18 ديسمبر، 2024 8:52 م

ماذا تخطط انقرة في العراق؟

ماذا تخطط انقرة في العراق؟

شهدت الاسابيع القلائل الماضية، تطورات ومستجدات ملفتة في ملف العلاقات العراقية-التركية، بدت وكأنها تمهد لمرحلة جديدة من تمدد انقرة وتكريس نزعاتها التوسعية خارج حدودها الجغرافية، سواء كجزء من مساعيها المحمومة والمتواصلة لتكون لاعبا اقليميا ودوليا فاعلا ومؤثرا، قادرا على استعادة امجاد الامبراطورية العثمانية، او تحت ذريعة صيانة امنها القومي من تهديد الجماعات الارهابية المسلحة، وتحديدا حزب العمال الكرستاني المعارض(P.K.K).

ولعل من بين ابرز هذه التطورات والمستجدات، اعلان وزير الخارجية التركي سليمان صويلو في اواخر شهر نيسان-ابريل الماضي، نية بلاده انشاء قاعدة عسكرية جديدة في منطقة متينا بشمال العراق، مشيرا خلال اجتماع للجنة الإدارية المركزية والمجلس التنفيذي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، إلى الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لمنطقة متينا في شمال العراق، بأعتبار أن هذه المنطقة تقع على مقربة من جبال قنديل، التي تعد من أهم معاقل حزب العمال الكردستاني”. واكثر من ذلك يقول الوزير صويلو، “ان عملياتنا في شمال العراق ستتواصل، وتعد منطقة متينا مكانا مهما، وعلى غرار ما فعلناه في سوريا، سننشئ هناك قاعدة، وسوف نسيطر على المنطقة”.

وفي خطوة استفزازية لاحقة، جاءت بعد بضعة ايام، قام وزير الدفاع التركي خلوصي اكار بالدخول الى الاراضي العراقية وتفقد المنطقة المزمع انشاء قاعدة عسكرية فيها، برفقة كل من رئيس اركان الجيش التركي وقائد القوات البرية، بحسب ما ذكرت في حينه وكالة انباء الاناضول شبه الرسمية.

فضلا عن ذلك فأن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، كان قد قال في خطاب لتجمع من انصار حزبه منتصف شهر شباط-فبراير الماضي، “لا جبال قنديل ولا سنجار ولا سوريا، من الآن، لم يعد هناك مكان آمن لهؤلاء الإرهابيين”، ويقصد عناصر حزب العمال المتمركزين في شمال العراق.

وفي الوقت الذي تعلو من بغداد الاصوات المطالبة بأنهاء التواجد العسكري التركي، في اشارة واضحة الى معسكر زليكان بقضاء بعشيقة (42 كم شمال شرق محافظة نينوى)، فأن توجه انقرة الى انشاء قواعد عسكرية جديدة، يعني فيما يعنيه ان الامور تسير نحو المزيد من التأزم والتعقيد، خصوصا مع التلميحات والاشارات الواضحة، بنية انقرة تكرار سيناريو شرق الفرات بسوريا في العراق.

وبينما يتركز الحديث عن معسكر زليكان، والعمليات العسكرية الجوية والبرية للقوات التركية في شمال العراق، فأن هناك تقارير تتحدث عن وجود عسكري تركي كبير وخطير على الاراضي العراقية، فقبل حوالي عام، تداولت بعض وسائل الاعلام المحلية والاجنبية، تصريحات لقادة عسكريين اتراك، تفيد بعزم انقرة على إنشاء ثلاث قواعد عسكرية جديدة في منطقتي سينات وهفتنين بشمال العراق.

الى جانب ذلك تنقل اوساط استخباراتية، معلومات مثيرة ومقلقة عن التواجد العسكري التركي في العراق، الذي ربما يتعدى العشرة الاف عنصر عسكري وامني، اذ تؤكد ان انقرة تمتلك سبعة وثلاثين موقعا عسكريا في شمال العراق، مقسما بين قاعدة ونقطة، وهذه المواقع القواعد موجودة بعمق يتراوح بين عشرة كيلومترات وثمانين كيلومترا، واغلب هذه القواعد والمواقع تتمركز في مناطق تابعة لنفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البارزاني، والمعروف عنه خصومته التقليدية مع حزب العمال التركي المعارض، علما انه خلال الاونة الاخيرة وقعت صدامات بين عناصر الاخير وتشكيلات من قوات البيشمركة التابعة لحزب بارزاني، وادت الى مقتل واصابة البعض منهم، وبينما يتهم حزب العمال الحزب الديمقراطي الكردستاني بالتواطوء مع الجيش التركي والاستخبارات التركية لملاحقته واستهدافه، يؤكد الحزب الديمقراطي ان تواجد عناصر حزب العمال في اقليم كردستان الحق ضررا واذى كبيرا بأعداد كبيرة من الناس جراء عمليات الجيش التركي ضد الـ(P.K.K).

وهناك مؤشر اخر جديد، يعزز النوايا التركية بالتوسع والتمدد، الا وهو قيام الجيش التركي بأقتلاع الاشجار من مساحات كبيرة بشمال العراق، تمهيدا على ما يبدو لانشاء مقرات وقواعد ثابتة فيها، والانكى من ذلك، ان عشرات الشاحنات تولت نقل خشب الاشجار المقتلعة بعد تقطيعها نحو تركيا للاستفادة منها لاغراض تجارية وصناعية، علما انه كان في السابق يقوم بتجريف او حرق المساحات المزروعة لتسهيل عملية ملاحقة عناصر حزب العمال.

