ينتظر غالبية العراقيين تحديدا وباقي شعوب المنطقة عامة بترقب كبير لا يخلو من الحذر أول خطوة سيخطوها رئيس الحكومة (العبادي) بعد زيارته الرسمية المهمة الى الولايات المتحدة الأمريكية ولقاءه بالرئيس الأمريكي (ترامب) الزيارة التي تأتي بعد تصريحات كبيرة وخطيرة من الرئيس (ترامب) بعد توليه الرئاسة في أمريكا تخص شؤون المنطقة واحداثها وكافة مجرياتها خاصة في (العراق وسوريا) والتي لا تخلو من التهديد تجاه (أيران) على وجه التحديد بأعتبارها اللاعب القوي والكبير والمؤثر في شؤون كل من العراق وسوريا!.لا سيما أذا علمنا أن محور الزيارة يقوم على كيفية محاولة أخراج العراق من الهيمنه الأيرانية!؟ ولربما ستضع هذه الزيارة المفصلية النقاط على الحروف وتحسم الكثير من الملفات العالقة وتغير الكثير من موازين القوى في المنطقة لا سيما وأن الجيش العراقي عاد أليه بريقه بعد الأنتصارات التي حققها في حربه ضد داعش، وهو في طريقه لأعلان النصر النهائي على عصابات داعش الأجرامية وتحرير كامل التراب العراقي منها. وقد أخضع الكثير من المحللين السياسيين والمتابعين للشأن العراقي عربيا وأقليميا ودوليا زيارة (العبادي) الى المزيد والكثير من التحليلات، غالبيتها أن لم أقل جميعها لا تعدوا كونها توقعات وأماني لا أكثر!، لا سيما وأن المعروف في عالم السياسة وفي مثل هكذا لقاءات وهكذا ظروف أقليمية ودولية معقدة ومتشابكة، أن هناك كلام خاص وخاص جدا يجري بعيد عن أعين الصحفيين وكاميراتهم وبقية الفضائيات!، وهذا ما جرى فعلا!، فبعد أنتهاء بروتكولات اللقاءات الرسمية المعروفة والمتبعة في مثل هذه اللقاءات والمصافحة والتقاط الصور طلب الرئيس الأمريكي (ترامب) من كل الصحفيين ووسائل الأعلام ان يتركوا قاعة الأجتماع؟!، وهناك جانب آخر يؤكد على سرية اللقاء الذي جرى! وهو أن الرئيس العراقي (العبادي) يجيد اللغة الأنكليزية بشكل تام، فلا يحتاج الطرفين الى أي مترجم!، مما يجعل الحديث بينهم بلا أية تحفظ! ووجها لوجه وأذنا لأذن!. وقبل الخوض في أية قراءة مستقبلية عما ستؤول أليه اوضاع العراق بعد هذه الزيارة الهامة وخاصة بعد الأنتهاء من مسرحية (داعش) الدموية ! التي ألفتها وحبكت تفاصيلها أسرائيل وأخرجتها أمريكا بكل فنون الخبث السياسي!. اقول وقد يتفق معي الكثيرين بأن (العبادي) في وضع لا يحسد عليه، فهو واقع بين مطرقة امريكا الفولاذية التي لا ترحم ونظرتها الى المشهد العراقي من خلال مصالحها القومية العليا وأطماعها ،وبين سندان أيران الذي لا يقل قوة عن مطرقة امريكا ومصالحها واطماعها في العراق أيضا. لا سيما وأن (العبادي) يعرف تماما أن ميله الى كفة أيران لا يخدم العراق ولا يخدم المنطقة بعمومها وبنفس الوقت لا يخدم مستقبله السياسي!!
