23 ديسمبر، 2024 10:42 ص

ماذا لو مات المالكي أو أقيل؟

ماذا لو مات المالكي أو أقيل؟

هذه الفكرة غريبة ومخيفة أيضا. فرغم أنها تبدو خيالية ووهما من الأوهام، أو حلما من أحلام اليقظة المزعجة، لكنها، في الوقت نفسه، متوقعة بل منتظرة، لسببين، الأول أن الأعمار بيد الله، والمالكي بشر، وكل بشر معرض لسكتة أو جلطة أو تسميم أو اغتيال، والثاني أن أجواء العراق السياسية لا تبشر بخير، فالعواصف النائمة فيها تتجمع وتتهيأ في انتظار موعد انتهاء فترة المالكي الثانية لتنفجر صواعقها ورعودها ويهبط الظلام.
والمعارك المنتظرة لابد ان تكون طاحنة هذه المرة بين جحافل الشركاء الأساسيين غير المنتمين إلى الائتلاف الوطني، ثم بين أطراف الائتلاف نفسه، ثم بين كبار قادة حزب الدعوة، ثم دولة القانون، وقد تؤدي إلى منع الوزارة المنتهية صلاحيتها من تصريف أعمالنا، إن كانت قد صرفت يوما هذه الأعمال. يعني أن الوطن مقبل على مأزق لا مخرج منه إلا بمعجزة، وليس مرتقبا أن يعود  زمان المعجزات.
إن وفاة نوري المالكي أهون الشرور. فهي قد تعرقل إجراء انتخابات جديدة، وتبقي الوطن معلقا في الهواء فترة من الزمن قد تقصر وقد تطول، لكثرة (الملاليح) والرؤساء والزعماء، وصعوبة أختيار البديل.
لكن الإقالة هي الأخطر. فقد تستفز المالكي وتغريه بالعناد ورفض هذه الإقالة، واعتبار أصحابها ماجورين لتخريب الوطن المزدهر، وتهديد أمنه واستقراره، أو جرذانا وجراثيم تستحق الحرق والخنق والشنق والمطاردة في جميع أرجاء الوطن، مدينة مدينة، وقرية قرية، وزنقة زنقة، أسوة بالراحلين السالفين.  وقد يأمر مناصريه، مستقويا بمراكز جبروته الأمنية والعسكرية والمالية والقضائية، بتكسير عظام خصومه ومخالفيه وأعدائه المارقين. وهذا طبعا لأن احترامه لإرادة الأكثرية وإقدامه على استقالة طوعية ليترك المركب يسير دون مشاكل وعوائق ومنغصات، أمر من رابع المستحيلات، وله فيه سوابق.
وهذا يعني، في كل حال من الأحول، أن خلو أو إخلاء كرسي الرئاسة من نوري المالكي لن تكون مهمة سهلة وناعمة وشفافة، كما يحدث عادة في الدول التي تحترم نفسها وشعوبها، بدون إراقة دماء ولا حرائق ومفخخات.
والظاهر أن هناك تجمعاتٍ وأحزابا وعشائر ومرجعيات وشخصيات عديدة، حتى من داخل الطائفة الشيعية ذاتها، لا تنوي التساهل هذه المرة في مسألة إعادة الترئيس، مهما غلا الثمن، خصوصا بعد أن قرر البرلمان بالأغلبية تحديد فترات الرئاسات الثلاث بدورتين، وبأثر رجعي.
ويبدو أن أكثر المصممين على زحلقة المالكي والبحث عن غيره، أطرافٌ أساسية في الائلاف الذي أنقذه في المرة السابقة، وأولها التيار الصدري والمجلس، مع أطراف شيعية أخرى مهمة من خارج الائتلاف، في مقدمتها المرجعية وآلاف المعممين الآخرين الذين تشكلت لديهم قناعة كاملة بأنه شوه سمعة الطائفة، وأوحى بأنها لا تصلح للحكم، وذلك بسبب ما شهده الوطن من خراب ومهانة، على يديه وعلى ايدي نجله وكريمته وأعوانه ومستشاريه المتخاصمين دائما، والمتلاطشين بتهم الفساد والرشوة والخيانة ورعاية مشعان الجبوري.
