على الرغم من نجاح الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في تأسيس وترسيخ دعائم النظام السلطاني، يعاني هذا النظام من نقاط ضعف هيكلية وعضوية. إضافةً إلى ذلك، فإن تطوّره الداخلي أكثر حيوية بكثير مما يبدو عليه. هذا الوضع يمكن أن يوفّر (على نحو غير مقصود) فرصاً لإجراء إصلاحات، وظهور مجموعات سياسية واجتماعية جديدة، ونظام سلطاني ممزّق، ومشهد سياسي أكثر تعدّدية. وإذا لم تؤدّ هذه التغييرات المحتملة إلى زعزعة الاستقرار والاقتتال الداخلي، فإنها سوف تعود بالنفع على التطور الديمقراطي في الإقليم.
في الوقت نفسه، تمثّل نقاط القوة الأساسية للنظام، أي الشخصانية والسلالية، أكبر نقاط ضعفه. ذلك أن مركز النظام السلطاني هو الزعيم وليس المؤسّسات. وفي حين يسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على مؤسّسات الدولة، يتم اتّخاذ القرارات على أساس الأهواء الشخصية للزعيم وليس عبر تلك المؤسّسات. ويعاني كلا الحزبين من صراعات خطيرة على الخلافة تهدّد تماسكهما الداخلي ووحدتهما. وسيختلف شكل وحجم أي تغيير محتمل في الحزبين استناداً إلى هياكلهما وخلفياتهما المختلفة.
الحزب الديمقراطي الكردستاني أكثر مركزية ومؤسّسية من الاتحاد الوطني الكردستاني، وبالتالي تصرّف منذ وقت طويل باعتباره حزباً سلطانياً. ويصف الحزب الديمقراطي الكردستاني نفسه بأنه حركة تحرّر وطني، وتقوده أسرة البارزاني منذ تأسيسه في العام 1946. ويبدو مسؤولو الحزب الديمقراطي الكردستاني واضحين وصريحين بشأن حقيقة أنه لايمكن الفصل بين الحزب وأسرة البارزاني.27 لكن، في حين تتقبّل كوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني وناخبوه سلالة البارزاني، فهذا لايعني أنهم يوافقون على الفساد الذي يمارسه مسؤولون رفيعو المستوى.
على الرغم من أن مسعود البارزاني هو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني بلا منازع، فإن صراع الأجنحة موجود داخل الحزب. وثمّة صراع على السلطة بين ابنه البكر ومستشار مجلس الأمن، مسرور البارزاني، ورئيس الوزراء نيجرفان البارزاني (ابن شقيق مسعود) حول من يجب أن يخلف البارزاني الأب على رأس الحزب. ثمة القليل من المعلومات العامة المتاحة حول موقف مسعود البارزاني بشأن هذه المسألة، لذلك من الصعب التنبّؤ بكيفية تطوّر التنافس الداخلي.
يوضّح تعيين اثنين من القادة الأكراد في مناصب رفيعة في الحكومة الجديدة في بغداد، في أواخر العام 2014، الانقسامات التي تعصف بالحزب الديمقراطي الكردستاني. في البداية، تم تعيين روش نوري شاويس وزيراً للمالية، فيما تمت تسمية هوشيار زيباري نائباً لرئيس الوزراء. لكن شاويس رفض تولّي منصب وزير المالية. ويُزعم أن مسعود البارزاني دعم زيباري لتولّي منصب نائب رئيس الوزراء، بينما يقال إن نيجرفان كان يدعم شاويس لتولّي المنصب. وفي نهاية المطاف، تم تعيين شاويس نائباً لرئيس الوزراء.28
لعلّ مايعمّق هذه الانقسامات هو واقع أن السياسيين من ذوي النفوذ في الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني يملكون وسائل إعلام خاصة وقوات شبه عسكرية. ويستغلّ السياسيون ذوو النفوذ وسائلَ الإعلام للحديث عن فصائلهم الخاصّة، وانتقاد الآخرين، والتأثير على الرأي العام، وجذب واستمالة الصحافيين الشبان من وسائل الإعلام المستقلّة والمعارضة، من خلال توفير رواتب عالية وفرص التقدم الوظيفي، وغيرها من المزايا، مثل السكن المجاني.29 ويعزّز الاستقطابَ في وسائل الإعلام عدمُ وجود قناة تلفزيونية وطنية مستقلة.
