إيران ككيان سياسي صنع عام 1935 في أروقة الاستخبارات البريطانية، والأمريكية، وصناعة إيران تمت لمقتضيات المصالح الاستراتيجية العليا لكلا الحليفان الغربيان، وبالطبع سيكون ملبيا لمصالح كامل المعسكر الرأسمالي / الناتو. إذ لم يكن هناك كياناً بهذا الاسم، الذي اخترعه خبراء وموظفوا الاستخبارات البريطانية، ماذا كانت قائمة المصالح البريطانية الغربية تتضمن من أهداف ومصالح داخل إيران وخارجها، سنأتي عليها بالتسلسل، أما حكام إيران، فلم يكن مقدرا لهم أكثر من وكيل اقطتاعي (سركال) . وابتداء وقبل عملية صناعة إيران، لابد من الإشارة إلى نقاط مهمة سيكون لها تأثيرها المستقبلي. كانت إيران بقيادة الصفويون(وهم أتراك آذريون)، قد اختاروا التشيع، لسبب سياسي 100% وفرضوه بالقوة والعنف الدموي على الشعب التركي / الآذري والفارسي والشعوب الصغيرة لكي يبتعدوا عن الانصياع لدولة الخلافة الإسلامية (الإمبراطورية العثمانية).
1. أبدى الصفيون الاستعداد التام والدائم لمقارعة واستنزاف الدولة العثمانية، وأي قوة غربية لها مطامع في أراض الدولة العثمانية وخاضوا من أجل ذلك الحروب العديدة في شمال إيران: في أذربيجان، وشرقي الاناضول، وجنوب إيران لمساعدة البرتغاليين في مطامعهم في الخليج العربي ولا سيما في سلطنة عمان.
2. وتولت بريطانيا مساعدة بلاد فارس، التي سيصبح أسمها من الآن فصاعدا إيران، وكانت بريطانيا تحتل العراق ومنطقة الخليج، وشبه القارة الهندية ( التي تؤلف اليوم الهند وباكستان، وبنغلادش )، وجمعت أراض وشعوب كان لبعضها كيانات سياسية كالأهواز ، والآذريون الذين أسسوا في مجرى احداث الحرب العالمية الأولى جمهورية أذربيجان الشعبية، التي التحقت ككيان اتحادي ضمن ” أتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية “.
3. كانت بريطانيا قد اتخذت من الأراضي الإيرانية (كانت في طور التأسيس)، مقراً وممراً لمحاولاتها ولتدخلها العسكري لمكافحة ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، ودعم التدخل الفاشل لجيوش جنرالات القيصرية المنهارة. وبهذا المآل احتفظت بأذربيجان الجنوبية، لتشكل القطعة الثمينة من الدولة الإيرانية الجديدة.
4. كان بروز الاتحاد السوفيتي ككيان كبير يمتد من المحيط الهادئ إلى شرق أوربا، من أهم نتائج ومفرزات الحرب العالمية الأولى, وحين أشتمل كيان الدولة السوفيتية على عدة كيانات سياسية ضمن الاتحاد السوفيتي ” جورجيا، أذربيجان، أرمينيا، كازاخستان، أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قرغيستان ” وبدأ يمثل تغلغلاً سياسيا وثقافيا واقتصاديا خطير الأهمية، تصاعدت أهمية إيران وأصبحت تمثل رأس الرمح في الخطط البريطانية / الامريكية في المنطقة الشاسعة من أفغانستان جنوباً إلى أوسط قلب آسيا الصغرى شرقاً، إلى أذربيجان وأرمينيا وبحر قزوين وتركيا شمالا وغربا، وهي مساحة ذات مدلولات سياسية واقتصادية واستراتيجية عسكرية. تمثل موقعا ثميناً في الاستراتيجية الغربية سواء كمصد، أو كنقطة انطلاق.
5. أضاف اكتشاف النفط والغاز الأحفوري، وتصاعد أهميته في الاقتصاد العالمي، من أهمية المنطقة، وبنفس الوقت ليزيد من أهمية دور إيران كضامن وحامي للمصالح الغربية.
6. كان لاستقلال البلدان العربية في المشرق العربي : العراق، سورية، لبنان، الأردن، السعودية، اليمن، وتنامي دورها المتسارع ومكانتها السياسية والاقتصادية في السياسة والاقتصاد الدولي، يبرر أهمية وجود دولة لها ولاء مضمون للغرب، يلعب دور الدركي في المنطقة. وعلى هذا النحو مثل تدخلاتها في مراحل متفرقة دورا بهذا المآل في العراق (باستغلال القضية الكردية، والحركات الشيعية)، وعمان (حركة تحرير ضفار)، واليمن (الحركة الحوثية)، ولبنان (حزب الله وحركة أمل)، وتسللها إلى القضية الفلسطينية من خلال حركة حماس.
