الجاهل لا يعلم أنه جاهل… وهذا هو لبّ المأساة.
هو لا يلبس الجهل كعار، بل يتدثّره كوشاح فخر،
يمشي به بين الناس،
ويعتقد أنه يعلم، ويفهم، ويرى…
بينما هو لا يرى سوى جدران صندوقه الضيق،
ولا يسمع سوى صدى صوته.
لكنه ليس دائمًا غافلًا.
في بعض اللحظات،
حين يلمح نورًا خفيفًا يتسلّل من شقّ في جداره،
يشعر بشيء لا يَعرف اسمه:
قلق؟ غربة؟ حيرة؟
إنه ذلك الوجع الخفي الذي يولده الشك الأول…
شكٌّ خافت يُربكه،
لكن بدلاً من أن يتبعه إلى المعرفة،
يقفله، ويعود إلى عتمته المعتادة.
الجاهل قد يشعر بالطمأنينة،
لكنها طمأنينة من لم يغامر بالخروج من بيته.
لا رياح، لا أمطار، لا انبهار.
كل شيء محفوظ ومكرر،
حتى الجهل نفسه.
وقد يشعر بالكبرياء،
لأنه في بيئته الصغيرة يبدو كبيرًا.
هو الأعلم في دائرة الجهل،
والأفصح بين الصامتين،
والأشد يقينًا بين من لا يسألون.
لكن حين تنهار هذه القشرة،
وحين يواجه الحقيقة،
تجيء لحظة الرعب.
في وجه مرآة المعرفة،
يرى نفسه عاريًا…
وحيدًا…
مُضللًا.
بعضهم يبكي، ثم يقوم.
وبعضهم يكسر المرآة،
ويصرخ في وجه النور: كذب! زندقة! خروج!
لذلك، فإن أخطر ما يشعر به الجاهل ليس الجهل…
بل الطمأنينة الزائفة،
والثقة الكاذبة،
والغضب الأعمى.
إنه لا يتألم لأنه لا يعرف،
بل لأنه لا يعرف أنه لا يعرف.