حيث ستستمر المشاكل والأزمات والمصائب والمخاطر تحيط بالعراق من كل جانب!، كما أن مصيره السياسي سيكون كمصير سلفه (المالكي) الذي تلاحقه كل لعنات العالم وليس لعنات العراقيين حسب حيث يعتبرغالبية العراقيين وكذلك غالبية المحللين السياسيين والمتابعين للشأن العراقي سياسته أثناء فترة توليه رئاسة الحكومة لدورتين (8) سنوات السبب وراء كل الأزمات المالية والعسكرية والسياسية والأقتصادية التي يعاني منها العراق وحتى في علاقاته الداخلية مع خصومه السياسيين وعلاقته الخارجية التي جعلت من العراق يعيش في شبه عزلة عن محيطه الأقليمي والدولي. من جانب آخر يستقرأ الكثير من المتابعين والمحللين السياسيين برغبة (العبادي) الداخلية بأنقاذ العراق مما هو فيه رغم القيود الحزبية والسياسية الداخلية منها والخارجية التي تكبله! وأن يخرج به الى فضاءات امريكا والعالم كله وخاصة المحيط العربي بعيدا عن هيمنة وسيطرة وسطوة ايران عليه!؟. والسؤال هنا: هل سيستطيع فعل ذلك؟ وكيف؟. لا شك أن موضوع أخراج العراق من الهيمنة الأيرانية والعودة به الى الحضن العربي ليس بالأمر الهين! كما وأن أيران لا تستسلم وتفرط بالعراق وتخسره بسهولة أمام اية تحديات أكانت من قبل أمريكا او حتى من بقية دول العالم!!، وأذا أفترضنا جدلا انها أرادت ان تتخلى عنه فسيكون ذلك بمقابل كبير تحصل عليه؟! كما فعلت في موضوع الملف النووي فبعد جولات وجولات من المباحثات مع امريكا وباقي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والتي أثبتت وأظهرت فيها بأنها تمتلك حنكة في سياسة النفس الطويل أستطاعت أخيرا أن توافق على أيقاف برنامجها النووي وليس ألغائه! مقابل الحصول على الكثير من المكاسب الأقتصادية وتخفيف الحصارالأقتصادي عنها وهو ما حصلت عليه بالفعل!، وكيف بها في العراق الذي ومن خلال (14) عام التي مضت أستطاعت أن تبني علاقات وجسور قوية ومتينة مع غالبية الرموز الشيعية وقادة الأحزاب الأسلامية الشيعية، ودعمهم بكل وسائل الدعم المالي والمخابراتي والأمني والعسكري والعقائدي والمذهبي، والأهم في كل ذلك أنها أستطاعت أن تؤسس فصائل مسلحة قوية وصل تعدادها الى أكثر من (72) فصيل مسلح! تدين بالولاء لأيران!، حتى أن الكثير من السياسيين يرون في هذه الفصائل المسلحة بأنها أستنساخ لتجربة قوات (البسيج الثورية) في ايران! التي تعتبرالرديف للجيش الأيراني والقوة الداعمة والمحافظة لنظام الحكم في أيران والتي تخضع لأمرة المرشد الأعلى السيد علي خامنائي. الشيء المهم والملفت للأنتباه أن هذه الفصائل الثورية المسلحة تشكل غالبية قوات (الحشد الشعبي) وقياداته!،
والتي يقع عليها الان عبيء القتال في الموصل ومن قبلها في المناطق الغربية من العراق والتي كانت تحت سيطرة داعش، ولم يعد مخفيا على أحد كما لا يمكن أن ننكر الدور البطولي للحشد الشعبي الذي أبلا بلاء حسنا في كل المعارك التي خاضها وقدم الكثير من الشهداء من أجل تحرير الأراضي العراقية من رجس الأحتلال الداعشي لها، حيث يتميز مقاتلي الحشد بالروح الفدائية والمبدأية والعقيدة في القتال. من جانب آخر نجح ممثلوا الأحزاب الأسلامية الشيعية في البرلمان بأصدار قانون خاص بالحشد الشعبي، والذي أثار جدلا واسعا حينها ولازال! حيث أعترضت الأحزاب السنية!على الطريقة والكيفية التي تم التصويت فيها على مشروع قانون الحشد الشعبي بالبرلمان؟!. الشيء المخيف في أمر هذه الفصائل المسلحة المقاتلة وزعاماتها بأن غالبيتها تدين بالولاء المطلق لأيران! أستثناء من قوات العباس العائدة للمرجعية الرشيدة في النجف و(سرايا السلام) التابعة للسيد (مقتدى الصدر)، الذي طالب بحل (الحشد الشعبي) بعد الأنتهاء من معركة (داعش)! وهذا يعتبر تطور ومؤشر خطير نحو أحتمال المزيد من التناحر والأقتتال بين الشيعة أنفسهم!!، لا سيما أن الشيخ (قيس الخزعلي) زعيم فصيل (عصائب أهل الحق) القوي جدا والمدعوم من أيران صرح بأنه لا يسمح بحل الحشد الشعبي ولا بتشويه صورته من أيا كان!. الشيء الملفت في تصريح الشيخ الخزعلي والذي من المحتمل سيثير أزمة سياسية ويثير الكثير من الصراعات هو قوله بأن الحشد الشعبي سيشارك بالأنتخابات القادمة! وسيقضي على الفساد والفاسدين مثلما انتصر على مجرمي داعش!. وقد نقل عن المرجعية الرشيدة بالنجف عن عدم قبولها بمشاركة الحشد الشعبي في أية انتخابات!