من غير المعقول طبعا أن يخفق المرء في كل خطوة يخطوها في عمله، لاسيما إذا كان واعيا ومدركا بمسؤولية ماملقى على عاتقه من مهام، يترتب على عدم إنجازها عواقب وخيمة، وأضرار يحاسبه عليها الله والناس ونفسه -ان كان له ضمير حي-. وكما يقول المثل: لكل حصان كبوة ولكل حليم هفوة. ولكن أن تستمر الكبوات وتكثر الهفوات، فهذا أمر ليس بالمعقول ولابالمقبول، ومن المعيب ان يكون بحكم المعقول والمقبول والمعهود في عراق مابعد السقوط، في الوقت الذي من المفترض أن يكون بعد السقوط نهوض، فهل تحقق جزء ولو كان ضئيلا من النهوض على يد ماسكي زمام أمر البلاد؟.
لقد بات الحديث عن الاخفاقات المتتالية واللامتناهية التي يتحفنا بها مسؤولونا وساستنا، بين الفينة والأخرى في الساحة السياسية، أمرا كما نقول: (ما يلّبس عليه عگال). ولو بحثنا أسباب هذه الاخفاقات لوجدنا أنها لم تأت من عطارد او المريخ، وإن كان بعضها نتيجة تدخلات دول وجهات خارجية، إذ سيتضح جليا أن الأسباب الرئيسة لهذه الإخفاقات، هي التناحر والتضاد بين أرباب الحكم وصناع القرار أنفسهم من داخل البيت العراقي وتحت قبب مجالسه، وبرعاية رؤساء مجالسه وأعضائها، لاسيما مجلس النواب. وما يزيد الطين بلة أنهم مصرون على استمرار العداوات بينهم، بل وما انفكوا من إضرام النار في الهشيم قبل أن تنطفئ نار قد علا سناها من قبل. وكذلك هم بعيدون عن احتمالات الاصلاح والمراضاة مستقبلا على مايبدو، ومتحفظون على طي صفحات التنافر والعداء فيما بينهم، وهم بهذا ينأون عن الأخذ بيد العباد الى حيث يعيش نظراؤهم في الخلق في باقي دول العالم.
وإذ يمر العراق اليوم بظرف قد لايحسد عليه، في تكالب المتصيدين في عكر المياه من كل حدب وصوب، وبكل ماأوتوا من قوة للإيقاع بالعراق برمته في مطب المشاكل والقلاقل السياسية والأمنية، نرى البعض يجدّون بإعادة ماض أكل الدهر عليه وشرب، إذ هناك ثغرة خافية يستغل المغرضون فتحها لتشكل جبهة ضد مسيرة العملية السياسية، هي ثغرة الناشطين الذين هربوا خارج البلاد بعد كشف نواياهم الحقيقية، لاسيما متقلدو المناصب العليا في سدة الحكم، والذين صدرت بحقهم أوامر إلقاء القبض، او الذين أدينوا بجرائم إرهاب، وصدرت بحقهم أحكام بالإعدام او السجن المؤبد. وقطعا هم مازالوا يحلمون باسترداد العراق وضمه تحت جلبابهم، وكأنه (ملك الخلفوهم). لذا نراهم يدا بيد مع كل مايمت بصلة الى النظام السابق، أمثال عائلة الرئيس العراقي صدام، والشخصيات التي وجدت فيهم ملاذا لتحقيق أحلام التملك والاستيلاء على السلطة. إن التحركات التي يتحركها هؤلاء تدخل ضمن المخططات الكبرى، والتي لاتختلف عن مخططات بني إسرائيل في استحواذ أرض الرافدين التي كانت حلم أسلافهم في أسفارهم.
وليت ساستنا يفقهون أن حصان طروادة الذي يسهِّلون أمر ولوجه الى العراق، سيحمل لهم -إن تسنى له الدخول- سلاطين جددا لن يكونوا أقل شرا من هولاكو او جنكيزخان، وسيحرقون -أول مايحرقون- من يجدونهم على كراسي السلطة، من دونما حسبان لصديق حميم، او (بعثي قديم)، وسيكون كرسي الحكم كالمعتاد أعز من المال والبنين، وأغلى من البلاد والعباد.