23 ديسمبر، 2024 1:29 ص

ماذا بعد فشل عملية الحريري ؟

ماذا بعد فشل عملية الحريري ؟

أزمة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري تجسد أزمة لبنان. وعملية أسره قدمت على إنها أسر لبنان، وإرتهانه للإرادات الدولية. تقليدياً، تتحكم في لبنان إرادة فرنسا كراعي سياسي، وإرادة السعودية كراعي إقتصادي، ومالي. غيرإن الأوراق قد إختلطت بدخول لاعب جديد على لبنان هو إيران، نتيجة خطأ إستراتيجي بقبول السعودية التدخل السوري في لبنان وإحتلاله بغطاء الجامعة العربية، مما وفر تغلغل إيران، بحكم الوجود السوري الحليف التقليدي لإيران منذ ما قبل الحرب العراقية الإيرانية، عبر بوابة حزب الله والمقاومة. المعروف الآن، إن ما يراد للبنان، وفق هذه المعطيات، أن يصبح، هو أبعد ما يكون عن كونه دولة مستقلة، وإنه أشبه بمحطة لصراع الإرادات.

يُستدعى على عجل رئيس الوزراء اللبناني، وسواء يعلم بمصيره، وما سيؤول اليه، أم لا يعلم، فهو لا يملك إلا أن يلبي ذلك الإستدعاء. وسواء وقع بالفخ بإرادته أو بغير إرادته، فهو لا يملك أن يرفض، لأنه ثلث لبناني، وثلث سعودي، وثلث فرنسي “معطل”. وغالباً ما يكون ثلثه السعودي هو “المشاغب”، بحكم صراع المال الخاص الضاغط. وحكم المال العام الأكثر ضغطاً. كل المؤشرات تشير الى إن سعد الحريري كان محتجز لدى السعودية.. وكل المؤشرات تشير الى حجم الإهانة، والإذلال، التي لحقت ليس بسعد الحريري، فحسب، بل لحقت بعموم الشعب اللبناني، بكل فئاته، وأطيافه، رغم التبريرات المتهالكة، التي يحاول البعض، وعلى وجه الخصوص أصوات من تيار المستقبل، على خجل، أن يسوقها، للداخل، والخارج، دون فائدة، ودون إقناع حقيقي، لا لأغلبية الشعب اللبناني، والعالم، بل حتى لجماهير التيار بحد ذاته. زِد على ذلك، فكثير من الشعب اللبناني كان متفائل بمسيرة حكومة الحريري، فكل المعطيات تشير الى إن الأداء السابق، خلال السنة الماضية، للحكومة اللبنانية يبشر بخير، بحدود مقبولة. فلماذا إذن جاءت الاستقالة. لا شيء، سوى، إنه من سوء حظ لبنان إن المال الأجنبي هو من يتحكم بتياراته السياسية. ولذلك فإن الإرادة الوطنية هي أضعف الحلقات، فيه. سواءاً كان الامر مرتبط بالسعودية وأخواتها، أم بأطراف أخرى، أوضحها إيران، وهذا ما ظهر بشكل لافت، عندما إستدعى الحريري الى السعودية وحصل ما حصل.

وجهات النظر المتباينة، والمتصارعة على الساحة، وكل منها، يريد إثبات إن وجود الحريري في السعوديه، هل كان إحتجاز أم عدم إحتجاز؟ وكل يقدم براهينه، ودلالاته. غير إن واقع الحال أثبت للمراقبين أن السعودية، وعلى أحسن تقدير، لم تحسن إدارة الأزمة. وكان عليها أن تقنع الحريري بوجهة نظرها، وتطلب منه التوجه الى أيّ من وطنيّه، ليقوم بإدارة الموضوع سياسياً من بيروت أو من باريس. عند ذلك لأبعدت عنها الشبهة، ورفعت عن الحريري الحرج، وخرجت بسيناريو مقبول من جميع الأطراف.

الآن حدث ما حدث، وتم فك الإشتباك في أحتجاز الحريري، بسبب إصرار الرئاسة الفرنسية، ووجود وزير خارجيتها في الرياض، لأيام، الذي أعطى مؤشراً واضحاً بعدم مغادرته إلا والحريري طليق، أو بسبب تصريحات وزير خارجية ألمانيا الواضحة بهذا الشأن، أو غير ذلك، من المؤشرات الدولية، ما خفي منها وما ظهر، أو بالضجة الكبيرة التي أحاطت الرأي العام العربي والعالمي، فما هي المحصلة، بعد الذي حصل. لعلها ضارة نافعة، فلقد أبعدت لبنان، لحد الآن، والمنطقة عن حرب جديدة تضاف الى هذه الحروب المفتعلة التي ورائها مثل هذه المخططات القاصرة التي تستطيع أن تشعل النار، ولكنها لا تستطيع أن تطفيها.