منذ عدة أشهر يتعرض إقليم كردستان الى عواصف عاتية بسبب الأزمة المالية المستفحلة التي وصلت الى حد لجوء حكومته الى تخفيض رواتب الموظفين مما أثر بشكل بالغ على الحياة المعيشية لأكبر وأفقر شريحة في المجتمع الكردستاني وهي شريحة الموظفين الصغار الذين لا مورد لهم سوى الرواتب التي يتسلمونها من الحكومة .
وفي خضم هذه العواصف المدمرة التي تهدد مستقبل كردستان ، تتجه الأنظار جميعها صوب بغداد لكي تقوم بواجبها في حماية هذا الكيان الدستوري من الإنحدار نحو الهاوية . وتجري في الفترة الاخيرة سلسلة من الإجتماعات غير المثمرة لحل المشاكل العالقة بين الإقليم والمركز ، لكن المؤسف أن تلك الإجتماعات لا تعدو سوى قتل المزيد من الوقت من جانب بغداد التي تحاول المماطلة والتسويف بشكل ممل لغرض في نفس يعقوب !.
نحن نعلم جيدا بأن المشاكل العالقة بين أربيل وبغداد وهي مشاكل تثير الصداع المزمن لا تحل بين ليلة وضحاها . ونعلم بأن الملفات العالقة وخصوصا الملف النفطي يحتاج الى مزيد من الوقت لمعالجته لاسيما وأن فسادا عظيما يشوب هذا الملف ، ولا نريد الخوض في تفاصيل هذه المشاكل لكي نحدد من هو على الحق ومن هو على الباطل ، لكن يحق لنا أن نتساءل ، ماهو دور بغداد في هذه المرحلة من حل الأزمة المعيشية الخانقة التي تعصف بمواطني كردستان ؟!.
فمعلوم أن بغداد أوقفت صرف حصة الإقليم من موزانة الدولة منذ عام 2014 في عهد نوري المالكي ، وألحق هذا الإجراء التعسفي ضررا بالغا فقط بالشرائح الدنيا من مواطني كردستان ، فرغم أن حكومة الإقليم صدرت ملايين البراميل من النفط لتوفير السيولة النقدية لدفع رواتب موظفيها ، لكن إنخفاض أسعار النفط بين فترة وأخرى وظهور جائحة كورونا قد أثرا تماما على إمكانيات حكومة الإقليم مما دفعها تحت ضغط كبير الى اللجوء لخفض الرواتب .
ولم تشفع التغييرات التي حصلت في الحكومة الاتحادية بإنتقال السلطة من المالكي الى العبادي ثم عبدالمهدي وأخيرا الى الكاظمي لحل تلك المشكلات العالقة . ولايلوح في الأفق ما يشير الى أن تغييرا جذريا سيحدث في مواقف السلطة الإتحادية الجديدة من تلك المشاكل ، فالمحادثات مازالت تراوح مكانها وليست هناك أية بشائر مشجعة بإنفراج الأزمة في القريب العاجل ، وعليه فإن من الطبيعي أن نتوجه باللوم الى ممثلي الشعب الكردي في السلطة الاتحادية بسبب موقفهم المتفرج من الأزمة المعيشية التي يعاني منها شعبهم في كردستان ، وأخص بهذا المقال الصديق الدكتور برهم صالح رئيس الجمهورية .
فعلى الرغم من معرفتي بأن صلاحياته الدستورية محدودة جدا ، إلا إنني أرى أن بإمكانه أن يقوم ببعض التحركات التي سوف تساعد على تجاوز الخلافات وحل المشاكل العالقة بين أربيل وبغداد .
فالمادة ( 67 ) من الدستور العراقي تنص على أن ” رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ، يمثل سيادة البلاد ، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور ، والمحافظة على استقلال العراق ، وسيادته ، ووحدته ، وسلامة أراضيه ، وفقاً لأحكام الدستور”.
وإستنادا الى هذا النص فإن من واجب رئيس الجمهورية أن يسهر على ضمان الإلتزام بهذا الدستور الذي تنتهك الحكومة الاتحادية العديد من نصوصه بوضح النهار.
ففي المادة (14) من الدستور العراقي جاء ” العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي ” .
فيما تنص المادة ( 15 ) : لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرارٍ صادرٍ من جهةٍ قضائيةٍ مختصة ” .
وتشير المادة (16 ) الى أن : تكافؤ الفرص حقٌ مكفولٌ لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك ” .
هذه ثلاث مواد واضحة وضوح الشمس التي تنتهكها رئاسة مجلس الوزراء الاتحادي دون أن يتحرك راعي الدستور وهو رئيس الجمهورية لوقفها !.
فأين المساواة بين العراقيين جميعا والحكومة الإتحادية تفرق بين موظفي البصرة والعمارة ، وبين موظفي أربيل والسليمانية ؟. وأين حق المواطن الكردي العراقي في الحياة والأمن والحرية ، والسلطة الاتحادية تصادر قوت أطفاله من دون أي وجه حق ؟!. وأين حق تكافؤ الفرص بين المواطن العربي والكردي ، والسلطة الاتحادية تحرم أكثر من خمسة ملايين من العراقيين من حصتهم الدستورية من موازنة الدولة ؟!.
طبعا أنا لا أريد أن أدخل في أسباب قطع ميزانية الإقليم من موازنة الدولة ، لأن هذه الأسباب معروفة ، والمسؤولية الكاملة تقع على عاتق حكومة الإقليم بسبب عنادها وفسادها الذي أدى الى هذا الإجراء ، ولكن اليوم هناك أزمة تطال الشرائح المعدمة التي تئن فعلا من الجوع ، وهذا مايستدعي أن يتدخل فخامة رئيس الدولة بكل ثقله لمعالجة ولو جزء من هذه الأزمة عبر ضمان إطلاق صرف رواتب الموظفين كمرحلة أولى لحل بقية المسائل . وأعتقد بأن الرئيس برهم صالح لديه علاقات قوية وجيدة مع جميع الأطراف السياسية في بغداد مما يؤهله للقيام بدور إيجابي بهذا المجال ، خصوصا مع رئيس الوزراء الحالي السيد مصطفى الكاظمي الذي هو بالأساس تسلم منصبه بدعم كامل من الرئيس صالح ، هذا بالإضافة الى ما يتوجب عليه من مسؤوليات دستورية .
ان قبول الرئيس برهم صالح أو سكوته عن المعاناة التي يعانيها شعبه في كردستان يثير سؤالا واحدا وهو ” ما جدوى وجود ممثلينا في بغداد إذا لم يستطيعوا أن يدافعوا عن حقوق أقرها لنا الدستور العراقي ؟؟؟ . ذلك هو السؤال الكبير ..