جمهورية البارزاني والطالباني تقترب من النهايةمرة أخري أثبتت القيادات الحزبية الكردية في شمال العراق سذاجتها في التعاطي مع الاحداث السياسية، وكررت أخطاءها السابقة التي قادتها الي هزائم وخسارات ما تزال تئن من وطأتها، عندما اعتمدت علي العامل الخارجي، ووضعت كل أوراقها في السلة الاجنبية كما في حالتي مسعود بارزاني وجلال طالباني، اللذين توهما ان واشنطن ستقف الي جانبهما ضد تركيا،الدولة القوية والمحورية في المنطقة، والعضو في حلف (الناتو) والحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الامريكية منذ أكثر من نصف قرن، دون ان ينتبها لسكرة أخذتهما منذ احتلال العراق في نيسان (ابريل) 2003، الي ان امريكا دولة، مصالحها تتقدم دائما علي مصالح أصدقائها وعملائها في كل زمان ومكان.وقد أكدت الازمة القائمة الان بين الحكومة التركية وحزبي مسعود وجلال، وعنوانها وجود مسلحي حزب العمال الكردي التركي في الشمال العراقي، ان الاثنين لم يتعلما من تجاربهما الماضية في الاستقواء بالاجنبي سواء كان البهلوي الايراني او كيسنجر الامريكي، في معاداة العراق والعراقيين، بل انهما تجبرا وطغيا بطريقة تنم عن عدوانية لا حدود لها ضد الدولة العراقية وعرب العراق ومحيط العراق العربي، وجيران العراق باستثناء ايران طبعا التي أجهزتها واطلاعاتها تجول وتصول في المنطقة الكردية دون ان يستطيع أي منهما ان يقول لها أف او لا حتي يخيل لمن يتابع خدمتهما وعلاقاتهما مع أعداء العراق انهما غير عراقيين ولا يمتان الي العراق علي الاطلاق، وانما سلطا من قوي معينة لتخريب العراق وتدمير هويته وتاريخه وحضارته وانجازاته.وثبت ايضا ان مسعود بارزاني الذي عاصر تجارب والده الملا مصطفي وخيباته في تعاملاته مع السافاك الايراني والموساد والسي اي ايه، لم يتعظ من دروس الماضي القريب، وتوهم ان الامريكان الذين خدمهم وتحول الي أداة في أيديهم قبل الاحتلال وبعده، سيستمرون في احتضانه ودعمه دون ان يدرك ان امريكا دولة استعمارية وامبريالية، لها استراتيجية لم تتغير منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، من مظاهرها المعروفة انها تتخلص من عملائها والمتعاونين معها ـ كبروا في مواقعهم ووظائفهم ام صغروا ـ عندما تستنفد أغراضها منهم، وتتخلي عن اصدقائها وحلفائها عندما ينتهي دورهم معها، وترميهم في زوايا النسيان والاهمال، والامثلة كثيرة ابتداء من محمد رضا بهلوي الايراني وانتهاء بعيدي امين الاوغندي وضياء الحق الباكستاني الي الحنرال البنمي اورتيغا، رغم ان هؤلاء كانوا في غاية القوة والفاعلية الي آخر يوم من وجودهم في السلطة قبل ان يجبروا علي تركها بالموت او الاعتقال او التشريد، بينما مسعود مقارنة مع هذه الاسماء لا شيء.. نفوذاً وحضوراً وتأثيراً.ويبدو ان بارزاني أفاق من غفلته او نشوته المفرطة (لا فرق) في الايام القليلة الماضية متأخرا كعادته، عندما لاحظ ان المسؤولين الامريكان بدأوا في تكييف تصريحاتهم وبياناتهم حول الاستعدادات التركية لملاحقة مسلحي حزب العمال الكردي التركي في شمال العراق، بما يشكل تأييدا واضحا الي الطروحات والمواقف التركية، ويلقي لوماً علي القيادات الكردية التي وصفها الجنرال بتراويس قائد القوات الامريكية في العراق بانها غير واضحة في تعاطيها مع الازمة، بينما دعا المتحدث باسم الخارجية الامريكية مسؤولي (اقليم كردستان) بالتصدي لحزب العمال الذي قال انه منظمة ارهابية، ويعتبر كل من يدعمها جزءا من الارهاب، في اشارة واضحة الي الاحزاب الكردية، في الوقت الذي اشارت تقارير امريكية الي ان وكالة السي اي ايه، زودت الاجهزة التركية برسوم وخرائط ومعلومات تفصيلية عن المواقع التي يتخذها قادة حزب العمال في جبل قنديل والعمادية ومخمور وسرسنك وبامرني والعمادية، وهذا ما نوه اليه وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس أمس الاول، الامر الذي انعكس علي بارزاني وقد صعقته المفاجأة الامريكية وأفقدته توازنه، فراح يتراجع ويختلق الاعذار لتبرير مواقفه في تهديد تركيا ونقل المعركة الي عمقها، كما كان يلوح الي قبل اسبوعين.