسانيتهم غائبة عنهم. مثل ذلك أن المثقف علمياً يعتبر المؤمن بالدين ومعجزاته خاسراً لإنسانيته الكامنة في التفكير المنطقي والموضوعي بينما المؤمن بالدين ورواياته يعتبر المؤمن بالعلم فقط فاقداً لإنسانيته القائمة في التسليم بقوى فوق الطبيعة متفوقة عليه. من هنا أيضاً, يمسي المثقف علمياً أو فلسفياً مدعياً بأنه يملك العلم وبذلك خاسراً لإنسانيته الكامنة في امتلاك المعرفة بالنسبة إلى معظم المتدينين الذين يعتبرون أن العلم الحقيقي موجود في كتب هذه الديانة أو تلك.  أما من وجهة نظر معتنق العلم أو التفكير الفلسفي فيغدو المتدين مدعياً بأنه يملك العلم وبذلك خاسراً لصفة إنسانية أساسية ألا وهي صفة امتلاكه للمعرفة. هكذا يصبح الطرفان المتصارعان فاقدين لإنسانيتهم. وفي هذا أوضح تجليات السوبر عنصرية. لكن لماذا أمسى معظمنا سوبر عنصرين على النحو السابق؟ يكمن الجواب في أن معتقداتنا العلمية أو الفلسفية أو الدينية أصبحت يقينيات بالنسبة إلينا ولذا لا تقبل الشك والمراجعة والتصحيح ما يحتم اعتبار المعتقد بمعتقدات مختلفة عن معتقداتنا خاطئاً في كل ما يعتقد وبذلك لا يوجد برهان على امتلاكه لعقل أصلاً. هكذا نجرّد المؤمن بمعتقدات مختلفة عن معتقداتنا من أي بعد إنساني وبذلك نمارس أقصى أنواع السوبر عنصرية ضد بعضنا البعض. لكن لماذا تحوّلت معتقداتنا إلى يقينيات بالنسبة لنا؟ بما أننا نعتقد بأن العقلانية كامنة في صفات محدّدة كصفة أن تكون معتقداتنا صادقة بالنسبة مثلاً إلى العلم أو الدين , وبما أننا نعتبر أن معتقداتنا هي تلك المعتقدات الصادقة الضامنة لحصولنا على صفة العقلانية فصفة الإنسانية , إذن من الطبيعي أن تغدو معتقداتنا يقينيات بالنسبة إلينا فلا تقبل النقد والمراجعة والاستبدال لأن من خلالها نكتسب عقلانيتنا فإنسانيتنا. من هنا , عدم تحديد العقلانية يحررنا من اليقينيات فمن ممارسة السوبر عنصرية.

     لابد من التمييز بين العقلانية والسوبرعقلانية. بالنسبة إلى العقلانية كمذهب فكري , ثمة صفات معينة من الضروري أن يتصف بها الإنسان كي يكون عقلانياً كصفة أن تكون معتقداته صادقة أي مطابقة للواقع. أما السوبرعقلانية كمذهب فكري معارض للمذهب الأول فتؤكد على أنه لا توجد صفات معينة لابد للفرد أن يتصف بها ليكون عقلانياً. بكلام آخر, تعتبر  السوبر عقلانية أنه من غير المحدّد من هو العقلاني وما هي صفاته. بما أن الفلسفة العقلانية تقول إنه توجد صفات محددة يجب على الفرد أن يتحلى بها لكي يصبح عقلانياً , إذن أي فرد لا يملك تلك الصفات هو غير عقلاني وبذلك هو فاقد لإنسانيته الكامنة في العقلانية. هكذا تؤدي العقلانية بهذا المعنى إلى التمييز السوبرعنصري بين البشر وتجريد بعض الناس من إنسانيتهم. فمثلاً, إذا كانت العقلانية قائمة في امتلاك معتقدات صادقة بمعنى مطابقة للواقع , إذن الأشخاص الذين يملكون معتقدات مفيدة في الاستمرار في مجتمعاتهم من دون أن تكون صادقة هم غير عقلانيين , وبذلك يفتقرون الى صفة إنسانية أساسية ألا وهي العقلانية. أما إذا كانت العقلانية كامنة في امتلاك معتقدات مفيدة اجتماعياً رغم أنها غير صادقة , إذن الأفراد الذين يعتقدون بمعتقدات صادقة بدلاً من أن تكون مفيدة اجتماعياً هم غير عقلانيين وبذلك هم أقل مستوى في إنسانيتهم. على ضوء هذه الاعتبارات, أي تعريف يحدّد العقلاني وصفاته سيجرّد بعض الناس من إنسانيتهم على أساس ما يعتقدون وبذلك سيمارس السوبرعنصرية ضد بعض البشر. لذا من الأفضل القبول بالاتجاه السوبر عقلاني الذي يتجنب السوبر عنصرية وما تتضمن من إلغاء لإنسانية بعض الناس. فبالنسبة إلى السوبر عقلانية, من غير المحدّد من هو العقلاني وما هي صفاته, وبذلك يستحيل التمييز بين الناس واعتبار بعضاً منهم عقلانيين والبعض الآخرغير عقلانيين وفاقدين لإنسانيتهم. من هنا, السوبر عقلانية تضمن عدم ممارسة السوبر عنصرية. على هذا الأساس, المواجهة بين السوبر عقلانية والسوبر عنصرية واقعة لا محالة. فبينما السوبر عنصرية تلغي إنسانية بعض الناس على ضوء امتلاكهم لمعتقدات مختلفة عن معتقداتنا , السوبر عقلانية تؤكد على عقلانية كل البشر الأسوياء بفضل إصرارها على أنه من غير المحدّد من هو العقلاني ما يقضي على إمكانية الحكم على بعض الناس بأنهم غير عقلانيين وبأنهم فاقدون لإنسانيتهم. وبذلك لا مفر من الصراع بين السوبر عقلانية والسوبر عنصرية. هل ستنتصر السوبر عقلانية أم السوبر عنصرية؟ وحدهم الذين سيحيون في المستقبل سيعلمون.