7. بوجود روسيا التي تحتل موقعا مؤثراً (جغرا/ سياسي، جيوبولتيك). والخط الإيراني / الروسي يلتقي بالمسألة الآذرية هي نقطة ضعف الكيان الإيراني، وفي حالة فقدان إيران لمحافظة تبريز الآذرية، والمناطق التي يقطنها الآذريون، سيصاب الكيان السياسي الإيراني بوهن شديد، قد يضعضع كيان الدولة بأسرها، فللروس تأثير قوي في المنطقة أذربيجان/ جورجيا، أرمينيا، وتلامس المصالح الحيوية الإيرانية بصميم وجودها، والمصالح التركية التي تهدف لأزالة العقبات بينها وبين الموانع التي تفنن الإنكليز بوضعها (ممر زنغور/ الكيان الأرمني) الي يعزلها هن محيطها الاستراتيجي ” الدول التركية: أذربيجان، كازاخستان، أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قرغيستان، امتداداً إلى تركستان الشرقية ” فكل ما يدور في هذه الأرجاء يهم روسيا ومصالحها بدرجة مباشرة. وعلى إيران أن تعي وتستوعب هذه التوازنات بدقة لا تحتمل الغلط.
8. حين حلت الأزمة الأوكرانية 1990 فصاعداً، كان المراقبون للأزمة يدركون أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، قد يكون مستقبل المسار المحتمل للحرب مع الناتو بانغماس تدريجي، بأعتبار انها أول حرب دولية للناتو. وبدأت التحضير لأدوار كافة الأطراف، بهذه الدرجة أو تلك من الكفاءة في الاستعداد.
9. الولايات المتحدة كانت من أولى الأطراف التي شمرت عن ساعدها واستعدادها للعلاقات الجديدة، ومع إدراكها بأنها قد فقدت مراكز مهمة، ” تنامي نفوذ كوريا الديمقراطية الشعبية، أفغانستان” أطلقت شعارها (drive from behind) ولكن الأوربيين لم يعتقدوا أن الأمور ستبلغ ما بلغته في الحرب الأوكرانية، فقد اعتقدوا أن روسيا ستنهار بعد فترة وجيزة من الصراع السياسي/ الاقتصادي/ العسكري،
10. الصدام الغربي / الروسي في أوكرانيا نموذج مصغر للحرب الكونية، استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة عدا النووية، ودخلت الجيوش بصفة مستشارين ومدربين، واستخدمت فيها أراضي أوربا الشرقية كممرات ومقرات، وكلها مبررات اعلان الحرب، والقتال جرى على مدى 3 سنوات. وستسفر عن نهاية تشبه نهاية الحروب العالمية، ” بتقاسم نفوذ عالمي، وبداية لمرحلة استقطاب دولي جديد ” .
11. الولايات المتحدة احتفظت لنفسها بأسباب عقدها الصلح ” حتى لو منفرداً ، ومن يشاء أن يقاتل روسيا فليذهب ولكن بدوننا ” والغرب (أوربا + بريطانيا) حاول ذلك، ولكن الرئيس الاوكراني أدرك سقف المخاطر، وبالدعم الأوربي البسيط لا يمكن كسب الحرب ضد روسيا التي تطحن الأسلحة الأوربية / الامريكية الفاخرة الباهظة التكاليف والمليارات، فطاوع الإدارة الأمريكية مضطراً في رؤيتها لخاتمة الحرب.
12. المفاوضات الأمريكية / الروسية، أشارت مقدماتها بوضوح تام إلى أن ملفات الشرق الأوسط ستكون من بين الملفات التي سيجري التفاوض عليها، والفقرة الأولى التي أتفق عليها: ” عدم السماح بنشوب خطر ما يهدد وجود إسرائيل “.
13. تقبلت موسكو رفض الغرب لما تقوم به إيران في المشرق العربي، وأبلغت موسكو، موقفها لطهران، وأنها (موسكو) بصدد التكيف مع مرحلة جديدة، وأن هناك واقع دولي جديد سوف تتعامل معه موسكو، ليس من بينه السماح لميليشيات إيران أن تهدد أمن واستقرار أقطار في الشرق الأوسط وتركيا. وأن المنطقة مقبلة على نهوض اقتصادي ضخم وسيعم مجتمع آمن وسلام ضروري للنهوض الاقتصادي.
