18 ديسمبر، 2024 8:11 م

ماذا تعني زيارة بابا الفاتيكان للعراق؟

ماذا تعني زيارة بابا الفاتيكان للعراق؟

يمثل بابا الفاتيكان اعلى سلطة دينية في الديانة المسيحية وللعالم المسيحي، وهذه السلطة تعادل المرجعية الدينية العليا على مستوى المسلمين الشيعة، والمفتي او شيخ الاسلام على مستوى المسلمين السنة، ومن المعروف ان هذه السلطة ليس وليدة اليوم، وانما ترجع الى عصور خلت حيث مثلت الكنيسة بعد انتشار الدين المسيحي عمقا أيديولوجيا في عموم بلاد الغرب، وعمقة في ما يعرف آنذاك بالإمبراطورية الرومانية في مدينة روما الايطالية، وكانت سلطة البابا كحكم الكنيسة او رجال الدين، الكهنوت، تجمع ما بين السلطتين السلطة الروحية الدينية من جانب، وسلطة الزمنية او السياسية من جانب ثاني، وكانت تمثل في تلك العقود حتى اعلى من السلطة الزمنية السياسية بل كانت السلطة السياسية تأتمر بالسلطة الكنيسة، وقد تأصلت هذه الاطروحات الدينية في مدونات كتبت في تلك الحقبة ذاتها ومنها ما سمي بنظرية السيفين (للجلاسيوس الاول) التي ترى ان هناك سيفين: سيف للسلطة الدينية، وسيف للسلطة السياسية، والاخير يكون بأمرة السلطة الدينية، ويقترب منه في بعض الوجوه كتاب مدينة الله (للقديس اوغسطين)، القائمة على اساس وجود عالمين او مدينتين مدينة الله وهي السلطة الدينية والروحية ومدينة هذه الدنيا وهي السلطة السياسية وان ما بين هاتين المدينتين صراع ازلي ما بين الخير والشر، الاولى بنظر القديس اوغسطين تمثله الكنيسة والثانية تمثله السلطة السياسية او مدينة الدنيا لكن القديس اوغسطين ان الانتصار يكون لصالح سلطة الخير الذي تمثله الكنيسة، هذا الجمع ما بين السلطتين الذي استمر اكثر من خمسة عشر قرنا كان لها اثار سلبية بنظر مفكري عصر الاصلاح وما بعدهم، فنظمت سلطة الكنيسة بعد ذاك وحصرت صلاحياتها في السلطة الروحية فقط ولها الرمزية الدينية والصلاحيات الكاملة في ذلك، وتتمتع بالشخصية المعنوية مما يعطيها تعامل قانونية الدولة لكن فقط على المستوى الديني لاتباع الديانة المسيحية الكاثوليكية، ولآن تعد الفاتيكان دولة يراسها حالياً(البابا فرنسيس تولد 1936م ــــ ) وهو بالترتيب السادس والستون بعد المائتين، هذه الدولة تشرف على الجانب الروحي لكل المسيحين في العالم ولها سفراء في كل دول العالم، ويقابله تمثيل دبلوماسي كسفراء في الفاتيكان، والبابا لا يقتصر نشاطه الديني والاجتماعي على مستوى الداخل في الفاتيكان بل يقوم بين الحين والاخر بزيارات رمزية الى هذا البلد او ذاك وقد سمعنا منذ سنوات ان البابا لديه رغبة كبيرة في زيارة الدولة العراقية لكن الظروف والوضع الامني حال دون ذلك، ربما هو السبب المباشر بالتأجيلات المتكررة، ومع مطلع هذا العام اعلن الفاتيكان بان سيدة(البابا فرانسيس)، سيزور العراق بصورة رسيما معلن عن ارسله وفداً رسمياً لزيارة العراق وتحديد الاماكن والشخصيات التي سيلتقيها البابا في العراق، وقد بدا هذا الوفد زيارته لمدينة النجف مما يوكد ان البابا في زيارته سيعمد الى زيارة المرجعية الدينية العليا بزعامة السيد علي السيستاني في المدينة، اذ ان الفاتيكان يعتقد انها تمثل العمق الروحي للمسلمين الشيعي في العراق والعالم، كما سيكون الامر نفسه في زيارته لبغداد ومدينة الناصرية حيث المعالم التاريخية، وارث(النبي ابراهيم الخليل)، وكذلك زيارة مدينة اربيل في اقليم كردستان العراق، لكن السوال الاهم هنا ماذا ستمثل هذه الزيارة للعراق الدولة والمواطنين؟ مثلما اشرنا ان البابا يمثل سلطة روحية عليا ولها عمق روحي وديني واجتماعي وحتى سياسي عند اغلب الدول لاسيما الدول الغربية ومن ضمنها الولايات المتحدة، حيث اغلب الناس هناك على الديانة المسيحية وللجانب الروحي اثر كبير ما بين الغرب والعالم العربي خاصة الاهتمام بالمواطنين العرب المسيحين، اما بالنسبة للعراق فزيارة بابا الفاتيكان تعني له الكثير اولا وتكمن وجوه هذه الرسالة من عدة نواحي اهمها مايلي:
