28 ديسمبر، 2024 2:58 م

ماذا كانت نتيجة الإحتلال الخاطئ ؟

ماذا كانت نتيجة الإحتلال الخاطئ ؟

في بلدٍ ( كالعراق ) وتحت غطاء التبرج القومي للعروبة .. لا بدَّ لنا من إعادة حساباتنا بدقة ، فلا يمكن أنْ نبقى مطوقين بين خوفنا من النار وشغَفِنا بدخول الجنة ونترك مصيرنا للعقائد المضادة ! .. فما يحدث من متغيراتٍ داخل خلايا الإنتماء العرقي والولاء الديني لنا ، أصبحت هذه القضية حكايةً مضحكةً لجيلٍ كامل على إستعداد كي يضحي للوقوف ضدها .. فالقوميون نأوا بأنفسهم جانباً فيما يحدث للعرب وحملوا أيديولوجياتهم معهم بعيداً منتظرينَ عقيدةً باسلة قد تظهرُ فجأةً ولربما تولدُ بثورةٍ يُقررها بعض المنقذين! أما الدين والتَديُّن فقد هاجر إلى منفاه متحيناً فرصةً أخرى للخروج من المساجد مع قافلة من المولعين برباط العقيدة .. العرب عموماً ليسوا شغوفين بالتطرف منذُ أنْ تركَ جَدُّهم إبراهيم عليه السلام أهلَهُ في بابل مفضلاً اللجوءَ إلى أخواله العرب الكنعانيين في فلسطين مبتعداً عن أفقٍ جديد مولع بعدم التساهل مع المخالفين .. وما جرى من محاولات على مرِّ القرون لتحويل حيادية العرب إلى تطرف لم تلاقِ النجاحَ المتوقع .. في العراق وهو مركزُ الأرض المدعوم برسالاتٍ سماوية واجهت إعتراضاً كبيراً، لم ينجح المعتدلون بفرض سيطرتهم الفكرية رغم المعارك الشرسة والمتغيرات السلطوية الجذرية للحكام بين قرن وآخر .. ماذا حلَّ إذاً كي يتحول العراق إلى كهوفٍ يستقر فيها متطرفون لم يلتفتوا كي ينفّذوا التطبيق العملي لنظريتهم إلا في العراق؟! أساساً العراقيون كان لهم الفضل للقفز الفكري خارج الإزدواجية المنتظرة بين مدرستين فكريتين .. الأولى وُلدت في الحجاز وهي النقل والثانية وُلدت في العراق وهي الرأي والإستماع.. الثانية لم تجهض قناعات مدرسة الأعوام الأولى للرسالة بل تقدمت أمامها كي تصطدم بعقائد معادية كانت تنتظر الوليد الفكري الجديد .. عندها إلتفتَ العراقيون إلى من إستعانَ بهم للتصدي لنغماتٍ طارئة حملتها الغزوات والاحتلالات المتلاحقة للعراق .. كان أشدُّها بطبيعة الحال تأثيراً الإحتلال الداعشي! نحنُ أمام معضلةٍ لا يمكن النفاذ منها بسهولة كي نُعيدَ ترميمَ ما ألحق بالهيكل العقائدي للإسلام بسهولة .. فالتطرف لم يبدأ مع داعش ولن يكتب له الذبول والعالم يتصدى لحقبةٍ كان بعيداً جداً عنها.. كيف دخل إلينا التطرف؟ الكثيرُ من المفكرين أخطأوا حين أبعدوا العراق عن مسببات إصابة العالم بالميول الإجتماعية والولاء المتوقع لتسلق المتطرفين إلى صفوف وميادين العامّة .. فمنذ تحرير العراق من الإستبداد المجوسي الفارسي وجدَ المسلمونَ العرب مثابةَ الإنطلاق المنتظرة لنشر الإسلام غرباً وشرقاً ولم يحسبوا ما لهذا الإختيار من مخاطر مستقبلية .. فالفُرس لم يقبلوا آنذاك بالهزيمة بهذه البساطة وكذلك القوميات والإثنيات الشرقية .. نعم ، جميعهم رضخوا تحت وقع السيوف كي ينقلبوا من دياناتهم إلى دينٍ جديد قبلوا به مُجبرين لذلك أضمروا الحقدَ في نفوسهم وبدأوا بخطوات رتبوا من خلالها بتأنٍ مدفون الإنقضاض على ولاة الدين الجديد من العرب بإسلوب مغاير نقلوه من قراءاتهم المفرطة لتاريخ الرومان والإغريق .. مركز الإنطلاق كان العراق وميدان الرد العراق أيضاً.. فبدأت كما صَدَقت بنقله وتوثيقه بعضُ كتب التأريخ حربٌ من نوعٍ آخر ليست مألوفة كما شهدها العرب.. الفكر والعقول !
بدايةً دخلت الفتنة بين ضفتي آل البيت والصحابة فيمن يستحق أن يكونَ خليفةً للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ونتجت عنها سلسلة من غزواتٍ ومعارك وحروب طاحنة تقاتل فيها الطرفان وهم يستمعون إلى أئمتهم ينطقون ويتحججون بالقرآن الكريم .. فذهب ضحية هذه التفسيرات آلاف الصحابة والتابعين ثم أُعلن الصلح بينهم وكأن شيئاً لم يكن .. وكأن حرباً ضروساً وتقطيعاً وتمثيلاً للجثث والسبي في بعض هذه المعارك لم يحدث!