يتساءل المواطن ن.ف. فيقول:
” كم مركز طبي تمّ افتتاحه منذ عام 2003 وحتى الآن؟ كم مركز علمي تمّ بناؤه؟ كم شارع تمّ تبليطه، وكم مدرسة تمّ تزويدها باللوازم الضرورية؟ أين الخدمات العامة؟ أين الماء الصالح للشرب؟ وأين الكهرباء؟ وأين الأمن؟ ماذا تحقق خلال الأعوام العشرة الأخيرة منذ سقوط الصنم وحتى يومنا هذا؟ نحن شعب فقدنا جميع مقومات وجودنا منذ عام 1958 مروراً بالحقبة البعثية السوداء، وحتى هذه اللحظة البائسة واليائسة من حياتنا. نحن لسنا بحاجة إلى جيش المهدي. نحن بحاجة إلى وعي المهدي (وهو العدل). نحن لسنا بحاجة إلى اللطم على سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) إنما نحن بحاجة إلى وعيه (إني لم أخرج أشراً ولا بطرأ إنما خرجت لطلب الإصلاح لامّة جدي.. أمر بالمعروف وانهي عن المنكر). هكذا نختزل أعظم ثورة (ثورة الطف) في تاريخ البشرية باللطم. أقول ليس باللطم تتقدّم الشعوب، إنما بالعلم والعمل والمواطنة الصالحة. وأخيرا فحزب الدعوة أحد ركّاب الدبابة الأمريكية”.
ومواطن آخر يقول:
” الحقيقة تقال فأبرز 10 أنجازات للمالكي هي: 1- جعل بغداد تضاهي دبي. 2- صدّر الكهرباء لدور الجوار.3- ألغى البطاقة التموينية لأن دخل الفرد العراقي صار أعلى من قطر. 4 – شيد أكبر مترو موجود في بغداد يربط البصرة بزاخو عبر مدينة الصدر 5- بنى أعلى برج في العالم هو برج بوري العظيم. 6 – جعل العراق في رأس قائمة الدول الشفافة أو see through. 7- قضى على الأرهاب الأيراني بمنح جميع الأيرانيين الجنسية العراقية. 8 – أصدر تعميم أن يكون النشيد الوطني العراقي”وداعتك ماننطيها..” 9- بنى أكبر مول في العالم لبيع المحابس والسبح وماشاكل من مستلزمات سياسيي تالي وكت. 10 – منح علي الأديب شهادة الدكتوراه الفخرية على عناد جميع أساتذة الجامعات.” 
ليس من المنتظر أن يُخدع هذان المثقفان الشيعيان، مرة أخرى، ويقبلا بالكابوس نفسه أربع سنوات جديدة. وفي الشارع الشيعي من أمثالهما ملايين من غير المنخرطين في صفوف حزب الدعوة ودولة القانون ومنظمات وأحزاب الائتلاف. وأكثرهم تقدميون، ديمقراطيون، ليبراليون، يساريون، شيوعيون، وعلمانيون، تجاوزوا ثقافة الحسينية وفتاوى المرجعيات ولغة السواطير. وفي ظل هذا الواقع الملبد بالغيوم لن تكون مهمة المالكي لكسب الجولة الثاثة هينة وميسرة. ولا يتوقع المراقبون المحايدون أن يبقى مع ترئيسه سوى شلل المستفيدين من وجوده، أو المتعصبين البسطاء الذين تسوقهم عواطفهم، وتخدعهم مزاعم المالكي بأن معارضة توزيره تعني المساس بالطائفة وتعريض أمجادها للزوال. وهذه فئة قليلة لا تستطيع اكتساح صناديق الانتخابات.
والآن دعونا نتأمل الصورة الحقيقية داخلَ الائتلاف. مقدما لابد من الإقرار بأن رئيس الوزراء الجديد لابد أن يكون شيعيا، حسب نظام المحاصصة الذي لم يلتزم المتحاصصون بغيره، حتى وهم يتغنون بالديمقراطية، ويطالبون باحترام صناديق الاقتراع. فلا يمكن قبول أي مواطن عراقي رئيسا للوزراء من خارج الطائفة الشيعية، حتى وإن كان وليا من أولياء الله، وحجة من حججه في العلم والكفاءة والأمانة والشجاعة والنزاهة والوطنية الصادقة.
وهنا يأتي السؤال،  َمن من الشيعة السياسيين المتنفذين الحاليين المتمكنين سيجرؤ على ترشيح نفسه للجلوس على الكرسي المذهب الجميل؟ طبعا لن يكون شيعيا يساريا ولا ليبراليا ولا علمانيا مطلقا.  فهذا المنصب محجوز لواحد فقط من داخل أحد الأحزاب الدينية الحاكمة، وليس على ساحة العمال السياسي الشيعي سوى حزب الدعوة، ثم دولة القانون، ثم الائتلاف الوطني، لا غير. وفي هذا المعسكر ليس المالكي هو المُصابَ الوحيد بشهوة الحكم والسلطة والجبروت، فغيره عشرات من الرؤساء والزعماء الذين أدركتهم لوثة الزعامة، وصار كلُ واحد منهم يرى نفسه الأقدر من غيره على القيادة، والأكثر فهما وعلما وعزيمة. فإذا كان نوري المالكي صار قائدا، وقبله إبراهيم الجعفري وأياد علاوي، فلماذا ليس هو؟. وحكاية حسين كامل وهروبه إلى الأردن وحلمه الكبير بوراثة عمه صدام ما تزال حية لا تموت.