14. مهم جداً ..! إيران ايقنت أن أصول المباراة وقواعدها قد تغيرت، أو أنها على وشك التغير، وهي لما تنجز بعد ملفات مفتوحة، بل وتحف بها المخاطر، وهي على وشك أن تخسر كل ما سعت إليه منذ عام 1979، (46 عام )بما فيه كامل مشروع ” ولاية الفقيه / تصدير الثورة والفوضى” التي كانت إيران قد وضعت مقدراتها في خدمة المخططات الأمريكية للمنطقة، التي تغيرت بدرجة كبيرة، وأمريكا ليست مستعدة لأبداء الأسف والاعتذار، لحليفها الإيراني، وأوضحت للإيرانيين: ما مفاده: ” سمحنا لكم ب 46 عام من إثارة الفوضى والتخريب والقتل والتهجير والإبادة الجماعية، سواء بيدكم، أو بيد أذنابكم في سورية والعراق ولبنان واليمن وتدخلاتكم الدموية في فلسطين، ولم يسفر في أي منها تقدم إيجابي مثمر. وحين سمحنا لكم تقديراً لظروفكم الاقليمية التعاطي مع الروس، ولكنكم بالغتم وأسأتم التصرف “.
15. موسكو بدورها أفهمت الإيرانيين ” أن لكل مرحلة مساراتها، ونحن على وشك الدخول في علاقة جديدة مع الولايات المتحدة، ويستحسن أن تعيدوا النظر في خططكم “.
16. نظام الملالي أدرك أن النكوص بدرجة حادة، سوف لن يحتملها هيكل سفينة نظامهم المتهالك أساساً. ففي منطقة لا يتمتعون فيها باحترام وثقة عواصمها ومراكزها ..كما أدركوا تماما أن إعادة عقرب التاريخ إلى الوراء مستحيل، وما فقدته في لبنان وسوريا، وقريبا العراق واليمن …والخطر الجدي يتهدد كامل مشروع ولاية الفقيه.
إذا كان التقدم فقد مخالبه، وأنيابه، والتراجع عملية محفوفة بالمخاطر ..فما العمل ….
في السر: طهران تعد اذنابها أنه سيعاد بناء كل شيئ ..بمزيد من التضحيات يقدمها الأذناب على حساب دماء ومصائر شعوبهم. وشعارات ديماغوجية تحريضية لا تساوي شروى نقير ..والاذناب مكرهين لا خيار امامهم إلا التصديق . أو التصديق ..وقد أصبحوا أعداء شعوبهم ..!
في العلن: بكلمات واضحة ومبهمة، تعلن طهران، أن لا أذناب لديها، يأتمرون بأمرها . في الواقع: هم يواصلون التخريب في العراق، ومن خلاله لسوريا ولبنان، واليمن، والأدهى أنهم جلبوا أعداد كبيرة من المرتزقة ومنحوهم الجنسيات والامتيازات، وهم يعرفون أن كل هذا سيزول خلال ساعات، وإيران لعبت القمار حتى في السياسة الكردية، بل ومصير الاكراد في العراق وسورية وتركيا ….! وتركيا عضو في الناتو وحليف للولايات المتحدة… وهذه تعتبرها طهران رسالة لمن يهمه الأمر : نحن لسنا نظام تافه، بل نحن طرف قوي في الشرق الأوسط ووجودنا ضروري في كل تفاهم حوله . نحن (troublemaker) صانعوا مشاكل المنطقة سوف لن يسودها هدوء وأمن وأمان بدوننا ..نحن طرف مهم. لذلك .. وحدة إيران أولا غير موضع نقاش، وإن كان ولابد فضمن صفقة لا تبعثر إيران الدولة. وإذا نستشعر الخطر فالحريق يحرقنا وغيرنا …الخطوط الحمراء هي : السلاح النووي، (رغم أنه لن يمنحها الأمان التام)، ووحدة البلاد، وهذه مرهونة بقضايا عديدة لا أحد بوسعه أن يضمنها .. اميركا أخبرت الجميع أنها مهتمة بالشرق الأوسط، وأن علاقتها مع تركيا والعرب في مقدمة ما تهتم به والأسباب أوضح من الواضح ..المنطقة تضم اليوم 700 مليون نسمة، وقريا مليار، لها مستقبل حاسم، سياسيا واقتصاديا قبل كل شيئ لا أميركا ولا أوربا ولا حتى الروس يغامرون بعلاقتهم بالعرب وبتركيا. مقابل ضجيج لا معنى له ولا فائدة.
الآن أصبح واضح جداً لكل من له حتى ربع عين …. إيران خطر فايروسي يهدد الجميع، ولن تكون جهة بمنجى منها .. والموقف ليس سهلاً، ولكن لابد من مواجهته.