لم يتبقَ سوى أيام من المُهلة التي منحها الرئيس التركي أردوغان لرئيس الوزراء العراقي السوداني للإعتراف بـحزب العمال الكردستاني وغولن كمنظمات إرهابية، حتى بدأت تلوح في الأفق أزمة أبطالها أحد الشركاء في الإدارة الحاكمة في كردستان وتحديداً الإتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني الذي يتخذ من السليمانية مقراً له، وبين تركيا التي بدأت تُصعّد مؤخراً من هجماتها كانت قد بدأتها بإسقاط مروحية تابعة لـ(pkk) على أراضي إقليم كردستان وضمن منطقة حزب طالباني وإتهام الكرد بتزويد تلك المنظمات بالمروحيات، قامت على إثرها أنقرة بإلغاء كافة الرحلات الجوية مع مطار السليمانية.
ويبدو أن التصعيد الأخير في قصف مطار السليمانية بحجة إستيلاء منظمات إرهابية عليه حسب الإدعاء التركي قد يزيد من حجم الفجوة بين الحزبين الحاكمين في الإقليم المتمثل بحزب مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الإتحاد الوطني برئاسة بافل طالباني، خصوصاً بعد توجيه الأخير إتهاماً مُبطناً إلى وكالة مخابرات أمنية محلية بالتواطئ في إستهداف المطار.
حرب التصريحات التي بدأت تشتعل بين الطرفين حين هاجم المتحدث الرسمي لحكومة الإقليم قوباد طالباني متهماً حزبه بعرقلة عمل الحكومة ومؤسساتها من خلال سيطرة أجندات الحزب على بعض مفاصل الإقليم، مؤكداً أن المواطن في المنطقة بات في وضع سيء.
وصل الإتهام إلى وصف طالباني بالنائب (الفضائي) لرئيس الوزراء، من جهته إتهم حزب طالباني المتحدث بإسم إقليم كردستان جوتيار عادل بأنه ليس متحدثاً بإسم حكومة الإقليم، ولكنه يمثل حزباً داخل الحكومة.
حادثة قصف مطار السليمانية من قبل مُسيّرة يُشتبه بأنها تركية كانت تستهدف إحدى القيادات في قوات سوريا الديمقراطية يكشف عن أزمة جديدة بين تركيا وواشنطن المتهمة بتزويد تلك المنظمات بطائرات الهليكوبتر أو على الأقل السماح لإستخدامها بأنشطة تُقوّض السيادة العراقية مع إكتفاء قيادة التحالف الدولي ببيان خجول وصمت مريب عن تفاصيل تلك الحوادث.
هل تعلم بغداد بذلك النشاط المأزوم الذي ربما يتحول إلى توغل تركي داخل الأراضي العراقية؟ وكيف وصلت تلك المروحيات إلى الجماعات المسلحة؟ وما هو موقف التحالف الدولي المسؤول عن الأجواء العراقية في تحليق تلك الطائرات لتهديد الأمن والسلم؟.
أنقرة إبتدات بالتصعيد منذ أن أوقفت رحلات الطيران التركي إلى مطار السليمانية وذلك القصف بعد وصول معلومات إستخبارية بزيارة قام بها رئيس الإتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني إلى مدينة الحسكة السورية ولقائه بمظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تُصنفها تركيا منظمة إرهابية، وما حملت هذه الزيارة من رسائل سياسية وضغوط تركية على حكومة بغداد من أجل وأد الصلة مع المنظمات الكردية المناوئه لها.
غلق المجال الجوي بإتجاه مطار السليمانية وقصف مطارها بعد معلومات عن وجود مسؤول كبير من قوى سوريا الديمقراطية كان يروم المغادرة إلى غرب كردستان سوريا وتورط أمريكي بنقل ذلك المسؤول إلى موطنه يوحي أن الأزمة بدأت تتّسع مثل كرة الثلج التي تكبر وربما بدأت تتحول من أزمة محلية إلى دولية وإقليمية.
حادثة المطار يوحي أن هناك إنشقاق يلوح في النظام السياسي الكردي، مما قد يجعل إدارة الإقليم تتحول إلى إدارتين منفصلتين.
التوغل التركي داخل الأراضي العراقية بحجة محاربة المنظمات الإرهابية آتٍ لا محالة، خصوصاً بعد إنتهاء مُهلة الشهر التي منحها أردوغان للعراق، ويبدو من إستنتاج الوقائع أن بغداد أثبتت عجزها عن مكافحة تلك المنظمات الإرهابية، مما يجعل تركيا تفكر بأخذ زمام المبادرة بنفسها وهو ما يُعقّد الأزمة خصوصاً إذا كانت أمريكا حاضرة بقوة بذلك النشاط المأزوم.
الصورة بدأت تأخذ الأبعاد الثلاثية، إبتدات من حزب الطالباني (اليكتي) الذي بدأ يطرح نفسه ضمن معادلة إقليمية تمثلها إيران لذلك لم يعد ما يخشاه من تحركاته كما تدّعي بعض المصادر السياسية، وتصريح البنتاغون عن وجود عناصر أمريكية تعرضت للإستهداف ضمن عملية الإغتيال التي إستهدفت مظلوم عبدي زعيم قوات سوريا الديمقراطية كاشفاً حجم التورط الأمريكي لدعم تلك الجماعات الإرهابية حسب تصنيف أنقرة، وذلك المشهد السياسي في البيت الكردي الذي يوحي بالإنقسام حين أصبح يتعقد يوماً بعد آخر وتخوف حكومة بغداد من القادم.
المحصلة أن صيف بغداد الساخن لهذا العام قد يحمل الكثير من المفاجآت والأحداث لمنطقة تجلس على صفيح ساخن والخوف من حرب تُشعل المنطقة تبدأ بشرارة والتخوف والقلق الذي يشغل الحكومة الإتحادية في بغداد.