وقد سارعت وزارتي الزراعة في الحكومة الاتحادية والحكومة المحلية في اقليم كردستان الى اصدار مذكرة احتجاج شديدة اللهجة ضد الاجراءات التركية العدائية، فيما نشر رئيس الجمهورية برهم صالح تغريدة بهذا الشأن، قال فيها، “التجاوز على السيادة والعنف ونزوح المدنيين من منازلهم.. فقطع أشجار الغابات في هرور وباتيفا وغيرها من المناطق الحدودية في إقليم كردستان، ممارسات غير إنسانية وجريمة بيئية لا يجب غض النظر عنها.. واجبنا التنسيق العملي بين سلطات الحكومة الاتحادية والإقليم، لإيقاف التجاوزات ومحاسبة المذنبين”.

في حين يؤكد عضو لجنة الامن والدفاع البرلمانية في مجلس النواب العراقي، كاطع الركابي، “ان القوات التركية المنتشرة في بعض مناطق شمال العراق لم تكتف بالقصف من خلال الطائرات والمدفعية للقرى والمناطق الجبلية، بل امتدت الى تجريف الغابات وقطع اشجارها ونقلها الى عمق اراضيها من اجل بيعها لمصانع وتحويلها الى فحم يعاد تصديره للعراق، وان كل هذه التجاوزات التي تحصل وحكومة بغداد صامتة ولم تحرك ساكنا، حيث ان حجم التجاوزات والانتهاكات التركية باتت كبيرة جدا للسيادة الوطنية، خاصة بعد زيارة وزير دفاعها وقياداته لبعض نقاط الجيش التركي المنتشرة في شمال العراق”.

مضافا الى ذلك، يشكو العراق بأستمرار، لاسيما في هذه الفترة، من نقص حاد بامداداته المائية في نهري دجلة والفرات بسبب الاجراءات غير الودية لدولة المنبع(تركيا)، في تخفيض التدفقات، لدوافع بعضها قد تكون سياسية، وبعضها الاخر اقتصادية.

وتلعب انقرة، في تعاطيها مع مجمل الملف العراقي، على التناقضات السياسية بين الفرقاء، سواء في بغداد او في اقليم كردستان، وضعف الحكومة الاتحادية، وصمت الولايات المتحدة الاميركية والقوى الكبرى حيال مجمل سياساتها ومواقفها، لاعتبارات مصلحية تتجاوز الحالة العراقية، وبالتالي فأنها لاتعير كثيرا من الاهتمام لاعتراضات بغداد الرسمية والشعبية منها، فهي –بحسب ما يؤكد خبراء امنيون- “لن تسعى للحصول على موافقة العراق، وجميع قواعدها أسستها بدون موافقة الحكومة العراقية”. في ذات الوقت الذي يستبعد الخبير الاستراتيجي التركي جواد غوك، أن تحصل تركيا على موافقة العراق على انشاء القاعدة العسكرية الجديدة، قائلا في تصريحات صحفية، “ان الحكومة التركية لا تهتم بموافقة العراق، بل تطبق القانون الدولي دفاعا عن أمنها. فمن تجاربنا السابقة، لم نحصل على موافقة الحكومة العراقية لإنشاء قاعدة بعشيقة أو غيرها من القواعد العسكرية في مناطق أخرى”.

واذا كانت انقرة، تقدر انها تمتلك العديد من عناصر وعوامل القوة والقدرة لتمرير اجنداتها وفرض اراداتها، فأن واقع الامر يشير الى ان هناك حقائق ومعطيات لايمكن بأي حال من الاحوال تجاوزها وتجاهلها والقفز عليها، لعل من بينها، ان التجارب السابقة اثبتت انه من الصعب-ان لم يكن من المستحيل-القضاء على حزب العمال وانهاء وجوده بالكامل، ومن بينها تلك الحقائق ايضا، وجود مصالح سياسية واقتصادية متشابكة مع بغداد، تخطأ انقرة كثيرا حينما تفرط او تزهد بها، وكذلك، فأن علاقاتها ومصالحها الاقليمية، بل وحتى الدولية، قد لاتتيح لها فعل ما تريده هي لوحدها، بعيدا عن حسابات ومصالح الاخرين، ناهيك عن ان المراهنة على خلافات واختلافات الفرقاء الاكراد في الاقليم وعموم الفرقاء العراقيين، قد يأتي بنتائج ايجابية مرحلية لانقرة، بيد انه على المدى البعيد ربما ستكون الامور مختلفة، خصوصا وان المشهد السياسي العراقي، مشهد فضفاض وخاضع للكثير من المتغيرات والتحولات السريعة والمفاجئة في المعادلات والمواقف والاصطفافات والمصالح. وكل ذلك يعني في النهاية، ان على صناع القرار التركي التفكير بطرق اخرى اكثر حكمة وعقلانية واقل استحقاقات وخسائر، وعدم التعويل على خيار القوة وجعجعة السلاح.

—————————

*كاتب وصحافي عراقي

عفوًا… صادف النظام مشكلة (#001) – جارٍ إعادة المحاولة بعد ثانية واحدة…