في مطلع الربع الأخير من عام 2012، نشر مركز أبحاث صهيوني «مركز بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية»، دراسة بحثية تحت عنوان «هل تتجه مصر نحو النووي»، هذه الدراسة أعدّها العقيد احتياط «شاؤول شاي» النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الصهيوني، تحدّث شاي بهذه الدراسة بشكل واسع عن طموح مصر المستقبلي بامتلاك سلاح نووي، وأكد حينها انّ بمقدور مصر ان تصنع وتمتلك سلاحا نوويا بفترة وجيزة، ويعود السبب بذلك، إلى انّ مصر تملك جيشاً من علماء الهندسة النووية والفيزياء، بالإضافة الى خبرات واسعة يتمتع بها الكثير من أساتذة الجامعات القادرين على تدريب وتجهيز أجيال قادمة بالمعرفة النووية.
هذه الدراسة الصهيونية أعدّت حينها بعد أن استشعرت دوائر صنع القرار الصهيونية انّ الطموحات المستقبلية لمصر الدولة قد تغيّرت بشكل شبه كامل، بعد ثورة الثلاثين من حزيران 2013، وانّ مصر بدأت فعلياً بالبحث عن موارد عسكرية جديدة تمنحها قوة ردع فاعلة، وتحقق لها توازنا عسكريا مع قوى الإقليم الفاعلة، فالسلاح النووي كما تتحدّث بعض القوى الامنية والسياسية في مصر، سيكون هو الضامن الأكثر فاعلية لتحقيق توازن الردع مع كلّ قوى الإقليم.
تاريخياً، لمصر تجارب عديدة في مجال بناء مشاريع «نووية سلمية»، ففي عام 1963 قرّر النظام المصري حينها البدء بإعداد وتجهيز مشروع محطة نووية سلمية، وحينها اتخذ قرار بإقامة المشروع في منطقة «سيدي كرير»، بهدف توليد 150 ميغاوات، وكان المشروع الأول في العالم، الذي سيولد طاقة كهربائية بمعدل 150 ميغاوات ويعمل في الوقت نفسه على تحلية مياه البحر بمعدل 20 ألف متر مكعب في اليوم، واستمرّ العمل ووضع اللمسات الأخيرة على المشروع، إلا انّ جاءت حرب عام 1967، لتهدم كلّ ما تمّ بناؤه في هذا الاتجاه، والسبب انّ عطاء تنفيذ المشروع وقع اختياره على شركة أميركية، ولأسباب سياسية وأمنية، تمّ إلغاء العمل بالمشروع ككلّ حينها، في عام 1974 وما بعد عادت من جديد طموحات المصريين لبناء محطات نووية، وحينها تقرّر إعداد خطط ناجعة لبناء 8 محططات نووية هدفها تغطية احتياجات مصر من الطاقة، وفي تلك الفترة الممتدة من عام 1974 الى عام 1979 بدأ بالفعل التجهيز لبناء محطات نووية سلمية، واستمرّ العمل وبشكل واسع لإتمام تنفيذ المشاريع، وحينها تعهّد الرئيس الأميركي نيكسون خلال زيارته إلى القاهرة بتزويد مصر بمحطتين نوويتين تصل قدرتهما إلى 1800 ميغاوات، كما ادّعى، لتأتي الأيام سريعة ولتؤكد خبث النوايا الأميركية، ولتجهض كلّ مشاريع وخطط مصر لبناء مشاريع طاقة نووية سلمية، والسبب كما تدّعي أميركا هو رفض مصر التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
في مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة، بدأت بعض الأقاويل من جديد تثار حول نية مصر تطوير برنامج نووي سرّي، وتحدّثت حينها الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن أدلة حصلت عليها، تفيد بأنّ مصر عملت وجهّزت وقامت ببعض الأنشطة النووية في الفترة الممتدّة بين عام 1984-1996، وأنّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية حصلت على أدلة تفيد بإنجاز مصر لبرنامج نووي انتهى في مطلع عام 2004، وحينها أثارت صحيفة «هآرتس» الصهيونية هذذا الموضوع، وقالت: «إن عدة كيلوغرامات من عنصر اليورانيوم وتترافلورايد اليورانيوم الذي ينتج عنه غاز هكسافلورايد اليورانيوم من بين المنتجات التي تقوم مصر بتصنيعها، بينما قالت صحيفة «يو إس إيه توداي» الأميريكية: «إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجدت أدلة على قيام مصر بتجارب نووية سرية يمكن أن تشكل برنامج أسلحة نووية»، واضافت: «إنّ الوكالة تبحث في أدلة مفادها قيام مصر ببعض الأنشطة ذات الطابع النووي في العام الماضي»، ومع أنّ صحيفة «إندبندنت» البريطانية قالت: «إن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية اقتفوا آثار تجارب محدودة خلال الأشهر الأربعة الماضية من العام المذكور»، وحينها تحدث ديبلوماسيون في فيينا حيث مقرّ الوكالة الذرية «وقللوا من شأن هذا الاكتشاف قائلين: «إنّ التجارب لم تشمل تخصيب اليورانيوم الذي يلزم توافره كمؤشر واضح على أنّ مصر لديها برنامج أسلحة نووية»، فقد قال دبلوماسيون غربيون: إنّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقق في أنشطة نووية غير معلنة في مصر يمكن أن يكون لها صلة بتصنيع الأسلحة النووية.