واذا كانت هناك ايجابيات في التهديدات التركية ضد مسلحي حزب العمال الكردي التركي في شمال العراق، فان ابرزها هو ان هذه التهديدات رغم انها كلامية لحد الان، ولم تتخذ سياقات تنفيذية او اجرائية، انها اعادت القيادات الحزبية الكردية وفي مقدمتها مسعود بارزاني الي حجمها السياسي الحقيقي، وجعلتها في وضع مرتبك لا تعرف كيف تتصرف وكيف تواجه تداعيات وانعكاسات الازمة الحالية التي قلبت موازين القوة في شمال العراق رأساً علي عقب، فمسعود الذي كان الي فترة قصيرة يعلن ان قوات بيش ميركة اقليمه مستعدة لدحر الجيش التركي والحاق الهزيمة به، تحول فجأة الي داعية حوار ويبدي استعداداً للتفاهم مع الاتراك، وثمة معلومات صحافية تركية اشارت الي ان المسؤولين الاكراد ابدوا استعدادهم لتسليم قادة حزب العمال كانت انقرة قد طالبت بهم، اذا اعطت تركيا ضمانات بعدم توغلها في المدن الرئيسية في المنطقة الكردية كاربيل ودهوك والسليمانية، ومما فاقم جزع مسعود وقيادات حزبه ان شبكة تلفزيونية تركية نقلت خبراً ـ صحيحا أو مفتعلا ـ عن تدريبات لوحدة عسكرية خاصة في مدينة ديار بكر مهمتها القيام بانزال علي قمة جبل (سرة رش) القريب من قصبة صلاح الدين حيث يتخذ مسعود من القصر الرئاسي هناك مقراً له، ورغم ان الشبكة التركية لم تكشف النقاب عن الهدف من هذا الانزال الجوي، الا انه من الواضح ان المستهدف هو مسعود او ابنه مسرور الذي يتولي رئاسة جهاز المخابرات في حزب ابيه، وتتهمه تركيا بانه يوصل اسلحة ومتفجرات ومعدات عسكرية الي مقاتلي حزب العمال.ان ما يسمي باقليم كردستان الذي يرأسه بارزاني بات في مهب الريح، ولم تعد له قيمة ولا أثر، خصوصا ًوان تركيا اعلنت علي لسان رئيس وزرائها رجب طيب ارودغان، انها لا تعترف بهذا الاقليم وتعتبره كياناً أكذوبة صنعته احزاب وتنظيمات وميليشيات لها اجندة فئوية وعائلية وعشائرية، تعادي العراق وتركيا معا، ولعل الصفعة التي وجهها وزير الخارجية التركي علي بابا جان الي البيش ميركاتي هوشيار زيباري في بغداد التي زارها الثلاثاء الماضي عندما قال: ان تركيا دولة لن تتحاور الا مع الدول، وترفض اي شكل من الحوار او الهدنة مع منظمة ارهابية مثل حزب العمال، كانت رداً قاسيا علي ادعاءات خال مسعود الذي قال ان حزب العمال أعلن هدنة مع تركيا من جانب واحد.وقد أكدت الاحداث منذ احتلال العراق قبل اربع سنوات ونصف ان القيادات الكردية التي تولت مناصب ومواقع رئاسية ووزارية وحكومية في بغداد امثال جلال طالباني وهوشيار زيباري وبرهم صالح وبابكر زيباري تتصرف بعيداً عن المصلحة الوطنية العراقية وانما تنفذ اهدافاً حزبية معادية للعراق كبلد وشعب وسيادة، وهي تكمل الدور الذي كان يقوم به الملا مصطفي وعصابته في خدمة الامريكان وايران واسرائيل، والعمل علي تقسيم العراق تحت ذريعة الفيدرالية تارة والاقليمية تارة اخري.