اولاً: الاعتراف المتبادل بحوار الاديان والمذاهب الذي تعرض في السنوات الاخيرة الى صدمات كثيرة بعد بروز الارهاب تنكيلة بالمواطنين الاقل عدد دينيا وعرقيا وتهجيرهم من محل سكنانهم تاريخيا.
ثانيا: تعطي مكانة للعراق التعددي امام البلدان لاسيما العالم الغربي اي ان الزيارة حتما ستبرز ان في العراق تعدديات دينية وقومية وهم جزء اساسي ورئيس من مكونات هذا البلد ولا تخفي الحكومة العراقية من ان تسهم الزيارة في تحقيق استقرار سياسي واجتماعي داخل العراق.
ثالثا: تساهم الزيارة من نظرة العوالم الاخرى للعالم الاسلامي خاصة الشيعي منه اذ ان هناك فجوة صنعتها بعض الدوائر الاعلامية والمخابراتية والدينية والسياسية اقليما في تشويه بعض الاديان والمذاهب في العراق واتهامهم بشتى التهم واللحاق الاباطيل بحقهم فزيارة البابا هنا للمرجعية الدينية العليا قد يضفي صفة الاعتراف الرسمي بهذه الطائفة .
رابعاً: تساهم في تنشيط السياحية التاريخية والدينية خاصة بعد اعلان وفد البابا بزيارته الى مواقع دينية تاريخية في عدة محافظات ومنها مدينة الناصرية في جنوب العراق ومن خلال الزيارة قد يتعرف العالم الى هذه المواقع التي تكاد تكون مهموله وغير معروفة لدى اغلب مجتمعات العالم.
خامساً: ترسيخ قيم المواطنة واحترام حقوق المواطنين الاقل عددا كالمسيحيين والصابئة واليهود وغيرهم
سادساً: الابعاد السياسية كالمساهمة تغيير نظرة الاعلام العالمي والاقليمي للعراق خاصة فيما يتعلق بالوضع الامني.
هذه المقومات صحيح ممكنة تحقيقها بكل انسيابية بعد الزيارة لكن تحتاج الى روية استراتيجية من قبل السلطات العراقية والا قد لا تأتي مرحلة ما بعد الزيارة بالنتائج المرجوة فيما بعد خاصة وان العراق مر بتجربة مماثلة في بعض الوجوه مثل تصنيف اليونسكو التابعة للأمم المتحدة لمدن ومناطق واماكن كالأهوار في جنوب العراق على لائحة التراث العالمي لكن في ظل انعدام البيئة المناسبة للسياحة وغياب الاعلام السياحي الوطني لم يحقق العراق اي تقدم يذكر وبقى الوضع على ما هو عليه في تنشيط الجانب السياحي في تلك المناطق. ومما تقدم نستطيع القول ان زيارة البابا للعراق اذا ما تحققت فعلا بعد ان تبين رغبة بابا الفاتيكان من خلال ارسال الوفود التحضيرية ولابد للسلطات العراقية والقوى السياسية والدينية ان تعمل اولا جاهدة على انجاح هذه الزيارة التي يمكن وصفها بالتاريخية من خلال تشكيل اللجان المختصة بذلك، وايصل رسالة للعالم بقدرة العراق على تنظيم زيارات من هذا النوع لتكون بادرة اولى لزيارات اخرى من شخصيات عالمية، تضاف الى الزيارات المليونية للعتبات الشيعية المقدسة، وكذلك ايصال رسائل مهمة للناس الراغبين بزيارة العراق للسياحة الدينية والسياحية من مختلف الاديان والمشارب والبلدان. واذا نجحت السلطات العراقية بذلك وفق روية وخطط استراتيجية تتضمن الجانب التطويري وخلق البئية السياحية المناسبة سيحقق العراق تقدما على مستوى الدولي ومن ثم سيحقق تقدم اقتصادي يقوي من اقتصاده الاحادي المعتمد على الجانب الريعي النفطي فقط بعد ان عجزت السلطات على الحفاظ على الاقتصاد الزراعي والصناعي.