17 نوفمبر، 2024 11:37 م
Search
Close this search box.

ماذا ينتظر الامم المتحدة؟

ماذا ينتظر الامم المتحدة؟

الامم المتحدة، الوريث الطارئ او الشرعي لعصبة الامم، ماذا ينتظرها في المستقبل المنظور او المتوسط المدى؟ سؤال ليس في غير اوانه وجواب ليس في جانب الاستحالة، الا ان معالجة اسباب سقوط عصبة الامم السابقة او الغائها، قد تلقي ضوءا على توقعات مستقبل الامم المتحدة الحالية طبقا لتوافق الاحداث في الحالتين او الظرفين، فالمقدمات المتشابهة تفضي الى نتائج متماثلة، ولما كانت معطيات ما بعد الحرب العالمية الثانية افرزت الامم المتحدة، فان مع معطيات جملة حروب ومتغيرات دولية كبيرة الحجم وكبيرة الاهمية معا، لا بد ان تفضي الى تغير رأسي حاد في الامم والامم المتحدة، وتغيرات افقية واسعة ولكنها ليست حادة في قاعدتها. اذاً في حالتي نشوء عصبة الامم المتحدة كان التغير العالمي الرأسي او القمعي هو الذي ادى الى ولادة هاتين الهيئتين.

انه الانتصار في الحروب الكونية اولا وظهور القوى المنتصرة بالزعامة المتفردة بوضوح، اذ لم تكن الولايات المتحدة من الاعضاء الدائميين في مجلس عصبة الامم بل كان الاعضاء ثلاثة بدلا من خمسة ثم اصبح العدد خمسة في هيئة الامم المتحدة باطار مجلس الامن من بينهم الولايات المتحدة. وفي التغيير القادم تتجه الانظار الى زيادة العدد بترشيح مرجع: المانيا او الهند او اليابان، اما الاحداث الكونية فتتجه الى تقليص العدد.

ولا غرابة موضوعية في ذلك بل طرافة تاريخية ان يتحكم من هو اقوى، وليس من هو اعظم في الحضارة والانسنة فالاقوى ينزعج من الاضعف عندما يشاركه القرار الواحد سواء من حيث التقرير ام الرفض والاضعف لا يستطيع مطاولة الاقوى في املائه رغبة على شكل قرار او قرارات، وهذه الجدلية ليست منطقية قياسية فحسب، بل هي واقعية سلوكية وسايكولوجية معا، في الافراد وبين الدول معا. لان القوي لا يطيق النظر الى من يترنح امامه ضعفا في الاقتصاد والسياسة والتكنولوجية والجيوبوليتك.. الخ ثم يقبل منه التطاول على قراراته او رغباته او ميوله، تلك سنة طبيعية بقدر وغير طبيعية بقدر، ولنقل انها صفة مكتسبة بالتجربة بقدر وموروثة بقدر.

في هذا العقد والى العقد القادم يبدو موقف روسيا القانوني في مجلس الامن وهو موقف مكتسب منذ انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، موقفا ليس كعقد الثمانينات او ما قبله، وان لغة السياسة الدولية اصابها الوهن وهي تتعثر على نحو لم نشهده من قبل، وان اللغة الاميركية السائدة الآن بلسان وزير خارجيتها ومساعديه ومخططي الستراتيجية الاميركية، والسلوك الدبلوماسي المنظم حيال روسيا، لا يوحيان مطلقاً بالتعامل مع روسيا كما لو كانت الاتحاد السوفيتي السابق بل لا يوحيان مطلقا التعامل مع روسيا بقليل او كثير. فالولايات المتحدة تتعامل معها ندا لندا بل كبير مع اصغر او الثري مع الفقير او حتى قوي ازاء ضعيف في بعض الاحيان.

ان مثل هذا التصور المستند الى احداث موفقة لا يعد خاتمة المواقف الاميركية بحال بل هو خطوة على الطريق، ولكن ما هي سمات هذا الطريق؟ هنا يضع المحلل الحصيف قلمه ليراجع الاحداث بدقة ويعيد رصفها واستقراءها بل حتى تتوجب اعادة استنباط اكبر عدد ممكن من الاستنتاجات او المؤشرات المستقبلية المهمة ولكن بدقة ومن دون تردد او تحفظ ومن ثم تبدو من غير خطأ. هنا استطيع القول ان العنجهية الاميركية عبر حلف شمالي الاطلسي ستفتح معركة سياسية في مجلس الامن في يوم ما تحت مقولة اعادة النظر في بنية مجلس الامن الدولي وعضوية هيئة الامم المتحدة، فالخطوة الاولى اعادة النظر خطوة مستقلة التغير، اما العضوية فغير مستقلة بل تابعة للاولى، فعندما تطرح جدوى احتفاظ مجلس الامن بعضوية دائمة خماسية من غير ان تكون للاعضاء قوة تأثيرية عالمية متكافئة او متوازنة او متداخلة او متكاملة فان ثورة عاطفية سياسية عالمية ستهب امام الولايات المتحدة مباشرة وربما بوجه الدبلوماسية البريطانية عرابة السياسة الامريكية من وراء الستار، ولكي تواجه الولايات المتحدة هذه الثورة ستهدد بطرد كل من يقف بوجه تقليص عدد اعضاء مجلس الامن والاعضاء الدائميين حصرا من الامم المتحدة نفسها عبر سلاح القوة والرشوة والحصار وقطع المساعدات ومضاربات الدولار واسقاط الانظمة… الخ وعندما تحتدم المعركة: (كيف يتم التقليص ومتى ولماذا) فان الصراعات الجانبية القارية والاقليمية في هذا الصدد لن تستطيع على الارجح مطاولة حلف الاطلسي في رغبته هذه، اذ هي رغبة اميركية صرف.

يبقى هناك موقف الصين، ولنتذكر او نذكر الآن بمن كان يقعد في مكان الصين الشعبية في مجلس الامن؟ او لم تكن تايوان باسم الصين؟ فكيف ازيحت تايوان وادخلت الصين؟ ومنذ رئاسة ريتشارد نيكسون؟ فان كان موقف الصين للشعبية القبل ثوريا الى الدرجة التي تهدد بالانسحاب من مجلس الامن اذا الغي كرسي روسيا من عضويته الدائمة فان الاميركان سيقولون لهم:

لكم ما تشاؤن، مع قليل من المجاملة على شكل ممانعة ومدارسة مداولة. اما اذا كان موقف الصين الصمت فلن يتعرض اليها احد، واما اذا حاولت التصدي بموجب النظام الداخلي لمجلس الامن فعند ذاك نكتسب مقالة ثانية لتحليل المستجدات، اما الامم المتحدة فستتغير حتما.

*[email protected]

أحدث المقالات