وعودة الي التاريخ لتذكير مسعود بازراني عسي ان ينتبه ويعود الي رشده نورد هنا جزءا من الحوار الذي دار بين شاه ايران محمد رضا بهلوي مع ابيه الملا مصطفي في الثاني عشر من اذار (مارس) 1975 في قصر (نياوران) الملكي بطهران بحضور محمود عثمان وشفيق قزاز ومحسن دزئي، حيث ابلغ الشاه ملا مصطفي انه قرر قطع المساعدات عن حركة التمرد التي يقودها الاخير لان اتفاقية الجزائر التي وقعها مع الراحل صدام حسين تلزمه بذلك، فما كان من الملا الذي يسميه بعض الاشخــــاص بالخـالد استنـــاداً الي روايـــة محمـود عثمان في كتـــــاب (تقـــييم مســــيرة الثورة الكردية) صفحة 89، بمخاطبة الشاه (نحن شعبك وما دمت راضياً عن اتفاقية الجزائر التي تؤمن مصالح ايران التي هي وطننا الام فلا يوجد لدينا شيء ضدها، ونحن رهن اوامرك، اذا قلت لنا موتوا نموت او عيشوا نعيش ونأمل ان تستمر رعايتكم لنا).ان الذين يرهنون انفسهم في خدمة الاجنبي ويعادون البلاد التي آوتهم وأطعمتهم وحمتهم واغنتهم وسيدتهم ومنحتهم امتيازات وسلطات لا يحلمون بها ـ مجرد حلم ـ لا يستحقون غير اللامبالاة ليعودوا الي صوابهم قبل فوات الاوان، والا فان مصيرهم لن يكون افضل من مصير الذين سبقوهم. والتاريخ سجل مفتوح فيه دروس وعبر.
فيما اتّهم نواب أكراد في مجلس الشورى الإيراني، كردستان العراق بتلقيها دعما من إسرائيل من اجل إقامة استفتاء الانفصال، معتبرين قرارات العائلة العشائرية في كردستان غير ناضحة وتفتقر الى الخبرة والواقعية بحسب بيان نشرته صحف إيرانية، يصر مسعود بارزاني، رئيس الإقليم المنتهية ولايته على اجراء الاستفتاء، حيث اعتبرت صحيفة “الدستور” المصرية ان بارزاني تلقى الأوامر والإشارات من إسرائيل بدعم مشروعه والعمل على قبوله دوليا.
ولاكن انقلبت الولائات والهيمنة الى :::
على الرغم من إعادة توحيد الإدارات الحزبية المنفصلة التي كانت تحكم كردستان حتى العام 2006، لاتزال المكونّات الأساسية لأجهزة الأمن والبشمركة والشرطة والمؤسّسات المالية منقسمةً على أسس حزبية. ذلك أن الزعماء المؤثّرين في كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لهم قواتهم شبه العسكرية الخاصة. وهذا يتناقض مع زيادة مطالب المجتمع بإقامة مؤسّسات الدولة ومزاعم كلا الحزبين بأنهما يريدان بناء مؤسّسات وطنية.
ثمّة نقطة ضعف أخرى في النظام تكمن في اعتماده على عائدات النفط، مايجعله عرضة إلى تقلّبات أسعار النفط، والخلافات مع بغداد التي تتحكّم بكيفية إنفاق أموال النفط، والاعتماد على تركيا، التي تُعدّ زبوناً رئيساً في مبيعات النفط. وقد تفاقمت نقاط الضعف هذه بسبب إهمال القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة. وبالتالي فإن هذا النظام الريعي غير قادر، على المدى الطويل، على الاستجابة إلى الاحتياجات الهيكلية لتنويع الاقتصاد، أو إلى مطالب المجتمع بوجود اقتصاد لايعتمد على محاباة الأقارب على حساب المصلحة العامة.
يعاني النظام السلطاني في الإقليم من ضعف بنيوي، وهو غير قابل للاستمرار على المدى البعيد. على سبيل المثال، التحوّلات الجيلية (من جيل) في الحزبين أمرٌ لامفرّ منه، ويمكن أن يتيح ذلك فرصة للتغيير. ومع ذلك، يمكن أن تؤدّي هذه التحوّلات أيضاً إلى اقتتال مسلّح وتزعزع استقرار الإقليم. وعلى الرغم من إعادة توحيد الإدارات التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، فإن قطاع الأمن وأجهزة المخابرات ووحدتَي البشمركة الرائدتين 70 و80 لاتزال كلها منقسمة. ولايزال الاقتصاد السياسي للنظام السلطاني قائماً على عائدات النفط، مايجعله عرضة إلى التقلّبات في أسعار النفط والنزاعات التي لم تُحَلّ مع الحكومة الاتحادية، وعلى علاقة الإقليم التجارية الهامة مع تركيا. ومنذ العام 2014، يعاني اقتصاد إقليم كردستان من أزمة.
