23 ديسمبر، 2024 4:23 ص

ماذا يجري في بيلاروسيا؟

ماذا يجري في بيلاروسيا؟

” باتكا” ليس شاذا ويتمسك بالكرسي حتى الممات!

قد يجد الرئيس البيلاروسي نفسه مضطرا للاتحاد مع روسيا، في دولة واحدة؛ بعد ان رفض في وقت سابق مقترح الرئيس فلاديمير بوتين، إعلان الوحدة الكاملة بين الشقيقتين السوفيتيتين السابقتين.
يوصف الكسندر لوكاشينكو، بانه اخر دكتاتور في اوروبا، يحكم منذ ثلاثة عقود تقريبا. وحاز الرئيس فارع الطول، على لقب ” باتكا”، وتعني باللغتين الروسية والبيلاروسية التوأمين ، ” الوالد ” كناية عن الهيمنة الابوية على مقاليد الدولة البيلاروسية، اكثر الجمهوريات السوفيتيّة قربا من الشقيقة الكبرى روسيا،وكانت تحتل ما نسبته 9’0 من اجمالي مساحة الدولة السوفيتيّة عشية تفككها، وبحوالي عشرة ملايين نسمة حسب اخر تعداد سوفيتي للسكان.
حافظ” باتكا” على النمط السوفيتي في السياسة والاقتصاد، فلم يسمح بخصخصة ممتلكات الدولة، كما في روسيا. وحافظ القطاع العام على دوره القيادي في الاقتصاد.
واذا كانت روسيا، شهدت سنوات الرئيس الاول عقب انفراط عقد الاتحاد السوفيتيّ بوريس يلتسين؛ تحولا ليبراليا عاصفا، نقل كبريات المصانع والمؤسسات الحكومية الى ملكية حفنة من الاوليغارشيين؛ فان المصانع الثقيلة، بما فيها العسكرية، بقيت تحت القبضة الحديدية لنظام الرئيس لوكاشينكو الذي تميز عن جميع نواب اخر برلمان سوفيتي انه لم يؤيد قرار منح الجمهوريات السوفيتيّة الاستقلال، اي تفكيك الدولة العظمى عام 1991.
تمتع لوكاشينكو؛ بشعبية بين الروس الذين يشعرون بالحنين الى الحقبة السوفيتيّة والى الاستقرار والقبضة الحديدية.
بيد ان هذه الشعبية اخذت تتناقص بفعل مواقف” باتكا” المتذبذبه، وتردده في تحقيق الوحدة الناجزة مع الاخ الاكبر، وما اعتبره الروس مواقف انتهازية، والبعض خيانية بالتقارب مع الغرب خلافا لرغبات الكرملين.
ومرت فترات شنت خلالها وسائل الاعلام الرسمية ونشبه الرسمية الروسية حملات منظمة ضد لوكاشينكو، وصفها “باتكا” بالظالمة.
واتهم عددا من اوليغارشية موسكو بالوقوف خلفها،سعيا وراء اسقاط النظام في مينيسك الذي يحول دون السماح للمراكز المالية الروسية بالاستحواذ على ممتلكات الدولة؛ كما تسنى لها ذلك في روسيا.
ورغم الود المفقود ببن نظام ” باتكا” وبلدان الاتحاد الاوربي على مدى سنوات حكمه الطويلة نسبيا ، الا ان مينيسك، فتحت نوافذ للتفاهم مع الدول الأوربية التي ترى في روسيا، خصما ومنافسا، ولا تجد في بيلاروسيا عدوا ما دامت دولة منزوعة السلاح النووي، وباقتصاد صغير.
وسعى الاتحاد الأوربي الى احتواء بيلاروسيا كما اوكرانيا في مسعى جيوسياسي لعزلهما عن الاخ الاكبر؛ روسيا.
وتراوحت علاقات الكرملين مع
” باتكا” بين البرودة والدفء؛ ولم تصل يوما الى درجة عالية من الحرارة.
كما لم تبلغ حد المواجهة الساخنة الا قبل ايام من الانتخابات الرئاسية؛ حين القت سلطات مينيسك على 32 من منتسبي شركة” فاغنر” الامنية الخاصة، قالت إنهم دخلوا العاصمة البيلاروسية للتاثير على سير الانتخابات.
وفيما نفت موسكو تلك المزاعم بشدة ، اعلن الرئيس البيلاروسي؛ ان أعضاء فريق” فاغنر” اعترفوا بانهم اوفدوا في مهمة تتعلق بالانتخابات الرئاسية وانهم يخضعون لمزيد من التحقيقات.
وبعد ساعات من اعلان فوز لوكاشينكو بنسبة تزيد على الثمانين بالمئة، على طريقة الانتخابات في بلدان العالم الثالث، اندلعت تظاهرات في مينيسك ومدن بيلاروسيا الاخرى، تحتج على ما اعتبره مرشحو المعارضة تزويرا فاضحا.
وواجهت الشرطة المحتجين بالضرب العشوائي، واعتقال المئات، وتعرض بعضهم الى تعذيب بشع.
وظهرت اثار الضرب وكسر الاضلاع على عشرات الفتيات والشبان؛ وهم يدلون بتصريحات غاضبة امام عدسات الصحافة .
ومع سقوط قتلى ببن المتظاهرين؛ ازدادت حدة الاحتجاجات وتصاعفت اعداد الحشود ، واشتعلت الاضرابات في مختلف ارجاء البلاد.