إن من المتوقع والمنتظر أن يُصر حزب الدعوة على ترئيس زعيمه لدورة ثالثة، رغم أن بعض قادته الكبار، ومنهم علي الأديب، غير ميالين لهذا الخيار.  ومعاركه العديدة مع حسن السنيد وباقي شلة المالكي تدل على ذلك.
وفي جميع الأحوال، ليس هناك أحد من داخل حزب الدعوة أو دولة القانون يليق بكرسي الرئاسة أو يليق الكرسي بجنابه، وليس سهلا أن يحصل على رضا الأطراف العراقية كلها، شيعية، وكردية، وسنية، ولا الأطراف الخارجية المؤثرة الإيرانية، والأمريكية، والتركية، والسعودية وغيرها.
فلا مريم الريس، ولا حيدر العبادي، ولا علي الأديب، ولا حسن السنيد، ولا صادق الركابي، ولا علي الموسوي، ولا سامي العسكري، ولا خضير الخزاعي، ولا عزت الشابندر، ولا خالد العطية ولا علي الشلاه يصلح لهذا المنصب المحترم الرفيع.
أما إذا اضطر حزب الدعوة إلى الاستقاء، مثل المرة الماضية، بالائتلاف وعاد إلى صفوفه، كأي واحد من مكوناته، متساويا مع غيره من أحزاب وتجمعات وشلل، وخصوصا مع المجلس الأعلى وحزب الفضيلة والكتلة الصدرية وحزب الدعوة – تنظيم العراق ومنظمة بدر والاتحاد الاسلامي لتركمان العراق وحركة حزب الله العراقي وحركة سيد الشهداء وغيرها، فعند ذاك ستبدأ مشاكل أخرى من نوع مختلف. فلن يعود من حق الدعوة اشتراط المالكي رئيسا للوزراء، إذ إن هذا الحق سيكون من نصيب الائتلاف، وعلى المالكي أن ينافس غيره من الطامحين الآخرين. وهنا مربط الفرس. فسوف تفعل الأحقاد (المالكية) السابقة ومؤامراته وما فعله لتقزيم حلفائه الذين أنجبوه وأرضعوه وكبروه، لتأخذ دورها في زراعة الشوك والصخر في طريقه الصعب الطويل.
وأول المنتقمين والمتقدمين للخلافة، بقوة وحماس، سيكون إبراهيم الجعفري، وسوف يليه عادل عبد المهدي، ثم بيان جبر، فأحمد الجلبي، هادي العامري، بهاء الأعرجي، حسين الشهرستاني، جلال الصغير، إبراهيم بحر العلوم، وائل عبد اللطيف، علي الدباغ، وعباس البياتي. لكنْ على أي ٍ من هؤلاء توجد أكثرُ من علامة استفهام واحدة حول نزاهته أو كفاءته أو سلوكه أو تاريخه في القتل والاغتصاب والاختلاس. ومؤكد أن أطراف العملية السياسية الأخرى، من خارج الائتلاف، وخصوصا قيادة كردستان والقائمة العراقية وشخصياتٍ وأطرافا شيعية مهمة أخرى كالمرجعيات والمليشيات، بالإضافة إلى إيران وأمريكا، لن ترضى عن أي واحد من هؤلاء. فما الحل؟
فإذا كان حزب الدعوة، ودولة القانون، والائتلاف، وشركاء المحاصصة أجمعين عاجزين عن ولادة رجل واحد يصلح للقيادة، وإذا كان الخارج غير قادر على اختراع حل، وإذا كان العراق بلا جيش مهني وطني موحد ومتماسك ومستقل يمكن أن يتدخل لإنقاذ الوطن من هذه الورطة بانقلاب ثم يعيد السلطة إلى السياسيين، فما الحل؟ 
أنه مأزق كبير، والذي قادنا إليه ووضعنا بين مطرقة حزب الدعوة وسندان الائتلاف هو نظام المحاصصة اللعين. فلو أقاموا، من البداية، نظاما سياسيا ليبراليا قائما على أساس الخبرة والكفاءة والنزاهة لكان لدينا اليوم عشرات الآلاف من الرجال العراقيين الصالحين والمؤهلين جدا، لقيادة الوطن بلا وجع راس. غير أننا لن نحصد سوى ما زرعنا، وما زرع المنافقون. 
ألا ترون؟ بقاءُ هذا الرجل ألم، ورحيله ندم. هل أنا متشائم؟ نعم، ولكنْ ليس في اليد حيلة، فماذا نحن وأنتم فاعلون؟.