في الوقت نفسه، يعبّر المجتمع الكردي عن معارضته لمختلف أبعاد النظام. ويدور نقاش حيوي بشأن النظام السلطاني في الأوساط الأكاديمية ووسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام الرئيسة، إضافةً إلى الاحتجاجات المنتظمة ضدّ الفساد المستشري على أعلى المستويات، وغياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية. والواقع أنه حتى في الوقت الذي يحاول فيه الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني تعزيز حكمهما، تمكّنت الحركات الاجتماعية من إنجاز تغييرات تدريجية ومرحلية لكنها، مع ذلك، مهمّة. وعلى الرغم من أنه لن يكون لهذه التحوّلات الصغيرة تأثير فوري وجذري على النظام، فإنها تظهر تصميم المجتمع على تحدّيه وتحقيق إصلاحات تدريجية.
أدّى صعود حركة التغيير (گۆڕان) إلى تغيير الخارطة السياسية لكنه لم يغيّر النظام السياسي. فقد نجح الحزب في حشد وتوجيه مطالب المجتمع المسيَّس، وساعد في خلق جيل جديد من القادة الشباب من خارج سياسة المحسوبية، ومكّن الأحزاب الإسلامية. غير أن تغيير نظام عمره عقدان من الزمن ويعاني من فساد مزمن، يبدو مهمّة شاقّة. إضافةً إلى ذلك، الشروع في إصلاحات هيكلية وتحقيق تغييرات ملموسة يستغرقان وقتاً ويتطلّبان وجود بيئة اجتماعية وسياسية مستقرّة، وهي غير موجودة حالياً.
تحاول حركة التغيير (گۆڕان) ومجموعات المعارضة السابقة الأخرى التصدّي للاحتكارات، ومكافحة الفساد، وإصلاح القطاع العام، وتوحيد قوات البشمركة ورفع مستواها المهني، وجعل الهيئة العليا للانتخابات محايدة ومستقلة.
وعلى رغم الاعتراضات العارمة ضد مشروع الانفصال، الا ان هناك من يرى ان هناك أجندة خفية تقف وراء اندفاع بارزاني، لتغيير الواقع الجيوسياسي، ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد.
تجري كردستان العراق استفتاء الانفصال، الاثنين، على رغم قرار البرلمان العراقي الذي اعتبر الاستفتاء غير شرعي، و خروجًا عن الشرعية الدستورية.
الى ذلك ذكرت صيفة الدستور المصرية بتاريخ من علاقة عائلة بارزاني بإسرائيل، فإثناء أثناء نكسة يونيو 1967 بعث الملا مصطفى بارزاني رسالة تهنئة لقادة إسرائيل بمناسبة احتلالهم القدس، ونحر الخراف بحضور 3 من مستشاري الموساد ، كما جاء في كتاب “الموساد في العراق ودول الجوار” لـ”شلومو نكديمون”، والذي وثق زيارات مصطفى بارزاني إلى إسرائيل وزيارات مستشاري الموساد إلى منطقة حاج عمران، مقر بارزاني في شمال العراق.
هكذا تظهر ملامح الصورة، ما يفسر موقف إسرائيل حاليا من انفصال كردستان العراق، فهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تؤيد الانفصال.
وبعد عودة الملا مصطفى إلى العراق 1958 ولقائه الزعيم عبدالكريم قاسم الذى اعتبر الاكراد، القومية الثانية في العراق بعد العرب، ومده بالسلاح والأموال لجعل الميليشيا الكردية تحمى الحدود الشمالية الشرقية من البلاد، إلا أن مصطفى بارزاني وبتنسيق عسكري واستخباري مع إسرائيل عمل بشكل فعال على محاربة الجيش العراقي على مدى سنوات عدة، مستغلا أوقات ضعف الحكومة في بغداد، وكان هذا التنسيق في أعلى مستوياته في عام 1967.