وبات المراقبون يشبهون الوضع في بيلاروسيا، بانه نسخة من “الثورات الملونة” التي اندلعت في أوكرانيا وبلدان الساحة السوفيتيّة السابقة وصار عنوانا رئيسا في نشرات الاخبار.
التزم الاعلام الروسي الرسمي بمبدا عدم تركيز الاهتمام على أحداث بيلاروسيا، والاكتفاء بنقل الاخبار القصيرة .
واجرى لوكاشينكو أول اتصال مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، يوم الجمعة 14 اب /اغسطس، ونقلت الوكالات أن بوتين بحث مع لوكاشينكو، سبل الخروج من الازمة.
ولوحظ بعدها تغير في نغمة الاعلام الروسي تميل الى تبنى موقف لوكاشينكو، الذي يتهم قوى خارجية بتحريك الشارع المعادي للاستقرار في البلاد وحذر من ان الخطر الداهم سيمتد الى روسيا اذا لم “نتحد بوجهه”.
وفهم المراقبون تصريحات
” باتكا”المناشدة بالتدخل الروسي ضمنا، واطلاق سراح متعاقدي شركة فاغنر من المعتقل في بيلاروسيا على انها، اشارة على قبول لوكاشينكو بالعرض الروسي للاتحاد والذي ماطل على مدى سنوات في قبوله.
ومع تفاقم الازمة، ولجوء المرشحين المعارضين الى دول الجوار، تحت طائلة التعرض للاعتقال او التصفية، دخلت الاحداث منعطفا جديدا، بات العامل الخارجي، يؤثر على سياقها بالفعل.
وكان لوكاشينكو، اتهم المعارضة بانها تعمل بناء على توجيهات من الخارج، وان ” حفنة” ممن تحركم قوى خارجية، لن توثر على الوضع.
بيد ان ” الحفنة” تكاثرت لتبلغ زهاء 200 الف متظاهر إختنقت بهم ساحة” الانصار” في مينيسك لوحدها.
وتعيد الصور الملتقطة من كاميرات مسيرة؛ الى الاذهان، مشهد “الميدان” في العاصمة الاوكرانية كييف، حين اسقط المتظاهرون الرئيس الموالي لموسكو فيكتور يانوكوفيتش، قبل سنوات.
وصار اسم ” ميدان” عنوانا للانتفاضات الشعبية، ضد النخب الحاكمة في الساحة السوفيتيّة السابقة.
وظهرت في موسكو وسانت بطرسبورغ؛ حركة
” انتي ميدان” المناهضة للثورات
” المصدرة من الخارج “. وكرس انصار الحركة جهودهم لمقاومة التظاهرات الاحتجاجية التي تندلع بين الحين والاخر في موسكو وعدد من المقاطعات الروسية، اخرها مقاطعة خباروفسك في الشرق الاقصى.
قد يجد الرئيس فلاديمير بوتين، نفسه، امام خيارات صعبة في التعامل مع ” ميدان” بيلاروسيا.
فمن جانب لا يمكن لموسكو ان تقف متفرجة حتى النهاية على تصاعد الاحتجاجات المطالبة برحيل حليف لم يكن مريحا تماما، الا انه في كل الاحوال، أقرب الاصدقاء لروسيا المحاطة باعداء اوربيين، وعقوباتهم الاقتصادية، والاحقاد الامريكية المترسخة في المؤسسة الحاكمة بغض النظر عن لون وتسريحة سعر الرؤساء المتعاقبين على البيت الابيض.
وعلى الملقب الاخر، سيفتح التدخل الروسي المفترض، ملف الدور الروسي في أوكرانيا ، واتهام موسكو بدعم الانفصاليين في دونباس ومساندة جمهوريتهم المعلنة من جانب واحد.
وترى غالبية المراقبين ؛ ان التدخل الروسي المنشود، قد يكون قبلة الموت للرئيس البيلاروسي، لانه سيزيد من مشاعر العداء لنظامه حتى بين مؤيديه الذين القى بين عدة الاف منهم خطابا حماسيا بالامس،شدد خلاله على مقولة المؤامرة الخارجية، مؤكدا انه لن يعيد الانتخابات، ولو خسر حياته، وتعهد بتقاسم السلطة وتعديل الدستور.
في هذه الغضون،أنتقلت الاحتجاجات الى المصانع الكبرى، فاضرب قسم من عمالها عن العمل، وتوسعت، لتدخل استوديوهات مؤسسة الاذاعة والتلفزيون الحكومية، اذ امتنع عاملوها عن الظهور على الهواء، وشغلوا وقت البث ببرامج من الارشيف.
يطالب الاعلاميون، بحرية الصحافة ومحاسبة قوى الدرك التي اطلقت النار على التظاهرات وسقوط قتلى.
ويواجه ” باتكا” لاول مرة، وبعد خمس دورات رئاسية، حركة احتجاجات تتسع يوما اثر اخر.
ففي ولايته الخامسة، وقبلها؛ اندلعت الاحتجاجات ايضا، لكنها كانت محدودة ولم تعمر طويلا.
ويلوح ان المعارضة تضافرت في الولاية السادسة؛ التي قد لا تتم، وحشدت قواها، لإسقاط الرئيس الذي قال عنه وزير خارجية المانيا السابق، ريدو فيسترفيلله، المعروف عنه ، ميوله الجنسية غير التقلدية، بانه دكتاتور.
فرد ” باتكا” دون تردد:
الأفضل ان اكون دكتاتورا على ان اوصف بالشذوذ الجنسي!