من يصدقُ مثلاً أن جيشاً يقوده عليٌ رضي الله عنه يقاتل جيشاً تقوده عائشة رضي الله عنها ؟! أيمكن لطفلٍ صغير أن يصدق أن عائشة أم المؤمنين تشدُّ رحالها من الحجاز إلى أطراف البصرة على جَمَلٍ كي تبحث عن قتلة عثمان؟! مِنْ هذه المعركة ومَنْ سقطَ بسببها من آل البيت والصحابة والتابعين عشرات أخرى من الأمثلة .. ففي العراق وضع العراقيون الكمين الأكبر لسلالة الرسول وقُتلَ الحسين سِبطه في كربلاء والّذين قتلوه من أهل الحجاز ثم سبوا نساءَه ومثلوا بجثتِه وجثثِ أصحابه .. فتنٌ عجيبة وإحتلالات تتكرر كلَّ عام ولربما كلَّ شهر .. أين كانَ موقعها ؟ في العراق .. الأمويون حملوا راياتهم وإختاروا الشام عاصمةً لهم وبقيَ العراقيون وأهل الحجاز على خطوط الإعتراض حتى أسقطوا الأمويين ونقلوا عاصمة العباسيين مباشرةً إلى العراق بطلبٍ ممن وقفَ معهم وأسقط الأمويين .. مِنَ السَفّاح وحتى المستعصم بالله آخر خلفاء العباسيين تأريخٌ مخضبٌ بالمعارك والصراعات والجدل والإنحرافات رغم الفتوحات والإعتدال اللذين لم ينجيا من هذا الغضب .. فظهرت المذاهب .. الجعفرية والحنفية والشافعية والحنبلية والمالكية أما ما تبقى من مذاهب ظهرت ثم إختفت في العراق فلا تُكاد تُعد لكثرتها ولتلاشي وإختفاء تأثيرها .. لا يمرُّ يومٌ واحد إلا ويسمع الناس أنَّ تمرداً حدث في البصرة وفي وفي الكوفة وغيرها حتى سقطت بغداد بيد المغول ثم أسلموا بعد أنْ صفّوا حساباتهم جيداً وأخذوا بثأر من وصل إلى عاصمة الصين كي يُدخل أجدادهم في الإسلام .. جميع الإحتلالات نجحت في خرق جبهات الجيوش الإسلامية ببساطة وتستقر في بغداد ثم ما تلبث أن تسقط هي ببساطة ويزيحها إحتلال آخر .. المغول ، البويهيون ، السلاجقة ، الجيلائريون ، الصفويون ، العثمانيون إحتلوا العراق لكنهم سُحقوا فيه وتمزقت جيوشهم حتى الإحتلال البريطاني.. دخل العراق من البصرة في عام 1914 وتوسل قادته في خمسينيات القرن الماضي بخروج آخر وحداتهم من العراق .. وجربَ الأمريكيون حظهم العاثر بإحتلال العراق في عام 2003 .. ماذا كانت نتيجة الإحتلال الخاطئ .. عشرات الآلاف من جنودهم قُتلوا أو جُرحوا أو تَعوَّقوا وخسائر مالية قدرها مختصون بترليونات الدولارات حتى أنقذهم أوباما من هذه الورطة وسحب جيشه المتهالك بين عامي 2010 و 2011 لكنهم مازالوا في وحل العراق وتخبط أهله ..العراقيون لا يعرفون ما هو الصحيح وما هو الخطأ ولا يمكن لكَ أن تُقنع طفلاً عراقياً بأنه مخطأ!
لذلك دخل الإضطراب الفكري إلى نواة تكوين المجتمعات وهي الأسرة العراقية ومعاناتها من الإنحراف السلوكي الهائل وتبددت المعتقدات الظاهرة مع سحابةٍ فكريةٍ غريبة نواتها كانت في العراق قبل قرون لكنها هاجرت إلى بلدانٍ أخرى كالمغرب ومصر والسعودية وجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى وأوربا كي تُعيدَ بناءَ نفسها من جديد في بلدانها نظرياً أما التطبيق العملي لما تعلَّمَتْه من دروس ومحاضرات فكان في العراق .. الساحة المناسبة والسماء الصافية لعناق الوافدين إلى عالمٍ إعتقدوا أنهم سيطبقوه هنا في العراق بعد أن إستغفلهم عراقيون ونصبوا لهم فخاً وكانت واقعتهم في محافظات عراقية بعينها.. لا أطيل الأمر ما حدث في العراق خلال السنوات 18 الماضية لن ينتهِ هكذا أبداً .. فالخراب والدمار والقتل والتشريد والنزوح وسحق مدن بأكملها والتغييرات الديموغرافية الهائلة لمدن كثيرة ستنتقل إلى مدنٍ أخرى ودولٍ أخرى قريبة وبعيدة.. إنْ لم نجد حلاً لما تسببته القيود المتوارثة منذ آلاف السنين وإصرار الكثيرين من أعلى العقول إلى أدناها ومن أرقى محاور التثقيف إلى أقلها شأناً لضرورة الإستيلاء على علامات فارقة يتميز بها العقل العربي ، تمكنَ غيرنا من السيطرة عليها وهو يراقبنا من بعيد .. أهمها على الإطلاق الإنسحاب من حَلَبة التمسك بأخطائنا مهما كان الإعتقاد والإيمانُ سائداً بمصداقيتها .. ولنجرب التعرف إلى الغير كما هم فعلوا فكانت هذه النتائج.. العالم كله يتقاتل في مدننا ويدمرها ويشرد أهلها وما زلنا مثلاً نتحاور في أحقية الخلافة أو الخلاف عمن له الأحقية في إمامة المسلمين ؟! مثلاً أقول أما ماتبقى من وقائع فأفضل أن تبقى مدفونةً في قبورها ، وإلا سيظهر لنا عن قريب جيوش أخرى من المتطرفين لم يُحسب لها أي حساب ستقلب الموازين وتذوب بسرعة داخل مجتمعنا إن لم نجد الحلَّ المناسب !
ولله الأمر