يبدو ان السياسيين في العراق نجحوا في دق اسفين التناحر المذهبي في العراق، و بالتالي سيكملون مهمة ” قصف” الهوية الوطنية بالأسلحة الثقيلة، لأن سكوت النواب و المرجعيات على العمليات العسكرية في الانبار يثير علامات استفهام طائفية، لا سيما و أن المعركة لم تعد في مواجهة الارهاب فقط بل أمتدت لتشمل الأحياء السكنية، وكأن الجميع قد وقع ضحية التضليل الاعلامي غير الموفق أصلا.
ليس هناك من عاقل يرحب بعودة العنف المسلح وقنواته غير المعروفة المصدر، ولا يوجد عراقي مؤمن بفلسفة الحرب بالنيابة التي تنفذها مجاميع مسلحة لم تعد حكرا على عاصمة دون غيرها، كما أن مقاتلة الأشباح مهمة شاقة و عسيرة في نتائجها، أما اقحام الجيش في مشروع قتل المواطنين فهي من الكبائر، لأنها تؤسس لفتنة مستديمة مثلما تفتح جروحا بليغة في جسد الأخوة العراقية.
ان ما يجري من تحشيد عسكري في الانبار يثير الاستغراب لأن المعركة بدأت في الصحراء و انتقلت الى المدن فجأة و كان عنصر الاستخبار الاستباقي الذي تفتقده الحكومة قد وضعها في موقف التخمين وقراءة الاحتمالات على خارطة رمل غير نظامية، ما أوقعها في سوء التقدير و اختيار الأهداف و الخطط، ما يتطلب من القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي الاصغاء الى خبراء الميدان و عقلاء الرأي، بدلا من الاعتماد على اراء مشوشة خرجت من رحم تناقضات وخلافات عقائدية لا علاقة لها بالخوف على المصلحة الوطنية.
ان محاربة الارهاب مسؤولية جماعية، لكن من هو صاحب القرار في تفشي هذه الظاهرة.. المواطنون أم أجهزة الدولة، ولأن الجواب معروف فان الحكومة مطالبة باظهار نقاط الخلل الحقيقية لكي لا تساق الاتهامات على الغارب و لكي لا يتحمل المواطن مسؤولية اخفاق غيره، حيث لم تستعجل الحكومة اعادة نشر الجيش على حدود العراق لتقع في نفس الخطأ الأمريكي بعد الاحتلال مع فارق كبير في الهدف و الغاية.
لو أن الحكومة العراقية استمعت مبكرا لرأي الخبراء و المختصين لما وجدت نفسها في عنصر الدفاع المتأخر، فلو سحبت الجيش من المدن و اعادة اليه واجباته الوطنية لما تنوع التداخل في مصدر القرار الأمني، خاصة وأن قوات الجيش تجهل التعامل مع المواطنين عكس رجال الشرطة، و ما نجم عن ذلك من مخالفات كثيرة، مثلما يجب الاتفاق على توصيف موحد للاهاب، و اعتبار كل الجماعات المسلحة خارجة عن القانون و يجب ملاحقتها، فبدون ذلك تبقى الحلول مؤقتة و عبثية أيضا.
لا يختلف عاقلان على أهمية بسط الأمن و السيادة في العراق، لكن تتوع التفسيرات و التأويلات عندما يتم فتح باب تطوع الشباب للقتال في الانبار، حتى يحس المرء بمزاج طائفي يرفض الموعظة الحسنة، فلا يجوز تصويب السلاح الى العراقي في الانبار من أخيه في الناصرية، و العكس صحيح تماما، مثلما أن حماية حياة الجندي العراقي مسؤولية و شرف عشائري، فلماذا يتعمدون تغييب الحلل المنطقية وسط رمال الفتنة التي تتعدى حدود مصالحهم الشخصية و سنوات الحكم المؤقتة!!
و من هنا نقول ان المرجعية الدينية تأخرت عن مهمتها العراقية و الانسانية و فتحت الأبواب أمام تأويلات لا تخدم المحافظة على أخوة العراقيين، بدعوة مباشرة و واضحة تحرم الدم العراقي تحت أي مسمى طالما أن الجميع وقع ضحية التقاعس الحكومي و الحلول المؤجلة، و نجدد ثقتنا بكل عقلاء و حكماء العراق، و نحذر من أية مغامرة سياسية يراد منها حرق العراق و أهله، فمثلما كانت هذه المآسي موضع استهجان و انتقادات واسعة بالأمس القريب، يجب أن تكون كذلك في محرقة الانبار!!و الا سيكون ميزان المنطق معطلا!! هي دعوة للعقلاء أن يجدوا حلولا منصفة لا تسريبات و تطمينات تشم منها رائحة الفتنة و التشفي!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]