حزب مصطفى بارزاني “الحزب الديمقراطي الكردستاني” وحزب جلال الطالباني “الاتحاد الوطني الكردستاني” وضعا العراقيل أمام تطبيق قانون الحكم الذاتي الصادر فيما بعد في 11 مارس 1974 وكان هدفهما مزيدا من التنازلات، خاصة فيما يتعلق بمدينة كركوك ذات التشكيلة السكانية المتعددة، فهي تضم التركمان، والعرب والأكراد.
تاريخ تواجد الأكراد فى مدينة كركوك يعود إلى بدايات اكتشاف النفط فيها بحدود عام 1937، بعد أن قدموا للعمل في شركة نفط العراق كعمال لمد أنابيب النفط، لكنهم يصرون على ضم المدينة لكونها غنية بالنفط، وبضمها تتوفر القاعدة المادية لقيام الدولة الكردية المرتقبة.
ولهذا كانت مواقف الأحزاب الكردية مواقف انتهازية، مستغلة أي ضعف في جسد الدولة للتمدد على حساب الأراضي العربية خارج المحافظات الثلاث، وفى عام 1991 استغل الأكراد انكسار الجيش العراق في حرب الكويت فدمروا مؤسسات الدولة وقتلوا المسئولين الإداريين والعسكريين وهربوا كل أجهزة وآليات الدولة، حتى إن معدات إنشاء سد “بخمة” في السليمانية هربت بالكامل، وبعدها قررت الحكومة في بغداد سحب الإدارة المدنية من المحافظات الثلاث.
ومنذ ذلك التاريخ والأحزاب الكردية تسعى بشكل حثيث لإقامة دولتها “كردستان الكبرى” انطلاقا من أرض العراق، وعملت من أجل ذلك كل ما في وسعها حتى لو كان تحالفا مع الشيطان نفسه.
كان من نتائج حرب الكويت 1990 وما تلاها من أحداث تمرد وقعت فى جنوب العراق وشماله قيام الحزب الديمقراطي الكردستاني و الاتحاد الوطني بهجمات مسلحة استهدفت قوات الجيش العراقي في مارس عام 9911.
وبعد 2003 ومشروع المحاصصة، استفاد الأكراد، الاستفادة الكبرى، فهم اليوم شبه دولة لها مؤسسات رئاسية وبرلمان، ووزارة بل ممثليات ضمن سفارات العراق ولها ميزانية مقتطعة من ميزانية العراق بنسبة 17 بالمائة، وهذه نسبة مجحفة بحق بقية العراقيين، حيث إن الأكراد يشكلون بين 11 و12 بالمائة فقط، ولها واردات المنافذ الحدودية ضمن محافظات الشمال الثلاث وتقدر سنويا بنحو 2 مليار دولار، وواردات تصدير النفط الذى يصدر خارج الدولة العراقية.
الانفصال سيخلق حالة من عدم الاستقرار وزيادة الكراهية بين أبناء الشعب الواحد، وقد بدت بوادرها من خلال السماح لبعض الأكراد الحاقدين بحرق العلم العراقي والمساس برموز دينية، ومن التداعيات أيضا خسارة الكرد لنسبة 17 بالمائة من الموازنة السنوية، وفقدانهم كل المناصب الرئاسية والدرجات الخاصة في الرئاسات الثلاث وبقية مفاصل الحكومة المركزية.
وأخطر تلك التداعيات، علو الأصوات المطالبة بالخيار العسكري ضد الإقليم والبيشمركة وطرد الأكراد من كركوك ومن كل المناطق المتنازع عليها ومن بقية مدن العراق الأخرى، واعتبارهم رعايا دولة أخرى، وهذا الخيار العسكري سيكون مرا على الشباب العراقي الذي عانى من الحروب ومقاتلة عصابات داعش وهي بالنتيجة تزيد من الفوضى وعدم استقرار العراق، وقد بدأت بالفعل بوادر لأعمال انتقامية متفرقة في عدة أماكن من الطرفين العربي والكردي، ما يعنى استمرار حالة الضعف والتردي في مقومات الدولة العراقية. وفيما يتعلق بالتداعيات الخارجية، فإن الوضع الإقليمي غير مشجع، بل رافض للاستفتاء والانفصال، خاصة من تركيا وإيران وسوريا التي لديها أقليات كردية، وهناك توجه باستخدام القوة إذا تطلب الأمر من قبل تركيا وإيران، وبمساهمة الجيش العراقي.