على الرغم من نقاط الإلتقاء ونقاط التباين بين التظاهرات التي حدثت في بعض اقطار الوطن العربي < مصر إنموذجاً ولبنان إنموذجاً آخراً > , لكنّ الحركة الأحتجاجية في العراق لها خصوصيةً شديدة الخصوصية ” ولسنا هنا بصدد المقارنة بين التظاهرات العربية , وشقيقتها العراقية ” .
في استقراءٍ للتظاهرات الجارية والمتجددة وبسرعةٍ عالية في العاصمة بغداد والمحافظات والأقضية < ولربما هنالك تظاهرات في محافظاتٍ اخرى تنتظر دورها ” تكتيكياً ” , فيعني اوّل ما يعني أنّ هنالك اصرار بلغ درجة العناد والتحدي , ولم يعد ممكناً التراجع عنه , وقد تضاعف ذلك ” كعاملٍ مساعدٍ ” في قتل الأجهزة الأمنية لعددٍ من المتظاهرين وجرح آخرين وفي مدنٍ مختلفة .. ثمّ أنّ ارتفاع وتعدد وازدياد مطالبات الجماهير المنتفضة ” يوماً بعد آخرٍ ” قد يعني اغلاق آخر بوابة او نافذة افتراضية لفضّ هذه الأحتجاجات ” إلاّ اللهمّ بأستخدام القوة المفرطة للغاية ” مع صعوبة السيطرة على هكذا اوضاع تنتشر جغرافياً بالطولِ وبالعرض , وبطريقةٍ غير هندسية .!
ثُمّ أنّ اندلاع هذه التظاهرات والتي أجّجتها اسبابٌ ومسبباتٌ حياتية ضاغطة , وبتوائمٍ وتناغمٍ مع اسبابٍ سياسية وعمليات فساد عملاقة من داخل اركان واحزاب السلطة ممّا حوّل الحرمان الجمعي الى غليان وفوران جماهيري عارم .
وبأختزالٍ لتفاصيلٍ ومداخلاتٍ متشعّبة اخرى , فمن الواضح أنّ هذه التظاهرات المتكررة بنحوٍ يوميّ , فأنّ لها خطة عمل تتّسم بالمرونة والمطاطية وقابلة لتغيير تكتيكاتها والتكيّف السريع مع اية مستجدات حكومية وأمنيّة , كما يبدو انها تستفيد من اية نقاط ضعفٍ في ايّ جولةٍ او صولة .! كما يتّضح كذلك أنّ هذه الأحتجاجات تمتلك محرّكات تقنيّة وفكرية , وهي بالتالي لديها دواليبُ عجلاتٍ لا تتحول ولا تتحرك نحو الخلف , كما يترآى أنّ الحالة الأنفعالية والمتدفقة لعموم وجموع المتظاهرين قد تدفعهم للتخلّي عن اية كوابح توقف السير والأندفاع والحركة نحو الأتجاه المعاكس او الى الخلف ! , وسيّما اذا ما ازدادت نسبة ضغوطات الأجهزة الأمنيّة عليهم , وتتجلى الخشية والتخوف الحكومي او الحزبي الحاكم من أن تنتقل هذه الحركة الدينامية من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم .!
وفي استقراءٍ مضاعف من زاويةٍ مغايرة أخرى , فمن السذاجةِ والسخف التصوّر او الظّن أنّ ساحة التحرير في بغداد هي مسرح العمليات الوحيد للهدف الستراتيجي لهذه التظاهرات , كما أنّ عدم تمكّن المتظاهرين ” لغاية الآن ” من اجتياز وعبور جسر الجمهورية المجاور لساحة التحرير , لإسقاط نظام ومنظومة الأحزاب التي استدعاها الأحتلال الأنكلو – امريكي لتنوب عنه في احتلال العراق وتمزيق اواصره , فأنه أمرُ يدعو للسخرية البالية!
ثُمَّ , بقيَ أنْ نختصر ونختزل بكثافةٍ نوعيّة أنْ لا بدّ من الإعتراف بأنّ جهاتٍ حزبيةٍ – ذات الفصائل المسلّحة قد تمكّنت بقدراتها من جرّ وحرف فئاتٍ محددة ومحدودة من المتظاهرين اليافعين نحو مواقع شركات النفط الأجنبية والوطنية بغية تحويل بوصلة الأحتجاج الجماهيري الى < إشاراتٍ ومؤشراتٍ > اقليميةٍ – دولية .! , لكنّ التحرّك الجماهيري الواسع تجاوز ذلك عبر إشعال النيران في مقرّات احزاب السلطة الحاكمة .! ولذلك شؤونٌ وشجون , ومع عيونٍ شعبيةٍ ترصد وتترجم المعناة الكبرى لهذا الشعب المستباح .
وفي اواخر أسطر تقديراتنا الإعلامية المتواضعة والمسكينة ” والتي لم تخلد الى السكينة منذ يوم 9 \ 4 \ 2003 المشؤوم , فأنّ كلّ مجريات ما يجري على الساحة العراقية لغاية هذا اليوم , فهو ليس سوى المسودّة الأولى من الصفحة الأولى للهجوم على ازاحة الغيوم المصنّعة لكلّ فصول العراق الشّاق عليهم .!