مصر حينها ردّت على كلّ هذه الاقاويل من خلال عدة تصريحات لمسؤوليها، بمطلع عام 2005، فقال مجدي راضي المتحدث باسم الحكومة المصرية حينها: «إنّ مصر لا تسعى لحيازة برنامج نووي لأغراض عسكرية»، وتابع في إشارة ذات مغزى: «إنّ مصر نفت ذلك منذ بضعة أشهر وتنفيه مجدّداً». وأضاف: «لا يوجد سرية حول برنامجنا النووي وليس هناك ما لا تعرفه الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن أنشطتنا»، وهذا بدوره دفع البرادعي مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية نفسه حينها إلى الردّ على هذه الادّعاءات بعد ان تعرّض لهجمة شرسة وحملة منظمة ضدّه عام 2005 للقول في مقابلة مع وكالة «رويترز»: «إنّ مصر ستلقى نفس المعاملة الصارمة التي تلقاها أيّ دولة أخرى موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي»، وقال:» أنا موجود هنا بصفتي مديراً عاماً وليس كمصري، وسنواصل تطبيق نفس معايير الشفافية والاحتراف، ولن نخفي أيّ جزئية من المعلومات.
استمرّت حملة هذه الادّعاءات ضدّ مصر بين صعود ونزول طيلة العقد الماضي، إلى انّ وصلنا لمطلع الربع الثالث من عام 2013، وحينها عادت بعض الصحف الغربية والإقليمية، لتشنّ حملة جديدة ضدّ مصر متهمة إياها بشراء سلاح نووي من الخارج، وقالت هذه الصحف إنها استقت معلوماتها من مصادر استخبارية دولية، وعادت مصر حينها لتنفي كلّ هذه الشائعات، واستمرت الحملة هذه طيلة الاعوام الثلاثة الماضية، الى الوقت الذي قرّرت فيه مصر ان تعلن وبشكل صريح وواضح عن شراكة نووية مع روسيا لإنشاء محطات نووية سلمية، فقد جرى خلال زيارة بوتين الأخيرة إلى مصر توقيع عدة اتفاقيات شاملة بهذا الاتجاه، ومنها اتفاق لتطوير مشروع لبناء أول محطة للطاقة النووية فى مصر، وفى المقام الأول سيتمّ بناء وحدتين للطاقة النووية كلّ وحدة بطاقة 1200 ميغاوات، مع وجود خطط لبناء أربع محطات أخرى التى تحتوي على أحدث متطلبات السلامة، وقد تعهّدت روسيا بتعاون كامل مع المصريين لبناء مشروع نووي متكامل مصري.
مشاريع مصر النووية لم ترض «الاسرائيليين»، وأثارت الشكوك حول نوايا المصريين من التوجه نحو الطاقة النووية، فقد جاء تقرير أورده مؤخراً موقع «إسرائيل ديفينس» تحت عنوان «مصر والخيار النووي» مكتظاً بالشكوك والتحذيرات حول البرنامج النووي المصري، مدّعياً «أنّ عجز الطاقة ليست الدافع المصري الوحيد وراء الاهتمام بالبرنامج»، محذراً من «إمكانية دخول مصر سباق تسلح نووي إقليمي»، كما وجه تقرير «إسرائيل ديفينس» انتقادات ضمنية لرفض مصر التوقيع على بروتوكول إضافي في معاهدة «حظر انتشار الطاقة النووية، أو تلك الخاصة بالأسلحة الكيماوية. وقال التقرير: «حاجة مصر المتزايدة للطاقة ليست الدافع الوحيد وراء اهتمامها ببرنامج الطاقة النووية… مصر ترى في نفسها قائدة للعالم العربي، لذلك فإنّ قرار مواصلة برنامج الطاقة النووية، يخدم أغراضاً سياسية على المستويين الداخلي والدولي»، وحذر التقرير من سباق تسلح نووي متوقع، مدعياً «أنّ مصر قد تكون أحد أطرافه»، قائلاً: الأنشطة النووية لإيران قد تثير سباقاً نووياً إقليمياً، حيث يستطيع منافسو إيران في الشرق الأوسط، مصر والسعودية وتركيا والأردن ودول الخليج مجابهة التهديد الإيراني عبر برامج نووية خاصة بها.
ختاماً، يبقى الحديث عن برنامج نووي سرّي عسكري مصري، مجرّد حديث عابر لا أدلة حقيقية تثبت وجوده على أرض الواقع، ولكن هنا يمكن التأكيد على أنّ وجود برنامج نووي عسكري «إسرائيلي» معلن وواضح للجميع، سيدفع بعض قوى الإقليم عاجلاً أم أجلاً إلى تطوير برامج عسكرية نووية بهدف إنتاج قوة ردع نووية في مواجهة النووي «الاسرائيلي»، وهذا بدوره سيعكس مستقبلاً سباق تسلح نووي سيشمل الإقليم ككلّ، فالطاقة النووية بشقيها السلمي والعسكري، أصبحت حاجة ملحة لكلّ قوى الاقليم، في ظلّ وصول حدّة التصارع والاشتباك الدولي والاقليمي الى حدود الاشتباك المباشر، وهذا ما يؤكد انّ السنوات القليلة المقبلة سوف تشهد على الأغلب سباق تسلح نووي وبشكل علني وواسع بالمنطقة والأقليم ككلّ…