، ولا ندري أن نسي الشيخ الخزعلي أم تناسى! بأن أقرار قانون الحشد جعل منه كحال الجيش العراقي ويقع تحت أمرة القيادة العامة للقوات المسلحة وأمرة رئيس الحكومة (العبادي) بأعتباره القائد العام للقوات المسلحة، وبالتالي يعني عدم السماح له بالدخول بأية انتخابات قادمة وفقا للقوانين!. (وهنا لابد من الأشارة بخصوص موقف السيد مقتدى الصدر بأن التيار الصدري محسوب بالأسم فقط على التحالف الشيعي! حيث من الواقع العملي والفعلي هو يقف على النقيض من كل توجهات التحالف الوطني!، كما وأن أمريكا وأيران والسعودية وباقي دول المنطقة يعرفون ذلك جيدا كما ويعرفون بأن السيد مقتدى الصدر يتزعم المظاهرات التي تخرج مطالبة بالأصلاح والقضاء على الفساد) نعود بالسؤال: ماذا سيفعل العبادي أمام هكذا مشهد غاية في التعقيد وكأنه مجموعة من قنابل موقوته!؟.لا شك وكما ذكرنا من قبل أن موضوع أخراج العراق من الهيمنة الأيرانية وأعادته الى الصف العربي ليس بالأمر السهل والهين! أمام هكذا تداخلات وتشابكات من الصعب فرزها!، كما أن عودة السعودية والتي تعتبر القطب القوي والمناهض لأيران في المنطقة والمدعومة من قبل امريكا والغرب ، الى العراق جاءت متاخرة بل متأخرة جدا!( زيارة وزير الخارجية السعودي الجبير قبل ايام الى العراق). هذا وعلينا أن لا ننسى والكل يتذكر ذلك بأنه ولأشهر قليلة مضت كان السفير السعودي السابق(ثامر السبهان) شخص غير مرغوب به من قبل غالبية العراقيين وليس من قبل الخارجية العراقية فقط! لكونه رجل مخابراتي وكانت كل تحركاته وتصريحاته وتصرفاته مريبة ومثار شكوك وخارجة عن الأعراف الدبلوماسية! وكثرت شكوى وزارة الخارجية العراقية منه الى أن تم استبداله بسفير جديد يقال بأنه شيعي! وتزامن ذلك مع تحركات السعودية في أعادة ترطيب اجواء العلاقات مع العراق وتنقيتها من غبار الماضي ومحاولة العودة بها الى أجواء ثمانينات القرن الماضي!!. نعود الى صلب الموضوع وهو كيف سيستطيع العبادي أن يفلت من قبضة أيران القوية على عموم المشهد العراقي؟ لا سيما وأن الكثير من القادة الأيرانيين يرون في العراق بأنه أصبح الحديقة الخلفية لأيران منذ سقوط النظام السابق في 2003 وأنه أي العراق صار بمثابة حائط الصد لأيران من أية مخاطر خارجية محتملة! وبنفس الوقت ترى أيران ويرى الكثيرون معها بأنها متفضلة على العراق والعراقيين حيث لولاها لأستطاعت داعش أن تصل الى قلب بغداد وحتى الى (علاوي الحلة!). من جانب آخر أن العبادي يعيش صراعا لم يعد خفيا على أحد مع سلفه المالكي الأمين العام لحزب الدعوة الذي ينتمي اليه العبادي وكما معروف ان المالكي مدعوم بقوة من قبل ايران بل تعتبره رجلها الأول والقوي في العراق والطامح للحصول على ولاية ثالثة في الأنتخابات القادمة!!. أمام هذا الوضع المعقد والمتشابك والذي يحيط بالعبادي من كل جانب من أصدقائه واعدائه على السواء! نعيد السؤال: ماذا سيفعل العبادي وكيف ستدعمه أمريكا أذا قرر فعلا الخروج بالعراق من هيمنة أيران والعودة به الى الصف العربي؟!. الجانب الآخر في صورة اللقاء بين العبادي وترامب والذي يثير السؤال هو : هل أن أمريكا بزعيمها الجديد (ترامب) جادة بأعادة العراق الى ما كان عليه قبل الأحتلال؟ أي بمعنى آخر هل سيعيدون أعمار العراق وأعادة كل بناه التحتية المدمرة تحت شعار(النفط مقابل البناء والأعمار) وعلى يد شركات أمريكية كبرى حصرا، أو العمل بمشروع (مارشال خليجي) وبدعم امريكي غربي لأعادة اعمار العراق وخاصة محافظاته المدمرة والمارشال الخليجي المزمع القيام به هو على غرار المارشال الأمريكي الذي عملته امريكا في أعقاب الحرب العالمية الثانية لأعادة بناء الأقتصاد الأوربي وتحديدا لكل من ألمانيا واليابان!!. وعندما نسأل عن مدى جدية أمريكا فيما تصرح به هو بسبب الخوف منها! حيث سبق لأمريكا أن وعدت العراقيين قبل اسقاط النظام السابق واحتلالها للعراق بأنها ستجعل من العراق قبلة العالم وجنة الأرض حتى يصبح الحصول على فيزا لزيارة العراق ودخوله حلما يراود أي فرد بالعالم؟!!، وغيرها من تصريحات وأحلام ووعود كلها كانت أضغاث احلام حيث لم يجن العراق وشعبه من تلك الوعود الأمريكية غير المزيد من الخراب والدمار والموت والضياع والتمزق!. أخيرا نسأل: هل سيستطيع العبادي القيام بأنقلاب أبيض مدعوم من أمريكا ينقلب به على حلفائه من التحالف الوطني الشيعي وتحديدا من حزب الدعوة المنتمي أليه ويخرج بالعراق من قبضة أيران وكل حلفائها في الداخل؟ وهل ستصدق أمريكا بوعودها بأعادة أعمار العراق وبنائه وأعادته للصف العربي وحمايته من اية مخاطر اقليمية او دولية؟ هذا ما سننتظره وما ستكشفه قادمات الأيام؟.